سلاح الدبلوماسية أم رصاص العسكر.. من ينقذ النيجر؟
لهيب أزمة النيجر يتسلق أسوار الحدود ليعلن "الطوارئ" بدول الجوار، هناك حيث بدأ حراك دبلوماسي وقوده أمل بألا يتهاوى حجر الدومينو.
وتعد الأزمة الناجمة عن الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، أهم تحدٍّ يواجه دول الجوار العربي والأفريقي، حسب خبراء، بالنظر إلى تداعياتها المحتملة على المستويين الأمني والإنساني، والتي ستكون أكثر تعقيدا في حال تنفيذ مجوعة إيكواس تهديداتها بالتدخل عسكريا.
سياسة إيكواس والتدخل العسكري.. 6 تجارب قبل النيجر
وبالإطاحة ببازوم، يسقط حكم مدني آخر في منطقة الساحل الأفريقي التي تعيش منذ سنوات حالة عدم استقرار سياسي وأمني جراء الأزمات الداخلية وانتشار الجماعات الإرهابية.
ولم يتأخر أول ارتدادات الانقلاب في الظهور، حيث تعرضت قافلة للجيش المالي في طريقها إلى النيجر، قبل يومين، لكمين نصبته مجموعة إرهابية محسوبة على داعش ببلدة ميناكا، حسب مصدر أمني.
باتجاه الجزائر وليبيا
وصدرت إدانات للانقلاب من كافة دول الجوار، لكن الخلاف كان حول طريقة التعامل مع المجلس العسكري الجديد، بين تهديد مجموعة دول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل عسكريا لإعادة بازوم، وتحفظ من دول مثل الجزائر ومالي وبوركينا فاسو على هذا الخيار الذي سيؤدي -وفق رويتها- إلى تأزيم الأوضاع داخليا وإقليميا.
وبدأت تحركات دبلوماسية خفية وعلنية بين دول المنطقة لتنسيق المواقف بشأن الأزمة، وكان أبرزها إيفاد رئيس نيجيريا باباغانا كينجيبي، وهو الرئيس الحالي لمجموعة إيكواس، لمبعوثين إلى الجزائر وليبيا لبحث أزمة النيجر.
وقال بيان للخارجية الجزائرية إن مبعوث الرئيس النيجيري نقل رسالة للرئيس عبد المجيد تبون لم يكشف عن فحواها.
وأشار المصدر ذاته إلى أن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الذي استقبل المبعوث النيجيري نيابة عن تبون، أبلغه "موقف الجزائر الرافض للانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي في هذا البلد الشقيق والجار، والداعي إلى عودته إلى منصبه الدستوري بصفته رئيس جمهورية النيجر".
وأضاف أن رئيس الدبلوماسية الجزائرية أكد لضيفه "ضرورة تفعيل كل الطرق والسبل الدبلوماسية والسلمية وتجنب خيار اللجوء إلى القوة الذي لا يمكن إلا أن يزيد الأوضاع تعقيداً وتأزماً وخطورةً على النيجر وعلى المنطقة برمتها".
من جهته، دعا رئيس حكومة ليبيا المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، في تغريدة أعقبت الانقلاب، إلى "وضع حد فوري لهذه التحركات العسكرية التي تقوض أمن المنطقة واستقرارها، وتشكل مصدر قلق لجميع البلدان المجاورة، والمجتمع الدولي ككل".
وتعد الجزائر وليبيا من أكثر دول الجوار العربي تخوفا من تعقد الأوضاع في النيجر، بحكم التماس الجغرافي، وانعكاسات ذلك عليهما بتدفق اللاجئين وتزايد الضغوط الأمنية مع تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية عبر الشريط الحدودي.
حجرة الدومينو
البروفيسور توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة، يرى في تعقيب على التطورات، أنه "إذا أردنا أن نقيم تداعيات هذا الانقلاب في حالته السلمية يعني دون تدخل عسكري خارجي، على الجزائر مثلا، باعتبارها دولة مستقرة، فإن وجود حالة عدم استقرار في النيجر سيكون عبئا عليها من الناحية الأمنية والإنسانية في حال تدفق اللاجئين".
ويقول بوقاعدة، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "عدم استقرار النيجر يؤثر على مصالح الجزائر ويضيف عبئا آخر عليها إلى جانب حالة عدم الاستقرار في مالي وبوركينا فاسو وليبيا، لذلك فالجزائر تدين الانقلاب وفي نفس الوقت تحاول تفعيل آليات دبلوماسية لحل الأزمة دون الذهاب إلى الخيار العسكري".
وتابع أن "الجزائر موقفها حساس وحذر، فهي ترفض فيه الانقلاب وترى أنه استيلاء على السلطة بعيدا عن الخيارات الدستورية ويشجع أطرافا أخرى على الانقلاب على الأنظمة الشرعية ما يجر على القارة حالة من عدم الاستقرار".
وأوضح أنه بالنسبة لليبيا، و"رغم أنها تعيش عدم استقرار سياسي، لكن في المرحلة الأخيرة يبدو أن الأمور مستقرة بها على الأقل أمنيا وبشكل حذر، مع بداية تحرك الأمور سياسيا للخروج بتوافقات لإنهاء حالة الانقسام بين شرق ليبيا وغربها وهذا الوضع يجعلها تحتاج استقرارا على حدودها على الأقل".
وحسب بوقاعدة، فالأمر ينسحب أيضا على دول جنوب النيجر، مثل بنين ونيجيريا، التي تتخوف من أن تمتد إليها عدوى الانقلاب، خاصة في ظل دلائل ومؤشرات حول وجود أرضية خصبة لذلك، على شاكلة مواقف لأحزاب ونخب بدأت تعلو أصواتها لرفض استمرار الهيمنة الفرنسية ووجود قواعد عسكرية على أراضيها.
وخلص الخبير إلى أن "الجميع يرفض الانقلاب ويتخوف من تداعياته وأن يكون حجرة الدومينو التي تمتد إلى مناطق أخرى أفريقية".
السيناريو الأسوأ
يعتبر بوقاعدة أن الاحتمال الثاني -وهو الأسوأ- أن تنفذ إيكواس تهديدها بالتدخل عسكريا لإعادة السلطة لبازوم.
ويقول إن "التدخل العسكري سيفرز حالة من الاضطراب قد تتحول إلى حرب أهلية في النيجر ذاتها والنموذج الليبي ما زال ماثلا للعيان، وكلنا يعلم ما خلف التدخل العسكري في ليبيا وما تعانيه حتى اليوم من حالة تشرذم وانقسام وصراع".
وشدد على أن هذا الوضع سيجعل المنطقة مرتعا للجماعات الإرهابية وانتشار التجنيد في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وكذلك ضعف قدرات هذه الدول في مواجهة النشاط الإرهابي وغياب الدعم الدولي كما جرت العادة.
كما حذر من أن "المنطقة على شفا مرحلة انهيار إذا لم يتم تفعيل الدبلوماسية ، لأنه في حال تنفيذ التدخل العسكري فإن دول الجوار ستتأثر أمنيا وكذلك في البعد الإنساني من خلال تدفق اللاجئين هروبا من الاقتتال والحرب".
ويضيف أن الأخطر أن "هناك حلفا تشكل داخل مجموعة إيكواس بإعلان دول مثل مالي وبوركينا فاسو رفض التدخل العسكري، وفي حال تنفيذه قد تجد المنطقة نفسها أمام مواجهة بين كتلتين من داخل المجموعة، وقد تسير الأمور نحو تفكك المنظمة وانهيار الإطار الدبلوماسي لاحتواء الأزمة، وهذا أمر خطير".
مثلث الإرهاب
من جهته، يحذر الكاتب البوركيني محمد الأمين سوادوغو، في حديث مع "العين الإخبارية"، من أنه في حال تفاقمت أزمة النيجر وحصل تدخل عسكري، فستحصل كارثة أمنية واقتصادية وإنسانية.
ويقول سوادوغو إن "معظم الخبراء السياسيين والمحللين الأمنين يتفقون على أن تدخل الناتو في ليبيا عام 2011 كان وراء انتشار السلاح في الساحل الأفريقي عبر التهريب، وساهم في زيادة قوة الجماعات المسلحة المختلفة، ولذلك فإن التدخل العسكري في النيجر سيحول المنطقة إلى بؤرة صراعات لن تنتهي أبدا".
ولفت إلى أن استهداف الجيش النيجري يعني أن داعش الذي يسيطر على المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو سيحكم سيطرته على مناطق أكثر.
وتساءل "إذا عجز جيش النيجر وهو بكامل صحته وعتاده عن تحرير جميع أراضي النيجر واستعان بالجنود الفرنسيين وقدم لهم أربع قواعد عسكرية، فكيف سيكون الحال إذا تعرض لضربة عبر تدخل عسكري من دول إيكواس؟".
ويرى الكاتب أن هناك أيضا مخاوف من احتمال نشوب حرب أهلية إذا وقع تدخل خارجي لدعم بازوم الذي ينحدر من الأقلية العربية، فالنيجر دولة عشائرية، وتوظف هذه المعطيات العرقية أحيانا في السياسة، وقد تتحول القضية إلى نزعة قبلية لا تبقي ولا تذر.