«الاتصالات المفخخة» تفتح «ثغرات» الجيوش.. للمستقبل كلمة أخرى
قتلى بلا رصاصة واحدة ودماء ممتزجة برائحة مواد متفجرة لم تنطلق من فوهة مدفع أو شظية صاروخ، بل من أكثر الأجهزة المستخدمة يوميا.
هذا ما حصل في لبنان، هناك حيث تحولت أجهزة اتصالات لا سلكية يستخدمها حزب الله إلى قنابل انفجرت بوجه مستخدميها فأغرقتهم في دمائهم.
موجة «ضربات» تكررت ليومين وجددت النقاش بشأن الأمن السيبراني في الشأن العسكري وزمن الحروب.
وانفجرت مئات من أجهزة "بيجر" والاتصال اللاسلكي التي يستخدمها عناصر حزب الله في كل أنحاء لبنان، في هجومَين وقعا الثلاثاء والأربعاء أسفرا عن مقتل 37 شخصا وإصابة حوالي ثلاثة آلاف آخرين. وتمثّل هذه الانفجارات ضربة كبيرة لحزب الله الذي حمّل إسرائيل مسؤوليتها وتعهّد بالرد.
«درع خفية»
"هجمات تعتبر الأولى من نوعها على هذا النطاق، ويُمكن اعتبارها بمثابة ضربة البداية لإطلاق سباق حول نوع جديد من تسليح الجيوش النظامية".
هكذا يقول اللواء خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف، في قراءته للهجمات غير المسبوقة.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، يوضح عكاشة أن تلك الهجمات تعتبر "متغيرا لافتا وفارقا في استخدام التكنولوجيا الفائقة والذكاء الاصطناعي، فتحويل الهجمات السيبرانية إلى آلات تدمير وقتل، وليس مجرد وسيلة للتجسس، أمر بالغ الخطورة، وغير مسبوق".
وأشار عكاشة إلى استحداث أسلحة جديدة أثبتت كفاءتها في ساحات القتال، مثل المسيرات، التي اكتسبت أهمية استثنائية في سوق السلاح، وباتت الجيوش النظامية تهتم بامتلاك وحدات كاملة منها.
وبحسب الخبير، فإن "هجمات بيجر وأيكوم ستكرر تجربة المسيرات لكن عبر نوعيات جديدة من الأجهزة المدنية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والخبرات في هذا المجال، وتحويلها إلى سلاح يقوم بالقتل والإيذاء والتدمير، وامتلاك القدرة على استخدامه على هذا النطاق واسع جدا".
واعتبر أن ما سبق سيكون في تجربة أشبه بـ"الأسلحة القذرة أو الجرثومية".
"الأمن السيبراني" أولوية
بحسب عكاشة، فإنه "في السابق نُفذت اغتيالات عدة عبر أجهزة الكترونية، لكنها المرة الأولى التي تستهدف هجمات كل تلك العناصر على امتداد نطاق جغرافي واسع".
ولفت إلى أن ذلك "يضع أعباء إضافية على مسألة القدرة على تأمين كافة الأجهزة التي تستخدم مستويات مختلفة من الذكاء الإلكتروني، حتى لو كانت أجهزة بدائية، فإنه يجب رفع قدرات تأمينها ضد الاختراق".
وأوضح أن أجهزة "الأمن السيبراني في الجيوش النظامية ستتحمل أعباء إضافية بعد تلك الهجمات، وستكون مُطالبة بمتابعة سلاسة التصنيع ومراقبة الجودة وعملية الإنتاج والشحن لكل الأجهزة الموردة للجيوش التي تعمل في نطاقها".
وتوقع أن تتدخل تلك الأجهزة في تأمين كل مراحل توريد الأسلحة أو أجهزة الاتصالات لجيشها، ما سيعزز من دورها بالمرحلة المقبلة.
وبالنسبة للخبير، فإن "تلك الهجمات أطلقت سباقا بين أجهزة الأمن السيبراني، طرفاه الكيانات المُصنعة وعملاؤها من جهة، والجهات والأفراد الساعون لاختراق تلك الأجهزة من جهة أخرى".
واعتبر أن "هذا السباق سيكون مزعجا للغاية، ولا يبشر على الإطلاق بالسلام، وسيضيف أعباء إضافية لتأمين الجيوش وأجهزتها، وسيتطلب تطوير الكفاءات البشرية العاملة في هذا المجال، وما يقتضيه كل ذلك من تكاليف باهظة ستتحملها الدول".
وخلص إلى أنه من المؤكد أن "تلك الهجمات فتحت مجالات أوسع لأجهزة الأمن السيبراني".
خرق شبكات
في حديثه، شكك اللواء خالد عكاشة في رواية زرع مواد متفجرة بأجهزة "بيجر" و"أيكوم" المتفجرة.
وقال: "أعتقد أنها رواية غير دقيقة، وأرجح أن التفجيرات تمت عبر اختراق حدث في الموجات الإلكترونية والشبكات اللاسلكية التي تقوم بتشغيل هذه المنظومات وتربطها بغرف التحكم المركزية".
لكن عكاشة شدد على أنه لا معلومات دقيقة حول تلك الهجمات حتى الآن، فهي تفجيرات مستحدثة جدا، ورغم ذلك فإن الحديث عن اختراق في إحدى حلقات سلاسل التوريد، بات أمرا مستبعدا في ظل تكرار هجمات "بيجر" في اليوم التالي واستهدافها نوعا جديدا من أجهزة الاتصال. واعتبر أن ذلك "يُرجح فرضية اختراق الشبكات وليس سلاسل التوريد".
ولفت عكاشة في هذا الصدد إلى إعلان شركة "أيكوم" اليابانية عن وقفها تصنيع أجهزة الاتصالات التي تشبه تلك المنفجرة في لبنان، قبل 10 سنوات.
وسبق أن أعلنت "أيكوم" أنّها تحقّق في ما إذا كان أيّ من أجهزة الإرسال اللاسلكية التي انفجرت في لبنان، الأربعاء، من تصنيعها، بعدما أفادت تقارير إعلامية بأنّ هذه الأجهزة تحمل علامة الشركة اليابانية.
aXA6IDM1LjE3MC44MS4zMyA= جزيرة ام اند امز