غور الأردن.. بين المزايدة الانتخابية والضم لإسرائيل
حديث نتنياهو عن ضم منطقة الأغوار وبصرف النظر عن أنه سيفعل ذلك عقب الانتخابات أم لا يأتي متسقا مع فكر اليمين الإسرائيلي.
في العاشر من سبتمبر/أيلول الجاري، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت في حال فوزه بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية المقرر لها ١٧ سبتمبر/أيلول الجاري، وقال نتنياهو مخاطبا الرأي العام الإسرائيلي "هناك مكان واحد يمكننا فيه إعلان السيادة الإسرائيلية فور انتهاء الانتخابات"، مضيفا: "إذا تلقيت منكم مواطني إسرائيل تفويضا واضحا للقيام بذلك".
وفور إعلان نتنياهو ذلك توالت ردود الفعل سواء من جانب الأحزاب والكتل السياسية الإسرائيلية المنافسة أو من جانب دول عربية، تشكك في مصداقية نتنياهو وتصف التعهد بأنه محض دعاية انتخابية أو تتعامل بجدية مع التعهد وتراه يأتي متسقا مع أفكار اليمين الإسرائيلي عامة وتكتل الليكود الذي يقوده نتنياهو خاصة.
- غور الأردن.. كنز الفلسطينيين المنهوب إسرائيليا
- بيان لـ5 دول أوروبية ينتقد خطة نتنياهو حول "غور الأردن"
ومن المعروف أن الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي ستجرى بعد أيام قليلة، تأتي عقب فشل نتنياهو ومعسكر اليمين في تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر أبريل/نيسان الماضي، حيث فشل نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة من اليمين نظرا لاحتدام الخلافات في صفوف معسكر اليمين الذي فاز بالأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة، ولكن الخلافات الداخلية وتحديدا مع أفيجدور ليبرمان حالت دون ذلك، ومن ثم جاء قرار إجراء انتخابات برلمانية جديدة كحل نهائي لفشل رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة في المدتين اللتين يمنحهما له القانون الأساسي، ومن ثم لا بد لنتنياهو من الفوز مع معسكر اليميني -دون ليبرمان- بالأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة وهي 61 مقعدا من بين عدد مقاعد البرلمان -الكنيست- البالغة 120 مقعدا.
والحقيقة أن حديث نتنياهو عن ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، وبصرف النظر عن أنه سيفعل ذلك عقب الانتخابات أم لا، يأتي متسقا مع فكر اليمين الإسرائيلي بصفة عامة، ومع الأيديولوجية الصهيونية من حيث المبدأ، فاليمين الإسرائيلي يقول باستمرار ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط لا توجد سوى دولة واحدة هي دولة إسرائيل، ومعنى ذلك أن المنطقة المحاذية لنهر الأردن وشمال البحر الميت هي جزء من إسرائيل في أي تسوية سياسية قادمة، ولا يمكن التخلي عنها، ويتفق جميع المحللين والخبراء العسكريين في إسرائيل على ضرورة أن يكون غور الأردن وشمال البحر الميت جزء من إسرائيل، فهذه المنطقة البالغة مساحتها نحو 400 كيلومتر مربع، مطلوبة بشدة لإسرائيل من أجل إمداد الأمن الإسرائيلي بعمق إضافة حده الأدنى 40 كم، في وقت لا يزيد عرض الدولة العبرية حاليا على هذه المسافة وتحديدا في المنطقة الأكثر أهمية من جميع الجوانب وهي منطقة وسط إسرائيل.
ومَن يراجع جميع البرامج الانتخابية للأحزاب اليمينية الإسرائيلية وعلى رأسها تكتل الليكود سيجد بندا مستمرا وهو ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط لا توجد سوى دولة واحدة، وحتى اليسار الإسرائيلي لا يختلف مع اليمين في هذه الرؤية؛ إذ يرى أن أمن إسرائيل والدفاع عنها في مواجهة أي هجوم بري متوقع من ناحية الشرق يتطلب ضم منطقة الأغوار.
وبالطبع، الدول العربية ومعها السلطة الوطنية الفلسطينية بادرت برفض تصريحات نتنياهو وهددت بأن الإقدام على مثل هذه الخطوة سوف يؤدي إلى نهاية عملية السلام، وكرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس حديثه عن إلغاء جميع الاتفاقيات مع إسرائيل في حال الإقدام على ضم منطقة الأغوار، وهو حديث لم يؤثر مطلقا في حملة اليمين الإسرائيلي الانتخابية، فنتنياهو يعلم تماما أن ردود الفعل العربية حدودها الكلام والتصريحات، وأنه سبق لإسرائيل الإعلان عن ضم القدس الشرقية عام 1980 والجولان السورية عام 1981، دون رد فعل عربي ملموس، وهو ما تكرر أيضا عندما أقر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الحالي بأن المنطقتين جزء من إسرائيل ومن ثم أصدر قراره بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بعد أن أقر بأن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، وقد حذت العديد من الدول الأوروبية والآسيوية واللاتينية حذو واشنطن.
وما يلفت الانتباه هنا هو أن عددا من الدول الأوروبية أعلنت رفضها لحديث نتنياهو عن ضم منطقة الأغوار، بينما التزمت الإدارة الأمريكية الصمت التام، وهو ما قد يكون محصلة تفاهم مسبق ما بين الجانبين، لاسيما وأن الإدارة الأمريكية تربط طرحها لما تسميه "صفقة القرن" لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة عقب الانتخابات البرلمانية القادمة المقرر لها ١٧سبتمبر/أيلول الجاري.
من هنا نقول بوضوح أن حديث نتنياهو عن ضم منطقة الأغوار في حال فوزه في الانتخابات يمكن تفسيره حاليا على أنه داعية انتخابية من أجل حصد مزيد من الأصوات ومجاراة التحول في الرأي العام الإسرائيلي باتجاه اليمين، وهو ما أشار إليه يائير لابيد أحد قادة تكتل "أبيض أزرق" المنافس الرئيسي لليمين والليكود، على تعهد نتنياهو بالقول إنه "لا يريد ضم الأراضي التي أعلنها، ولكنه يريد ضم الأصوات، هذه خدعة انتخابية ولكنها خدعة غير ناجحة لأن الكذبة مكشوفة للغاية". وإذا كان حديث لابيد عن أن نتنياهو يريد من وراء التعهد بضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت هو دعاية انتخابية واستقطاب مزيد من أصوات اليمين الإسرائيلي، إذا كان هذا الحديث صحيحا، فإن الصحيح أيضا أنه يتحدث معبرا عن جوهر رؤية اليمين الإسرائيلي، بل وقطاعات من اليسار الصهيوني، فإذا كان اليمين الصهيوني يقول إنه بين نهر الأردن والبحر المتوسط لا توجد سوى دولة واحدة هي إسرائيل.
ورغم أن قطاعات واسعة من اليسار تشاركه الرؤية وترى ضرورة ضم منطقة الأغوار لإسرائيل في أي تسوية سياسية مستقبلية لاعتبارات أمنية/استراتيجية، وأيضا اقتصادية، فالمنطقة مهمة للغاية للدفاع عن إسرائيل في مواجهة أي هجوم بري محتمل، فرغم التغيرات الجوهرية التي طرأت على تكنولوجيا السلاح وفنون القتال، إلا أن القتال البري يظل احتمالا واردا، وإسرائيل لا تتحمل التعرض لهجوم بري مفاجئ في حال الانسحاب من منطقة الأغوار، وبالتالي لا بد من التمسك بضم هذه المنطقة لإسرائيل في أي تسوية سياسية مستقبلية، كما أن للمنطقة أهمية اقتصادية فهي "سلة غلال" كونها عبارة عن سهل خصيب، إضافة إلى ثراء البحر الميت بالأملاح والمعادن إلى جانب كونه منطقة جذب سياحي.
لكل ما سبق يمكن القول إن تعهد نتنياهو بضم منطقة الأغوار -وأن كان يمثل جزءا من دعايته الانتخابية لحصد مزيد من أصوات اليمين الإسرائيلي في الانتخابات- يكشف عن جانب من جوانب الرؤية الإسرائيلية للتسوية السياسية القادمة مع الشعب الفلسطيني جانبا يتعلق بتمسك إسرائيل بضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، وهي أمور لا يمكن التعامل معها بمجرد الشجب والإدانة والاستنكار، بل بدراسة متأنية وتبنى بدائل للحركة وخيارات متنوعة، أولها إنهاء الانقسام بين فتح وحماس، ما بين الضفة وغزة.. وهو ما لم نرى له بوادر حتى اللحظة.
aXA6IDMuMTIuMzYuNDUg
جزيرة ام اند امز