روسيا قد تحيد النفوذ أو الدور الإيراني في المنطقة العربية، فالرئيس بوتين استعاد الكثير من نفوذ وقوة الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك من خلال دعم دور إيران المناهض لواشنطن في العراق والملف النووي، وحرب جورجيا، وضم جزيرة القرم الذي يحمل تحذيراً لدول البلطيق و
روسيا قد تحيد النفوذ أو الدور الإيراني في المنطقة العربية، فالرئيس بوتين استعاد الكثير من نفوذ وقوة الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك من خلال دعم دور إيران المناهض لواشنطن في العراق والملف النووي، وحرب جورجيا، وضم جزيرة القرم الذي يحمل تحذيراً لدول البلطيق وحلف «الناتو»، والدخول كطرف أساسي في الثورة السورية، كل ذلك مع توفر سياسة روسية تميزت بالصبر والحنكة تجاه متغيرات إقليمية ودولية جمعت مصالحها مع دول عربية خليجية، واستفادت من الخلاف الأميركي مع تركيا الحليف التقليدي للغرب والعضو في «الناتو»، وأفسحت المجال أمام إسرائيل، بالإضافة إلى تطور العلاقات الروسية- الدولية بشكل عام، ومثال ذلك علاقاتها مع اليابان وكوريا الجنوبية، كما أن «السياسة الروسية» كسبت الرهان في متغير دولي أتى عبر تغير الإدارة الأميركية نحو المحافظين.
موسكو لن تترك الحبل على الغارب للجيوبوليتيكية الإيرانية التوسعية، التي ومنذ الثورة الإسلامية حتى اليوم تسعى إلى اختراق بعض الدول العربية والهيمنة عليها سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً مستغلة وجود المكون الاجتماعي الشيعي وصناعة المليشيات الشيعية في الدول التي تعاني انفلاتاً أو فراغاً أمنياً، فالمنطقة لا تتحمل استمرار الفوضى وتجاوز مبادئ العلاقات الدولية وسيادة الدول، ولعل موسكو أصبحت تنظر لإيران بأنها لا تدرك الواقع الإقليمي والدولي وحقيقة حجمها كدولة إقليمية ليست من الدول الكبرى، فأسس العلاقات الدولية لا تعطي الدين دوراً في العلاقات الدولية رغم أثره المهم، وترى موسكو السياسات الدينية الشيعية الإيرانية في سوريا والمنطقة العربية لا تخدم الاستقرار، وستنعكس بصورة أو بأخرى على الداخل الروسي حيث الروس المسلمون السنة. علاوة على ذلك، من الطبيعي أيضاً أن تكون القيادة الروسية سجلت المؤشرات التي تؤكد بأن صورة إيران وما تدعي من «محور الممانعة»، أصبح لدى السواد الأعظم من المجتمعات العربية «محور الفوضى والخراب»، فمسألة تحييد الدور الإيراني تعد مؤشراً لتعزيز أكبر للعلاقات الروسية الإقليمية والدولية، ومؤشراً يحفز لتوزيع الأدوار والمصالح الإقليمية والدولية بين موسكو واشنطن.
حقيقةً، تكاد إيران أن تكون في عزلة من دول المنطقة، حيث لها علاقات مع نظام سوريا الذي لا يحسب اليوم نظاما لدولة ذات سيادة كحال لبنان، والعراق مخطوف في دائرة تضم المذهبية الشيعية والفساد السياسي، وها هو إقليم كردستان العراق هدد بالاستقلال عندما لوحت طهران برجوع نوري المالكي إلى المشهد السياسي، ويمكن وصف العلاقات الإيرانية مع دول مجلس التعاون الخليجي رغم وجود علاقات تجارية بأنها بين الريبة والحذر، وبين ملفات صراعية في الشؤون الأمنية من الموارد الطبيعية البحرية، واستمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وعدم ترسيم الحدود البحرية، والتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية، وصولا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية لبعض الدول العربية مع إيران. وبالنظر في العلاقات الإيرانية- التركية نجد أن المصالح الاقتصادية ومسألة القضية الكردية لا تخفي حقيقة التنافس الإقليمي خاصة في العراق وسوريا وتطور العلاقات الدولية مع موسكو وواشنطن ومع الدول الإقليمية العربية وخاصة الخليجية منها. ففي محادثات أستانا بين النظام السوري والمعارضة كانت رسالة روسيا واضحة لإيران ونظام بشار حيث قال لافروف لولا التدخل الروسي لسقطت دمشق، وهذه الرسالة تؤكد بأن موسكو هي القوة الحقيقية ولها اليد الطولى في رسم مستقبل سوريا حتى أنها طرحت دستوراً جديداً لسوريا، ولعل هذا الدستور الروسي الخالي من الدين يحمل رسالة لإيران التي واجهت إصراراً قوياً في مفاوضات أستانا من وفد المعارضة السورية مسنوداً من تركيا بخروج الميليشيات الشيعية، وعلى رأسها «حزب الله»، والمدعومة من نظام ملالي إيران، بل ومساواتها بتنظيم «داعش». كل ذلك يؤكد أن إيران تتجه إلى عزلة دولية وتقييد قوتها، ناهيك عن أن مخططات الفوضى الأميركية أصبحت ميتة في ظل قيادة ترامب.
رغم كل تلك المؤشرات والحقائق، تحاول إيران المحافظة على نفوذها في المنطقة العربية، فهي تتمسك بشخصية ونظام بشار الطائفي، لأن بقاءه ضعيفاً سيجعله يحتاج إلى المليشيات الشيعية الإيرانية وخاصة «حزب الله»، وفي هذا الهدف أجرت إيران بعض الاتفاقيات مع نظام بشار قبيل اجتماع أستانا الأخير عبر توقيع عقود في الموارد الطبيعية والاتصالات والموانئ. ومما لا شك فيه، خسارة إيران لنفوذها وتواجدها في سوريا سيقود إلى تحطم مد ثورتها الشيعية منذ 1979، فنظام الملالي الإيراني أصبح في مسارات ضيقة بسبب تلاقي مصالح روسيا وتركيا وبعض الدول الخليجية المهمة في إعادة الاستقرار في المنطقة، وإذا دخل ترامب بهذا التلاقي سوف يتقلص الدور الإيراني في الساحة العربية حتى الاختناق السياسي والأمني، لذا ربما تهرب طهران نحو خلق فوضى إقليمية عبر تعزيز قوة داعش وجعل العراق ساحة لاقتتال مذهبي وقومي مثلا، وربما تتجاوز وتدخل في صراع مع دول الخليج العربية كخلق فوضى كبيرة في البحرين والكويت، وليس بعيدا أن يكون هناك تعدٍ واستيلاء على حقول نفط وغاز في بحر الخليج، فخلق فوضى في المنطقة العربية- كما تظن طهران- سيساعدها على تقاسم النفوذ الدولي والإقليمي في سوريا، أي جعل سوريا كلبنان شبه دولة لنفوذ إقليمي ودولي، ولكي لا تبتر أذرعها من المليشيات والقوى الشيعية في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وأيضاً لكي لا تتزايد القيود الدولية على تطوير التكنولوجيا النووية الإيرانية.
وضع أغلال وقيود على أيدي إيران في المنطقة العربية، سيجعلها تعود وتواجه الواقع الداخلي الإيراني، الذي يسجل حالة كبيرة من ضعف التماسك الاجتماعي من خلال اتساع طبقة الفقراء وزيادة الملحدين في ظل نظام ديني مذهبي، وغياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية وحضور قوي لشريحة كبيرة من المعارضة في الخارج والداخل الإيراني لاستمرار النظام الثيوقراطي المذهبي، إضافة لكل ذلك هناك بروز الأقليات العرقية والمذهبية، ناهيك عن قرب الانتخابات الإيرانية.
نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة