مع بداية الألفية الثالثة كان العالم على موعد مع توحش ظاهرة الإرهاب، الذي ما يزال ينتشر كخلايا السرطان حاصدا الأرواح.
ومع مرور أول عقدين من الألفية، ما لبث أن بدأ العالم يتنفس الصعداء ويأخذ قسطا من الراحة، حتى عاود الظهور نوع جديد منه، ولكن هذه المرة لا يحمل سلاحا لقتل النفس، بل يُغذِّي فكرا وسلوكا يقتات على الجنس البشري ذاته.
إنه الشذوذ الجنسي الذي يحمل عدة تسميات مختلفة من بينها "المثلية - مجتمع الميم - مزدوجي الميل - البارافيليا- الانحراف الجنسي- المتحول جنسيا، الحرية الجنسية".. فكلها مصطلحات تحمل المعنى نفسه رغم اختلاف الحروف، وباتت القوى اليسارية المتطرفة في الغرب بكذبها تشهر سلاح "رهاب الشذوذ" لكل من يعارضها، متجمّلة بمساحيق لإخفاء قبحها، سعيا إلى إضفاء المشروعية على الفعل الشاذ، الذي يتنافى مع الطبيعة الإنسانية السوية لتحقيق مآربها ومصالحها الضيقة غير عابئة بغيرها.
وللأسف لا نستطيع أن نضع أيدينا على أعيننا خجلا من التعرض لهذه الآفة التي تحولت من السلوك الفردي إلى ظاهرة جماعية تحت مظلة الحرية والمساواة، وهي أبعد عن ذلك بكثير، فقد بدأت أصوات هؤلاء "الشواذ" تعلو للحصول على حقوق مدعومة يُراد بها باطل، وما زاد الطّين بِلَّة دخول لوبيات ومنظمات تتشدق بالحرية في هذا المستنقع الجنسي لتجميل الشذوذ على أنه "طبيعي"، والضغط على المجتمعات المسلمة والعربية، وهو ما يمثل خطورة هذه الظاهرة الدخيلة على تقاليدنا، وعاداتنا، وديننا ومجتمعاتنا.
ولعل بعض الجمعيات والمنظمات، تظن أن وجودها في دول تضمن لمن هم على أرضها حياة ملؤها قيم التسامح والتعددية الثقافية، وتكفل للجميع العدل والاحترام والمساواة، فكريا وثقافيا وطائفيا ودينيا، وتجرم الكراهية والعصبية، وأسباب الفرقة والاختلاف، قد يسمح لها باستغلال هذه الظروف من أجل تمرير أجنداتها وإحداث خلل في القيم والمعايير الدينية والأخلاقية، فالحرية الشخصية لها ضوابط، ولا يمكن خلطها مع مدعي حرية الشذوذ، التي تتعارض مع الطبيعة والفطرة الإنسانية وكل الأديان السماوية.
فلا عجب أن تتبنى شركات كبرى ومنصات عالمية غربية -تحظى بانتشار كبير عالميا، لا سيما في الدول العربية والإسلامية - الترويج للشذوذ الجنسي وتلمّعه من خلال الإعلانات ودور السينما وتطبيقات الأفلام، التي تعمل على إنتاج مواد تدعم المثلية، ومنها ما هو موجه للأطفال، وخيرًا فعلت الدول العربية والإسلامية بمنع بث تلك الأعمال، بل وتحذير مروّجيها.
إذا ما تجاوزنا "حرب المصطلحات" وآلة الترويج لهذه الآفة، فإن مظاهر موجة الإرهاب الفكري والثقافي، التي تمارسها بعض القوى الغربية المتنفذة ضد مَن يختلف مع أجندتها الخاصة، والتي وضعت الترويج للشذوذ في صدارتها لكسب بعض الأصوات لاستثمارها في المماحكة السياسية أو كأداة للضغط في علاقاتها الدولية، باتت تتصاعد يوما بعد يوم.
من المهم النظر إلى أستراليا، التي تعرضت لهجوم شديد بطرحها قانونا يسمح بمنح الرافضين للشذوذ الجنسي الحق في التعبير عن رفضهم.. وقبلها تعرضت المجر أيضا لهجوم بسبب تشريعات وصفت بأنها "مناهضة للشذوذ"، والحبل على الجرار في إحصاء مظاهر هذا الإرهاب الثقافي الجديد في أنحاء مختلفة من العالم، حتى داخل الغرب وبلاد العم سام نفسها.
وكان أحدث مظاهر الترويع الفكري، فسخ شركة قانونية عالمية أمريكية لشراكتها مع محامٍ إماراتي لمجرد تعليقه الرافض للشذوذ... فأين اختفت حرية الرأي والحق في التعبير؟! ولماذا يتم التركيز على الشذوذ باعتباره أحد معايير ليبرالية المجتمعات؟ لماذا لا تذكر بعض الصحف البريطانية أن الخليج العربي هو أكثر مناطق العالم اتصالا بالإنترنت، وفق إحصاءات تقرير الاتصالات الدولي، أليس ذلك معيارا لمدى الحداثة؟ لماذا يستنكر الغرب علينا منعنا وتصدينا للشذوذ ولم يستنكر قرار المحكمة العليا في أمريكا الإجهاض الذي اعتبره الديمقراطيون في أمريكا حقا لا يمكن التنازل عنه؟
أسئلة ومواقف كثيرة كلها تُظهر حدة المعركة الثقافية الجديدة وتوابعها وتداعياتها.
تحاول بعض القوى السياسية الغربية فرض أجندة متطرفة، من ضمنها الشذوذ، واعتباره معيارا لتقييم مدى ليبرالية الشعوب، لتكون ذريعة لتمرير سياسات وإجراءات وقوانين مرفوضة شعبيا، ضمن خطاب ملغم بالأيديولوجيا الدينية والثقافية هدفه تدمير أخلاق وقيم المجتمع.. حيث بات الغرب -من اليساريين خاصة- يحاول جاهدا فرضها دعما للشاذين جنسيا، لاستغلال هذه الظاهرة ضمن نطاق إرهاب فكري ثقافي للشعوب والدول التي تختلف معه.
والآن يأتي السؤال الأهم: كيف نواجه هذا النوع الجديد من الإرهاب الذي نخشى أن يجد طريقه إلى بيوتنا متسللا لها خلسة في غياب الرقابة المجتمعية؟
الإجابة بالتأكيد ستكون عبر بناء حائط صد منيع يقف حائلا دون انتشار هذا الوباء الأكثر فتكا من الأمراض المنتشرة حاليا كالإيدز، والذي يعد الشذوذ أحد أسبابه.
حائط الصد هذا لن يرى النور دون وضع آليات لمواجهة الحرب الجنسية القادمة من الغرب، يكون جوهرها توعية الجميع بمخاطر الشذوذ الجنسي، ومنع إيصال الرسائل الهدامة إلى النشء مع ضرورة التصدي للابتزاز السياسي والوقوف في وجه اللوبيات الغربية.
كما أنه لا بد من تزامن وتكامل الحلول والاستراتيجيات كافة لبناء منظومة متكاملة وترسانة من الإجراءات التي تأخد الأبعاد الدينية والمجتمعية والقانونية والصحية والتعليمية وغيرها، لمعالجة أي خلل يتسبب في ظهور الشذوذ.
أيضا من الضروري تدشين مراكز متخصصة لمواجهة هذه الآفة وتقويم السلوك الشاذ عن الطبيعة والفطرة السليمة، والأهم من هذا كله هو اعتماد تربية أسرية صحيحة لمراقبة وتوجيه الأبناء عن طريق الوالدين، ومراقبة الإنترنت وإيقاف البرامج الإباحية، التي تشجع على الشذوذ.
لذلك لا بد من تضافر جهود الدول العربية والإسلامية والجهات الدينية والثقافية وغيرها لإيجاد صيغة لتوحيد الجهود وتبادل الخبرات لمواجهة هذه الظاهرة، وهي مسؤولية أيضا ملقاة على كاهل المنظمات الإقليمية.. فالتصدي الرسمي والمجتمعي لظاهرة ترويج الشذوذ الجنسي صار ضرورة وطنية مُلحة للحفاظ على منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع، وكذلك على دور الأسرة في تربية الطفل وإعداده، وإرساء البيئة السليمة، التي تضمن التنشئة الاجتماعية المُثلى.
وفي الختام، أستحضر كلمة سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الإماراتي، خلال القمة العالمية للحكومات، بأن "تلوث العقول أخطر وأشد فتكا من أي تلوث آخر، فالأسرة السوية تتكون من ذكر وأنثى.. والمجتمع والدولة مُتحدان للتغلب على تحديات المستقبل بالطرق السوية الخالية من التلوث وأنواعه الفكري والأخلاقي والبيئي".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة