الرؤية الأمريكية تحمل تصورات ومخططات يجب تفنيدها والتعامل معها على أنها طرح قائم وفرصة للتفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي
انتقلت الإدارة الأمريكية إلى مرحلة جديدة في ملف التسوية الفلسطينية - الإسرائيلية بالإعلان رسميا عن الأفكار السياسية والاستراتيجية المعروفة إعلاميا بصفقة القرن، والمتعلقة بأسس التسوية المقترحة التي سبق للإدارة الأمريكية ترويجها طوال السنوات الأخيرة وكانت محل نقاش، وتجاذب بين كل الأطراف برغم أنها لم تكن رسمية.
لكنها كشفت وقتها عما دار في التخطيط الأمريكي للتعامل مع مشهد التسوية المقترح والمتعلق بتنفيذ المشروع الأمريكي المعلن على الأرض، وإلى أن أعلنت خلال الساعات الأخيرة، والعمل على دفع الحكومة الإسرائيلية – بعد الرفض الفلسطيني المعلن عقب الإعلان رسميا عن الصفقة – للإقدام على تدابير من جانب واحد على اعتبار أن الإدارة الأمريكية قدمت رؤيتها، وعلى الجانبين الانخراط في التفاوض، وتقرير الخطوة التالية قبولا أو رفضا.
وكان للطرح الأمريكي الرسمي ردود فعل متعددة؛ أخطرها ما يمكن توقعه في الضفة، واحتمالات نشوب تطورات أمنية غير مسبوقة بدت معالمها بعد إعلان الصفقة، ومع تباين لافت في ردود الفعل المطروحة من قبل الأطراف المعنية، ومحاولة الإدارة الأمريكية تحييد موقف بعض الأطراف العربية مسبقا.
جاء الطرح الأمريكي الرسمي على لسان الرئيس ترامب استكمالا للطرح السياسي للمقاربة الأمريكية الراهنة بشقيها السياسي والاستراتيجي، التي سبق أن عرضت في اجتماع المنامة، وهو الاجتماع الذي دشن مقاربة اقتصادية عامة لتحقيق تغيير حقيقي في الضفة الغربية وقطاع غزة انطلاقا من أفكار السلام الاقتصادي التي سبق أن طرحت منذ سنوات باعتبارها حلا واقعيا للتسوية الفلسطينية - الإسرائيلية المقترحة، وهو ما أكد تفاصيله الرئيس ترامب في إطار توفير 50 مليار دولار للبدء في تنفيذ سلسلة من المشروعات الرئيسية لتغيير نمط المعيشة في الضفة والقطاع بعد سنوات من المعاناة والحصار.
بجانب تردي الأوضاع الاقتصادية مقارنة بما يجري في الإقليم من تطورات مقابلة، بل وفي إسرائيل التي أشاد بتطوراتها وإنجازاتها الرئيس ترامب عندما زار تل أبيب، وبرغم الطرح الرسمي للصفقة تتخوف الإدارة الأمريكية من تحول المشروع الرسمي إلى وثائق لا تنفذ مثلما جرى مع الرئيسين بوش الابن وكلينتون، فإن الإدارة وضعت آليات تنفيذ كاملة بالتنسيق مع الحكومة الإسرئيلية لن تعلن على الملأ في الوقت الراهن (تشكيل لجان مشتركة)، وتحسبا لمزيد من التحفظات وحالة الرفض العربي الظاهرة، كما سيمنح وجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض ولاية جديدة الفرصة الذهبية لتنفيذ ما تم طرحه رسميا، وسيبلور ما تم الاتفاق بشأنه سابقا في توقيع اتفاق دفاعي غير مسبوق بين واشنطن وتل أبيب، وتنفيذ القائمة التحفيزية للإدارة الأمريكية للحكومة الإسرائيلية الجديدة.
في كل الأحوال تحمل الرؤية الأمريكية تصورات ومخططات يجب تفنيدها والتعامل معها على أنها طرح قائم وفرصة للتفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي - برغم كل التحفظات المعلنة.
في إطار ذلك، سيعمل الموقف الإسرائيلي وفي إطار معادلة توظيف واستثمار الدعم الأمريكي اللامحدود ليس في ضم الأغوار أو بعض المستوطنات فقط، وإنما أيضا في تحقيق المعادلة السياسية والاستراتيجية الصعبة في إسرائيل، حيث من الوارد أصلا ألا تجري انتخابات تشريعية في مارس/آذار المقبل، إذ إن توافق نتنياهو - جانتس في واشنطن سيؤدي لبلورة موقف واحد تجاه الاتفاق على تنفيذ جدول أعمال مشترك، وليس برنامجا حكوميا تقليديا، وهو ما استهدفه الرئيس الأمريكي بالجمع بين الطرفين بل إعلان الطرح الأمريكي رسميا.
وستنطلق إسرائيل أيا كان شكل ائتلافها الحاكم خلال السنوات الخمس المقبلة لتنفيذ مخطط ترانسفير كامل في الأراضي المحتلة انطلاقا من القدس وتنفيذ خطة 2050 التي أعلنت عن إطارها، وستبدأ في تغيير كامل لمعالم القدس والاتجاه لبناء دولة لعرب 48 في مناطق صحراء النقب لاستكمال مخطط يهودية الدولة بالكامل.
وستتحرك الإدارة الأمريكية في اتجاه الأطراف المختلفة للبدء في تنفيذ صفقة القرن على خطوات تدريجية: التحرك أولا في اتجاه الطرف الإسرائيلي للضغط على الجانب الفلسطيني ومحاصره خياراته السياسية والاستراتيجية في التحرك، وهو ما برز في لقاء ترامب - نتنياهو - جانتس، وسيمتد إلى تبني خطوات وتدابير أمنية جديدة (التهديد بعقوبات على السلطة، وتكرار نموذج عرفات، وتصعيد قيادات محلية لمناكفة السلطة الفلسطينية، ومحاصرة التمدد الفلسطيني المتوقع تجاه روسيا وفرنسا)، مع قيام المسؤولين الأمريكيين القائمين على الخطة، بإطلاع الأطراف العربية في المنطقة على الخطوات الأمريكية من مرحلة إلى المرحلة التالية.
وذلك عبر محاولة تحييد بعض الأطراف وضم بعضها إلى الموقف الأمريكي في المدى المتوسط، والتحرك متعدد الاتجاهات إقليميا ودوليا، خصوصا تجاه المؤسسات المانحة على اعتبار أن خطة ترامب ليست وثيقة نهائية، لكنها معدة لإجراء تفاهمات مع الدول العربية الرئيسية، لا سيما الدول الخليجية الثلاث ومصر، للجلوس مع الولايات المتحدة وإسرائيل واستئناف محادثات التسوية بصرف النظر عن مقاطعة رئيس السلطة محمود عباس لهذه الاتصالات رسميا، وفي حال رفض الطرف الفلسطيني للتصور الأمريكي المعلن والممثل في بنود الصفقة، وفشل المفاوضات بين الطرفين لإقامة دولة فلسطينية، سيكون هناك ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل كي تضم وادي الأردن، وكذلك أراضي المستوطنات في الضفة الغربية خلال فترة وجيزة، وربما مع بدايات الولاية الثانية للرئيس ترامب.
في كل الأحوال تحمل الرؤية الأمريكية تصورات ومخططات يجب تفنيدها والتعامل معها على أنها طرح قائم وفرصة للتفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي - برغم كل التحفظات المعلنة - ولكن الإشكالية الحقيقية في التقييم المسبق للسلطة الفلسطينية بأن الخطة في مجملها لا ترتكن لقرارات الشرعية الدولية وتستهدف تصفية القضية الفلسطينية من عناصرها الرئيسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة