يُعد تصنيف جمهورية باراجواي لتنظيم الإخوان في القائمة الإرهابية لها خطوةً أولى ستتبعها خطوات في الجنوب الأمريكي.
ورغم أن هذا القرار يُعتبر متأخراً عما يجب بعض الشيء، بسبب انكشاف نيات "الإخوان" وانتشار إرهابهم في كل مكان من العالم، فإن "القاعدة الذهبية" في مثل هذه الحالات "أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا"، ما يدفع كل الدول المُحبة للسلام والأمن أن ترحب بهذه الخطوة وتحتفي بها، لأنها تبشر بمزيد من الإجراءات الفعالة نحو فضح الإخوان وكشف جرائمهم، التي لم ترحم شعبا ولم تستثنِ أرضا من كل بقاع الدنيا.
وللتصنيف الذي جاء من قلب قارة أمريكا الجنوبية، التي يطلق عليها البعض "القارة المنسية"، أبعاد مهمة وجديرة بالرصد في مسيرة الجهود المبذولة في محاربة الفكر الإرهابي والمتطرف الذي أساسه تنظيم "الإخوان":
البعد الأول يتعلق بأن القرار المتخذ في باراجواي تم بواسطة الكونغرس "البرلمان"، أي المؤسسة التي تمثل الشعب في هذه الجمهورية، وهي السلطة التشريعية.. بمعنى أنه نابع من المستوى الشعبي، الذي يعبر عن الرأي العام وتوجهات المواطنين.
البعد الثاني أن أغلبنا كان يعتقد أنهم يحتمون بـ"الحاضنة الشعبية"، التي تقوم على أساس الدين الإسلامي، إلا أن القرار يكشف أنه رغم البيئة المجتمعية للوجود الإخواني فإنهم يستطيعون العيش والتخطيط، وهو ما يؤكد أنه شبيه بـ"الخلية السرطانية".. فمعروف أن الإخوان يتغلغلون في المجتمعات دائما من بوابة الشعوب وعبر مدخل الخدمات الاجتماعية والأعمال الإنسانية في المناطق الفقيرة، وربما اعتقدوا أن دول أمريكا الجنوبية توفر لهم البيئة الجديدة بعد أوروبا الغربية والدول العربية.
وبالتالي فإن حظر الجماعة وكشف حقيقتها برلمانيا يعني أنه سيضيق الخناق بالضرورة على أعضاء الجماعة والمنتمين إليها والمتعاطفين معها، الذين لا يقلون خطورة عن الأعضاء أنفسهم.
البعد الثالث أن تنفيذ القرار، وهو مسألة وقت فقط، سيسهم في الحد كثيرا من حرية حركة تنظيم الإخوان الإرهابي، الذي يبحث عن مناطق "هامشية" من العالم مثل أمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى، دول القوقاز أو أفريقيا، وبالنتيجة سيحد من مؤامراتهم التي يتخفون فيها وراء الشبكات والمنظمات والاستثمارات التي يديرونها.. حيث ستخضع عمليات التمويل الخاصة بهم إلى رقابة مكثفة ومتابعة حثيثة من الأجهزة المعنية هناك.. وستصبح الطرق السرية التي يتبعونها لتمويل وتخطيط وإدارة أنشتطهم الإرهابية عرضة للانكشاف، بعد أن كانت تتخفى وراء الغطاء المجتمعي والأغراض الإنسانية والإغاثية التي يضعونها دائما واجهة لتلك التمويلات والأنشطة الإرهابية.
أما عن البعد الرابع، فيجب وضع هذه الخطوة، التي تعد مبدئيا داخلية، في سياقها الأوسع جغرافيا، أي المردود الإقليمي والدولي لها.. فباراجواي إحدى أهم الدول التي يتمركز فيها تنظيم الإخوان في القارة اللاتينية، وقد تأسس وجودهم فيها سنة 1987، فقاموا بإنشاء مؤسسات تابعة لهم.. ولا شك في أن التضييق على الإخوان في أي من تلك الدول كفيل بالتأثير فيهم سلبيا في الدول الأخرى ضمن الشبكة الأخطبوطية، التي يستغرقون سنوات وعقودا لبنائها في كل قارة.
من شأن قرار باراجواي أن يضطر تنظيم الإخوان الإرهابي إلى مراجعة حساباته وتعديل شبكته على مستوى الأماكن والمهام التي يقوم بها في كل دولة.. ما سيؤدي إلى إجراء "التنظيم" خطوات وتحركات جديدة وعاجلة، ستضع ما لا يزال خافيا من ملفات ومخططات شرها للعالم بعيدا عن أعين السلطات الأمنية في باراجواي كي لا تنفضح أكثر.
إن خطوة برلمان باراجواي بتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، والأسباب التي تقف وراء هذا القرار، تؤكد صحة قرار وموقف الدول التي أعلنت الحرب ضد هذه الجماعة، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت أول دولة تقوم بهذا الإجراء.. كما أن الخطوة هي رسالة تبعثها باراجواي إلى بقية دول العالم، التي لا تزال تتشكك في خطورة وشر هذه الجماعة، وتتردد في حظرها ومواجهتها والقضاء عليها كما ينبغي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة