بالفيديو.. ترزي مصري يحصل على 7 مؤهلات عليا ومتوسطة ويصبح حديث العالم
الحمصاني لم تمنعه سنه أو مهنته من استكمال دراسته والحصول على 7 مؤهلات تعليمية خلال نحو 20 سنة.
بصوته الهادئ وبساطة تلقائية يبدو من الوهلة الأولى أن المصري أحمد المليجي الحمصاني مجرد مالك متجر خياطة يعيش حياته أسير مهنته راضيا بحاله فقط، ولكن ما أصبح يعرفه الآلاف عنه الآن أن هذا الرجل الخمسيني ليس أكبر الحاصلين على المركز الأول في الثانوية الفندقية فقط، بل عاش رحلة تعليمية مديدة حاملا في جعبته ست شهادات ثانوية وجامعية أيضا.
في الأيام الأخيرة، لمع اسم الحمصاني (53 سنة) في الوسائل الإعلامية المصرية والعالمية لدرجة جعلته يدون على الورق مواعيد وأسماء تلك الوسائل التي سعت للوصول إليه في متجره المتواضع بحي شبرا في شمال القاهرة، وكان السبب وراء ذلك أن الجميع أراد أن يتحدث مع هذا المجتهد الذي أصبح وهو في الخمسينات من عمره الأول على الثانوية الفندقية.
ولكن هذا المركز الذي أثار استحسان الكثير من الناس كشف سرا أكبر عن الحمصاني، فقد درس من قبل الثانوية العامة ثلاث مرات ثم تخرج في ثلاث كليات مختلفة، وكل ذلك لأنه يحب القراءة والتعلم واكتساب المعرفة في جميع المجالات.
"العين الإخبارية" زارت الحمصاني في متجره المرتب بطريقة تؤكد للزائر أن هذا الرجل يحمل في طياته أكثر من كونه "ترزي" بسيط الحال، ومعه عشنا لساعتين تقريبا في رحلته التعليمية التي تثير بداخل المرء عند الاستماع إليها مشاعر الفخر والدهشة والانبهار والغبطة على قدرة الحمصاني على الصبر على التعليم والشغف به.
يقول الحمصاني إن بداية رحلته التعليمية كانت في كلية العلوم في جامعة القاهرة، ولكنه عندما كان في السنة الثالثة توفي والده في 1990، ولكونه الابن الوحيد بين ثلاث شقيقات ترك الدراسة وعمل في البداية مترجما لمدة عام، ثم بدأ العمل في متجر الخياطة لصعوبة استمراره في الدراسة -بجوار عمله- بالكلية العملية التي تتطلب حضور المحاضرات.
دراسته للغة الإنجليزية ثلاث سنوات بالجامعة الأمريكية في القاهرة جعلته متمكنا من اللغة الإنجليزية، وفي تحدٍّ لعنصرية العالم الذي قد ينظر لمهنة الحياكة بنظرة طبقية، وبعد سنوات من تركه الدراسة في الجامعة شعر الحمصاني بالحزن على هذا القرار ففكر في العودة إلى الدراسة في 1997، وعاد مجددا لدراسة الثانوية العامة للمرة الثانية، وحصل في عام 2000 على مجموع 90% الذي فتح أمامه فرصة الالتحاق بكلية الهندسة.
ولكن الحياة أكثر قسوة مما قد نتخيل، ولأهمية استمراره في العمل بالمحل رفض الحمصاني الالتحاق بالهندسة وقرر اختيار كلية نظرية ليتمكن من العمل بجوار الدراسة، فالتحق بكلية التجارة – جامعة عين شمس، وتخرج فيها حاصلا على بكالوريوس التجارة دفعة 2004.
إلا أن الرحلة لم تنته عند هذا القدر، يقول الحمصاني: "من باب حبي للمذاكرة وعدم شعوري بأنها عبء، ذاكرت ثانوية عامة مجددا شعبة علمي علوم وكان مجموعي 87% تقريبا، فالتحقت بكلية الزراعة جامعة عين شمس وتخرجت بمؤهل بكالوريوس زراعة دفعة 2012 بتقدير جيد جدا، وكنت في المركز الرابع على دفعتي، وكان بإمكاني أن أعمل معيدا بالكلية ولكنني لم أهتم بالسؤال عن الأمر".
الحمصاني يتعلم لحبه البالغ للدراسة لذلك التحق بعد ذلك بكلية الحقوق – جامعة القاهرة، ولكن ليس عن طريق الثانوية العامة وإنما نظام المؤهلات العليا الذي كان يسمح للطالب بعد الانتهاء من الكلية الانتساب إلى كلية نظرية أخرى.
وفي عالم يهتم كثيرا بالمؤهلات العليا على حساب المؤهلات المتوسطة، قرر الحمصاني ألا يخبر أحدا بأنه سيبدأ في دراسة الثانوية الفندقية، خاصة أسرته، تحاشيا للتعرض للانتقاد، فكان يخشى أن يتعجب الناس من أسباب رغبته في دراسة مؤهل متوسط بعد حصوله على ثلاث مؤهلات عليا.
في الواقع، التحاق الحمصاني بمدرسة شبرا الثانوية الفندقية – تخصص مطعم - وحصوله على دبلوم السياحة والفنادق بمجموع 93.8% جاء عن طريق المصادفة، فقد كان أحد أصدقائه طالبا في المدرسة الفندقية وكان الحمصاني يرى الكتب الدراسية معه فأثارت مناهج المدرسة إعجابه، وفي السنة الأخيرة من الثانوية اجتهد في المذاكرة أملا في الحصول على مجموع مرتفع ولكنه فوجئ بأنه حصل على المركز الأول في الثانوية الفندقية على مستوى الجمهورية.
العمل أثناء الدراسة كان الصعوبة الوحيدة في رحلة الحمصاني، يقول: "عملي أثناء الدراسة كان من الصعوبات التي واجهتني أثناء رحلتي التعليمية، لانشغالي في عملي فلم أكن أنتظم في الحضور، وكنت أحضر المحاضرات العملية بصعوبة، وكنت أستعين بزملائي للحصول على الأوراق الخاصة بالدراسة".
استراحة محارب من التعليم.. هكذا قرر الحمصاني أن يفعل، إذا بدأ بالعمل في مجال السياحة والفنادق "لأن العمل به ممتع"، ويقول إن أسباب استمراره في مهنة الخياطة أنها كانت مهنة والده وله ذكريات جميلة في المتجر ولا يمكنه الاستغناء عنه، فماكينة الخياطة التي يمتلكها هي من أوائل الإصدارات الألمانية لماكينات الخياطة بعد الحرب العالمية الثانية، ويوضح: "هذه المهنة لها الفضل في استقراري في حياتي وحتى إذا عملت في السياحة سيكون بجانب مهنة الخياطة".
وكان بإمكانه العمل في أي مجال من المجالات التي تخرج فيها ولكنه استمر في العمل بالمتجر لسبب مثير للدهشة، فيقول: "حريتي في المحل.. إذا كنت أعمل لدى أحد لن يسمح لي أن أذاكر أثناء العمل"، مشيرا إلى أنه في البداية لم يكن متقبلا فكرة العمل في مهنة والده ولكن باقي المهن كانت ستجعله مرتبطا بأمور أخرى تشغله عن الدراسة.
"الناس تصنفني (ترزي) ولكني أعتبر نفسي متعدد الثقافات".. بهذه الكلمات يعبر الحمصاني عن رفضه لتصنيف الناس له بمهنة الترزي، فالتحاقه بكليات عديدة فتح له المجال لقراءة كتب في مجالات متعددة، وللقراءة فضل كبير لما وصل إليه الآن.
الحمصاني يهوى القراءة منذ الصغر عندما بدأ بقراءة قصص الأطفال "مجموعة أولادنا" ثم قراءة روايات عالمية مترجمة شهيرة تحولت إلى أفلام، ثم قراءة الروايات الأجنبية، كما يهتم أيضا بقراءة الكتب الدينية والمتعلقة بالتراث الديني، وأحب الكتّاب إلى قلبه الدكتور مصطفى محمود وعباس العقاد – الذي قرأ عبقرياته - وكتب أنيس منصور.
"عندما أبتعد عن المذاكرة أشعر بأن هناك ما ينقصني.. لا تزال رهبة الامتحانات مستمرة فأنا أدخلها وأنا خائف"، ولكن الآن، يواجه الحمصاني مشكلة تؤرقه وهي أنه إذا التحق بكلية السياحة والفنادق سيضطر إلى أن يكون في القسم التبادلي، حيث يعمل الطالب طوال الأسبوع ويدرس يوما واحدا فقط، ويرى أن هذه ليست الدراسة الأكاديمية التي يرغب فيها، فيقول: "أتمنى الحصول على منحة دراسية لدراسة السياحة والفنادق في جامعة أجنبية باللغة الإنجليزية بالخارج".