الدراما، والفن عموما، من أهم أدوات تشكيل الوعي لدى الجماهير.
فلا يمكن لمجتمع أن يخوض معركة ترتبط بالوعي دون أن تكون الدراما في مقدمتها، لما لها من دور في اتساع رؤية المتلقي للتحديات التي تواجه مجتمعه.
فللفن دور كبير في تهذيب مشاعر المشاهدين تجاه ما يتعرضون له من سلوكيات وأفكار، قد تكون جسرًا للتطرف، إذ يغير الفن الصور النمطية لدى المواطنين ويفكك الصورة المركبة الراسخة في عقول النّاس، وهنا يمكن القول إن الفن يرتقي بذائقة ومشاعر النّاس ويرفع فهمهم لقضايا ما كان لغيره أن يفعلها بصورته نفسها.
ولقد عبّرت الدراما الوطنية عن التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية مؤخرا، فنجحت في الوصول إلى أهدافها بسرعة كبيرة، ومن أول الموضوعات التي اهتمت بها قضايا الإرهاب والتطرف، للوقوف أمام نشاط تنظيمات العنف والإرهاب، سواء في تنفيذ عمليات التجنيد أو مواجهة السلاح بالفن والأفكار.
وجاءت بعض الأعمال الدرامية التي فككت بعض مفاهيم تنظيمات الإسلام السياسي في عقول النّاس، كما نجحت في كشف النقاب عن مخططات هذه التنظيمات، ما زاد إدراك المواطن البسيط لما يحاك لوطنه من قبل هذه التنظيمات الإرهابية.
ولأن معركة الإرهاب في أي دولة بحاجة إلى اصطفاف مجتمعي في خطوط المواجهة الأمامية، فقد كانت الدراما وأثرها في أول الصفوف من هذه المعركة، إذ يستطيع عمل فني واحد من ثلاثين حلقة أن يغير مفاهيم رسّختها جماعات العنف والإرهاب على مدار عقود، فضلا عن أن القاعدة الجماهيرية التي تخاطبها الفنون -خاصة المسلسلات- أكبر بكثير من تلك التي تتأثر بالخطاب الإرهابي.
ومن أهم الأعمال الفنية المميزة في هذا السبيل مسلسل "الاختيار" بأجزائه الثلاثة، والذي تنتجه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر، حيث يأتي الجزء الثالث من مسلسل "الاختيار" في رمضان هذا العام تحت اسم "القرار"، ليُسلط الضوء على الأحداث السياسية، التي مرت بها مصر بعد عام 2011، وركزت بشكل مباشر على الأحداث التي سبقت ثورة 30 يونيو عام 2013، وهنا يعرض المسلسل الصورة الكاملة لجماعة الإخوان المسلمين ومخططها في هدم البلاد، كما نجح العمل الدرامي في تقديم أدلة بالصوت والصورة على جرائم قيادات هذا التنظيم ونياتهم الحبيثة تجاه بلدهم.. إنها صورة الإخوان الحقيقية في حلم الوصول إلى الحكم وإقصاء الآخرين بالعنف، دون أن يكون لهم أدنى أفضلية على الآخرين.
صحيح أن الأحداث التي يسردها "الاختيار" عاشها غالبية المصريين، ولكن العمل يكشف حجم الجرائم التي ارتكبها تنظيم الإخوان في حق مصر، ودور أجهزة الأمن في مواجهة هذا التطرف والعبث بأمن دولة كبيرة في المنطقة، كما أن العمل الدرامي خصص المشهد الأخير منه لإذاعة لقاءات سرية خاصة لقادة الإخوان والتي تظهر نياتهم الحقيقية دون زيف أو تشويه.
لقد كشف مسلسل "الاختيار" حقيقة دور ما يسمى "مكتب الإرشاد" في إدارة الدولة المصرية، وأداء الإخوان حين وصلوا إلى الحكم، ومحاولاتهم "أخونة مصر"، إذ حاولوا السيطرة على المؤسسات الأمنية، وفشلوا بطبيعة الحال، فكرروا محاولتهم نحو القضاء والإعلام، لكنهم فشلوا أيضا.
كان الرهان في كل ذلك على وعي المصريين، وهذا ما حاول مسلسل "الاختيار" أن يظهره ويركز عليه لإفساد أي مخططات لهذه التنظيمات مستقبلا، فضلا عن أن المسلسل بمثابة وثيقة تاريخية لأحداث سياسية مرت بها مصر، فتسليط الضوء على التجربة قد يكون مفيدًا للمشاهد العربي في أي مكان.
البصمة التي حققها مسلسل "الاختيار" حققها أيضا مسلسل "العائدون"، والذي أفرد الحديث عن تنظيم "داعش" الإرهابي ومخططاته، ودور أجهزة الأمن المصرية في التصدي لخطر التنظيم داخل وخارج البلاد، كما يقترب المسلسل من أفكار هذا التنظيم وخلفياته النفسية، التي تتحكم في قياداته، وحجم الجرائم التي يرتكبونها، كذلك مسلسل "بطلوع الروح"، الذي يحكي قصة طرق التجنيد داخل التنظيمات الإرهابية، مع أعمال العام الماضي، "هجمة مرتدة" و"القاهرة- كابول"، تمثل جميعها حالة من الحماس والوعي تتكون في مواجهة الإرهاب، فتأثير حلقة واحدة أكبر من تأثير مائة كتاب، فضلا عن سرعتها في التواصل مع الجمهور من البرامج والخطب والبيانات.
المنتجون العرب مدعوون لمزيد من الإنتاج في هذه المساحة، بأن يتم تسليط الضوء بصورة أكبر على تفكيك أفكار التنظيمات الإرهابية وفضح مخططاتها دراميا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة