في صيف 1999 أعددت دراسة عن القائد والمفكر الفلسطيني المرحوم خالد الحسن (أبوالسعيد)...
في صيف 1999 أعددت دراسة عن القائد والمفكر الفلسطيني المرحوم خالد الحسن (أبوالسعيد)، وعنونت الدراسة "فلسفة العودة: فلسطين والمشروع النهضوي العربي، قراءة في أفكار خالد الحسن"، وقد نشرتها مجلة دراسات فلسطينية، الصادرة عن مركز الدراسات الفلسطينية في بيروت، عام 2000، ولكن للأسف بعد حذف الجزء المهم في العنوان وهو "فلسفة العودة"؛ وبعدها نشرها بدون حذف مركز الدراسات والأبحاث التابع لمؤسسة خالد الحسن في الرباط بالمملكة المغربية. واليوم مع ظهور مؤشرات ضياع ما تبقى من فلسطين، وعلى رأسها القدس، رجعت إلى جوهر فكر القادة المؤسسين لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإلى جوهر القضية الفلسطينية؛ وهو "العودة" التي عبّر عنها المرحوم خالد الحسن بقوله: "إذا لم أعد إلى مدينتي حيفا فلماذا أنا هنا معكم؟".
صلاح الدين لم يسترجع القدس وفلسطين بالسلاح فقط، بل بالتحريك الاجتماعي، والنشاط الاقتصادى والفعاليات الثقافية.
تمنيت أن يكون موقف العرب من قرار ترامب هو سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإبلاغ الأمم المتحدة بسحب الاعتراف بجميع القرارات ذات الصلة بنشأة ووجود واستمرار الكيان الصهيوني منذ عام 1947 وحتى اليوم، وبعد هذا الموقف النبيل يتم اتخاذ الإجراءات الآتية:
أولا: الاعتراف بكل شجاعة بفشل الحلول العسكرية مع الكيان الصهيوني؛ لأن غاية ما حققته أنها لم تسترجع ما استولى عليه هذا الكيان من أراضي الدول العربية التي كانت تنوي تحرير أرض فلسطين، بل تمت خسارة مزيد من الأرض بدلا من استرداد فلسطين، وكذلك فشل المقاطعة العربية؛ لأنها لم تعد ذات جدوى مع الكيان الصهيوني.
ثانياً: التوقف عن رفع شعارات فلسطين والقدس لتمرير مشروعات أحزاب سياسية ودول توظف الإسلام والرموز المقدسة "لاستحمار" الجماهير واستتباعها وتخديرها؛ من الإخوان إلى إيران إلى "حزب الله" إلى الحوثى إلى الأحزاب الطائفية في العراق، فلم تستفد الأمة ممن رفعوا شعار تحرير فلسطين والقدس إلا الحروب الأهلية والطائفية والإرهاب والعنف التدمير والتخلف.
ثالثاً: فتح جميع الأبواب والطرق لتدفق العرب مسيحيين ومسلمين إلى فلسطين للسياحة والاستثمار والاستقرار فى الضفة والقطاع والجليل والناصرة والمثلث والنقب، وكل مناطق العرب في فلسطين؛ لدعمهم وإقامة المشروعات في مناطقهم، ووضع حكومة الكيان الصهيوني في معضلة دولية من خلال جرها إلى أرض معركة حقيقية، هي معركة الإنسان والأرض بعد معارك ميكروفونات العرب.
رابعاً: تنظيم الحج إلى بيت المقدس للمسلمين والمسيحيين العرب بصورة ترعاها المؤسسات الدينية ذات الصلة؛ بحيث يتدفق الملايين على بيت المقدس مسالمين للزيارة، والصلاة والعبادة، وحينها سيعود أبناء القدس من مهاجرهم لمدينتهم، وحينها سيكون اقتصادها أكثر جاذبية، بحيث يتحول اليهود إلى خدمة الحجيج بدلاً من قتل الفلسطينيين.
خامسا: وضع سياسة ثقافية ودينية تحفظ حقوق اليهود كأهل كتاب يجب احترامهم والتعامل معهم بالحسنى، كما كانوا لأكثر من ثلاثة عشر قرناً في جميع المجتمعات العربية، وذلك بتجريم سبّ اليهود أو لعنهم، أو التعدي عليهم بأي لفظ، وتوجيه النقد السياسي للحركة الصهيونية التي اغتصبت فلسطين، وارتكبت فيها كل الجرائم التي تعاقب عليها جميع القوانين. وبهذا الفصل بين اليهود من جانب، والصهاينة من جانب آخر يتم إضعاف موقف الصهاينة، والارتقاء بموقف العرب إلى مستوى يجعل من يعارضه شريكا في جريمة الاستعمار والتطهير العرقي.
سادسا: دعوة اليهود العرب إلى العودة إلى البلاد التي هاجروا منها، واسترجاع جنسيتهم بعد التنازل عن الجنسية الإسرائيلية، بحيث يعود يهود مصر إلى مصر، وكذلك باقي الدول العربية، وبذلك تتحقق دعوة خالد الحسن بالعودة إلى فلسطين من طرف أهلها الذين طُردوا منها، والعودة من فلسطين لكل من جاء إليها من خارجها مغتصباً سارقاً للأرض والتاريخ.
سابعا: مطالبة الحكومة التركية برفع الحظر عن سجلات الأوقاف الإسلامية فى فلسطين، وهي تعادل أكثر من نصف أراضي فلسطين، ورفع قضايا دولية لاسترداد هذه الأوقاف طبقا للحُجج التي تؤكد ذلك.
ثامنا: إنشاء مؤسسات استثمارية ضخمة من الأموال التي كانت تتبرع بها الشعوب العربية لحركة حماس وغيرها لشراء الأراضي من داخل الخط الأخضر الذي احتل عام 1948، وإنشاء مشروعات في مناطق الضفة الغربية التابعة للسلطة الفلسطينية، وبذلك يتم استرجاع فلسطين من خلال غرس الإنسان فيها.
قد يظن البعض أن هذا الكلام جديد، الحقيقة التاريخية أن هذا ما قام به صلاح الدين بعد تحرير القدس عام 1187م، حينها لم يكن فى القدس ومحيطها مسلم أو عربي، فما كان منه إلا نشر السلام أولاً فى المدينة، ولم يؤذ سكانها الصليبيين الذين خرجوا مع جيوشهم؛ بل منحهم مهلة زمنية للخروج، ثم قام بعد ذلك باستخدام مختلف الوسائل لتشجيع العرب والمسلمين على القدوم إلى القدس ومحيطها والاستقرار هناك، فقام ببناء مقامات لبعض الصالحين لجذب الطرق الصوفية من مصر والشام والعراق للقدوم إلى أرض فلسطين، ودفعهم لعمل موالد ومهرجانات تستمر لأسابيع لتشجيع البشر على الانتقال من خلال خلق وظائف لهم، وفتح آفاق اقتصادية جديدة أمامهم، صلاح الدين لم يسترجع القدس وفلسطين بالسلاح فقط، بل بالتحريك الاجتماعي، والنشاط الاقتصادي والفعاليات الثقافية. ونحن اليوم قد لا نملك الوسيلة العسكرية، ولكننا نملك الوسائل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وإذا تمسكنا بالوسائل القديمة الفاشلة مثل المقاطعة والنضال عبر وسائل الإعلام، وتركنا أهل فلسطين في ضيق العيش، والاضطهاد، سيتم تفريغ كل فلسطين لمصلحة الصهاينة خلال جيل واحد.
نقلاً عن "الأهرام" المصرية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة