الإيمان العميق بوسطية الدين الإسلامي وانفتاحه على جميع الثقافات والحضارات والأديان جعله يزور كاتدرائية العباسية ويلتقي بابا الإسكندرية
رمزية الاستقبال الكبير تدلل على أهمية ورمزية الضيف الزائر. هكذا كان المشهد خلال زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لجمهورية مصر العربية. فالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي خرج لاستقبال ولي العهد السعودي عبر عن عمق العلاقات السعودية – المصرية ودلل على مدى احترامه وتقديره لشخصية الضيف الزائر الذي فرض احترامه على الجميع شرقاً وغرباً.
وإذا كانت رمزية الاستقبال غاية في الأهمية، فإن توقيت الزيارة وما تم الإعداد له والقيام به أيضاً غاية في الأهمية. فالمملكة العربية السعودية التي وقفت وساندت مصر في أصعب الظروف التي مرت بها بعد الأحداث الفوضوية التي حدثت فيها بعد العام 2011م، والتي كادت أن تؤدي لهدم الدولة المصرية، ما زالت تقف مع الدولة المصرية وتساندها في حربها ضد العناصر والتنظيمات الإرهابية. فالمملكة تدرك بأن دعم ومساندة الدولة المصرية في مواجهة التنظيمات المتطرفة والإرهابية أمر غاية في الأهمية لدعم الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة والعالم. وإذا كانت المملكة تتخذ هذا الموقف المؤيد للحكومة المصرية، فإنها أيضاً تطالب المجتمع الدولي بأن يقف صفاً واحداً في مواجهة الجماعات والتنظيمات المتطرفة الإرهابية ومن يدعمها ويمولها من الدول. لذلك فتوقيت الزيارة مهم جداً يتجاوز تأييد الدولة المصرية لإيصال رسالة للمجتمع الدولي بأهمية مساندة الدولة المصرية في حربها ضد الإرهاب.
زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمصر تجاوزت المألوف في الزيارات الثنائية. زيارة أسست لأهمية العمل وتفعيله على أرض الواقع بالدعوة للتسامح والحوار وقبول الآخر والتعايش السلمي..
وإذا كانت المسائل السياسية والاقتصادية حاضرة في الزيارة، فإن هناك مسائل جعلت من الزيارة تتجاوز الطابع الاعتيادي للزيارات لتصبح لها رمزيتها التاريخية، خاصة وأن شخصية الضيف الزائر تميزت باستثنائية الطرح وبُعد النظر الهادف لبناء مستقبل آمن ومستقر وفي الوقت نفسه واعد ومزدهر، تتطور فيه الأفكار وتنمو فيه المجتمعات وتتعايش فيه الحضارات والثقافات ومختلف المكونات. مجموعة كبيرة من الأفكار البناءة تحدث عنها كثيراً وطبق منها الكثير على أرض الواقع، ووعد بالاستمرار في تطبيق ما تبقى حتى تكتمل الصورة التي يتطلع لأن يراها في المستقبل. هذه الرؤية الإيجابية والبناءة لم تكن رؤية فقط للداخل السعودي وإنما رؤية تعبر عن مبادئ وقيم إسلامية أصيلة تتجاوز الحدود المحلية؛ لتصبح رسالة عالمية تعبّر عن الإسلام الصحيح الذي جاء في القرآن الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
هذا الإيمان العميق بوسطية الدين الإسلامي وانفتاحه على جميع الثقافات والحضارات والأديان جعله يزور كاتدرائية العباسية ويلتقي بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني. حدث من شأنه أن يعزز من قيم التسامح بين اتباع الأديان والحضارات والثقافات المختلفة. حدث يدعو الجميع للتعايش السلمي واحترام الآخر بصرف النظر عن الاختلافات القائمة على أساس الدين أو العرق أو المذهب. حدث من شأنه أن يساهم في تحجيم دور المتطرفين والعنصريين والطائفين ويعزز من مكانة ودور دعاة الحوار والتسامح ونبذ العنف، ويساهم في تحقيق السلام بين الشعوب. حدث من شأنه أن يبعث روحاً إيجابية وبناءة في بعض المجتمعات الإسلامية التي اعتادت على رفض الآخر المختلف دينياً وعرقياً. قد يراها البعض أنها زيارة لكاتدرائية، ولكنها في واقع الأمر حدث تاريخي سيساهم في تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة والعبارات الخاطئة التي كانت سائدة في بعض المجتمعات الإسلامية.
وفي صورة تكاملية بجانب زيارة الكاتدرائية، هناك زيارة لمقر مشيخة الأزهر في القاهرة ولقاء بإمام وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. هكذا نجد الصورة الإيجابية للتعايش السلمي وقبول الآخر التي تعيشها مصر، وهكذا جاءت الزيارة لتعبر عن احترام التنوع الثقافي والديني للمجتمع المصري. صورة تعبر عن قيم التسامح واحترام التنوع الذي من شأنه أن يقوي من وحدة وتماسك المجتمعات وقوتها.
وفي الختام من الأهمية القول إن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمصر تجاوزت المألوف في الزيارات الثنائية. زيارة أسست لأهمية العمل وتفعيله على أرض الواقع بالدعوة للتسامح والحوار وقبول الآخر والتعايش السلمي، وبالوقت نفسه عبرت عن ضرورة محاربة الفكر المتطرف ومواجهة الدعوات الإقصائية التي تسببت بتقسيم المجتمعات على أسس دينية ومذهبية وفكرية وساعدت على تصاعد حدة الإرهاب. إنها زيارة استثنائية لشخصية استثنائية تؤمن بما تقول وتفعل كل ما تراه متماشياً مع قيم ومبادئ الإسلام التي تأسست عليها الدولة السعودية.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة