سقوط حر لـ"إخوان المغرب".. "بنكيران" بين لعنة الزلزال والبيان
أعاد زلزال "الحوز" في المغرب حزب جماعة الإخوان إلى الواجهة، ليس بمبادرة إنسانية لدعم للمتضررين، وإنما بفضيحة سياسية غير مسبوقة.
عودة لا تساوي "الصعود" بمعناه السياسي، بل تعني إبراز سقوط حزب "العدالة والتنمية" الحر منذ خسارته الانتخابات التشريعية في 2021، إذ أصدر بيانات يلوم فيها الحكومة الجديدة، لكنها ارتدت في صدره وصدر حكوماته التي قادت البلاد لـنحو ١٠ سنوات.
ففي وقت تجمع المغاربة على قلب رجل واحد، وانصهار الفكرية والسياسية، لإغاثة المتضررين وإعادة إعمار القرى المُدمرة من الزلزال، صعد حزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية للإخوان، منصة الوعظ والإرشاد الشعبوي، ممارساً خطاب التعالي السياسي والديني، وراقصا على أجساد الضحايا.
نيران صديقة
الحدث: بيان صحفي خارج السرب، ربط زلزال الحوز بالمعاصي والذنوب وغضب الله، وتحول إلى عملية ممنهجة لإلقاء اللوم وتقديم الدروس ليس للأحزاب وحسب، بل حتى المؤسسات الدستورية التي اختارها المواطنون.
إذ ربط بيان صادر عن الأمانة العامة، أعلى هيئة في هرم حزب العدالة والتنمية، ويقودها زعيمه عبدالإله بنكيران، الزلزال بـ"المعاصي والمخالفات بمعناها العام والسياسي"، التي تشهدها “الحياة السياسية عامة والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها”.
البيان خلف حالة استياء عارمة في صفوف المغاربة، انعكست على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصف نشطاء مضمونه بـ"النشاز" و"المسيء إلى أهل الحوز".
الناشط السياسي حفيظ زهري كتب على صفحته بموقع فيسبوك ردا على البيان، قائلا "ذكرونا متى زار بنكيران أو أحد وزرائه هذه المناطق وأعطى انطلاقة مشروع اجتماعي أو اقتصادي".
وأضاف "من منطق الحزب الإخواني إذ كان الزلزال قد ضرب المغاربة بسبب الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي، فإنه ضربنا على مخلفات 10 سنوات عجاف ونفاق سياسي"، في إشارة إلى فترة قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة.
ومضى قائلا "في مضمون البيان إساءة إلى أهل المناطق التي ضربها الزلزال"، معلقا بالقول "ليعلم بنكيران ومريدوه أن أزيد من 90% من سكان المناطق التي ضربها الزلزال حفظة للقرآن نساء ورجالاً".
أما الناشط عزيز عكاوي فقال في منشور على "فيسبوك" "كان على إخوان المغرب الاعتراف بذنوب حزبهم ومعاصيه"، وذلك في إشارة منه إلى جملة من الفضائح السياسية والجنسية التي كان أبطالها أسماء بارزة من قيادات الحزب.
حساب باسم عثمان اختار التهكم على بيان الحزب الإخواني، بطريقة أخرى، إذ قال إنه "لم يتبق لبنكيران إلا القول إن الزلزال هو عقاب رباني في ذكرى انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021، لعدم تصويت المغاربة للعدالة والتنمية".
وشدد في نفس السياق على أن الحزب تجاوز مرحلة الأستاذية السياسية والدينية، قافزاً على جميع الأعراف والأخلاقيات، ولم يبق له سوى التدخل في مصائر العباد في الآخرة.
دمار داخلي
ولا يزال حزب العدالة والتنمية يعيش على وقع الدمار بسبب زلزال 8 سبتمبر/أيلول ٢٠٢١ السياسي، والهزيمة التاريخية الانتخابية غير المسبوقة، التي هوت بإخوان المغرب إلى قاع المشهد السياسي، وصدعت أركان الحزب التنظيمية قبل أن يستكمل انهياره ببيان الزلزال.
انتقادات من قياديين مؤسسين للحزب للبيان، واستقالات جديدة تضاف إلى موجة الاستقالات التي تبعت الهزيمة السياسية النكراء قبل عامين، ولم تترك في الحزب إلا بنكيران وبعضا من مريديه الذين يتحكم في توجهاتهم وتصريحاتهم.
عبد القادر اعمارة، أحد الوجوه البارزة للحزب منذ تأسيسه، والذي شغل عدة مناصب سياسية وأيضاً كُلف بحقائب وزارية متعددة خلال قيادة الحزب الإخواني للحكومة، كان أول المُستقيلين بسبب البيان.
وحتى محمد يتيم، الإخواني المعروف بمواقفه المتطرفة، كان له رأي ينتقد للبيان، إذ تبرأ منه واصفا إياه بـ"الشارد".
واعتبر يتيم أن البيان “غير موفق أيضا من زاوية ربط الزلزال بالذنوب والمعاصي"، مؤكداً أنه “لا أحد يمكن أن يجزم أن أقدار الزلزال أو الفيضان أو الأوبئة أو الأمراض أو هذا الزلزال تعيينا أو ذاك هو عقاب من الله! بل القول بذلك والإيحاء به هو من باب التألي على الله”.
إساءة للدين والسياسة
الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عمر الشرقاوي اعتبر أن البيان الإخواني يحمل "إساءة للدين الإسلامي والسياسة" معاً، ويعكس وجود حزب العدالة والتنمية في عزلة قاتلة.
ولفت، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن الحزب يُحاول لفت الانتباه إليه عبر صناعة "البوز (الضجيج)" السياسي، خاصة أن هذا الخطاب "لا يمكن أن يصدر عن حزب قاد الحكومة لـ10 أعوام".
وأوضح أن الحزب الذي يقوده عبدالإله بنكيران، والذي نفسه قاد الحكومة لولاية كاملة، قبل أن يفشل في تشكيل الحكومة الثانية، ينسى أنه أدار الشأن العام لـ10 أعوام.
وأضاف أن الأصل في الخطاب السياسي لحزب سبق له أن أدار الشأن العام، أن تكون فترة تدبيره وإنجازاته السياسية هي مرجع ومنطلق مُحاسبته للحكومات التي تلته وخصومه في الساحة، وليس "الانحياز إلى خطاب ديني وكأنه لم يمارس السياسة قط".
وشدد على أن هذا البيان غير الموفق للحزب يضاف إلى ما يُؤكد أن العدالة والتنمية لم ينتقل بعد إلى مرحلة الشرعية السياسية والتحول إلى حزب.
بل، وفق الشرقاوي، لا يزال الحزب يعيش في إطار جماعة دينية، وليس حزباً سياسيا مكتمل الأركان وله سياسة واضحة ورسائل سياسية من شأنها إحراج خصومه السياسيين.
أيديولوجية فاسدة
أما المحلل السياسي حسن بلوان، والخبير في العلاقات الدولية، فيرى أن البيان محاولة للهروب إلى الأمام، والتغاضي عن زلات الحزب، سواء السياسية التي ذيلته الترتيب الانتخابي، أو الإدارية التي أفقدته التدبير الحكومي.
وأوضح، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن قراءة بسيطة في مسار هذا الحزب ومجموع مواقفه، وحتى طريقته في الإدارة الداخلية، تظهر أنه مؤسسة تبني على ممارسة "الأستاذية الدينية"، والوعي الزائف بصوابية مواقف القيادة، باعتبارها في زعم مريدي الحزب مؤيدة من الله".
ولفت إلى أن هذا المنطق، وهذه "الأيديولوجية الفاسدة"، لا تتواجد عند حزب العدالة والتنمية المغربي فقط، بل يتقاسمها جميع تنظيمات الإسلام السياسي في كل أنحاء العالم.
وأوضح أن هذا المنطق "لا تطبقه هذه التنظيمات على مريدها فقط، بل يردون فرضه حتى من يُخالفهم، ومن هنا يتجرؤون على الحياة الشخصية للأفراد، ويتدخلون في اختياراتهم، بل يتجاوزون حدودهم البشرية، لتحديد مصائرهم الأخروية بأستاذية وتعالٍ مقيتين".
وأكد أن ما جاء في بيان العدالة والتنمية "خطاب يحمل جُرعة داعشية كبيرة، ولا يختلف عن خطاب التنظيم الدولي للإخوان إلا بصياغة الأفكار، لكن المعنى واحد".
وأوضح أنه "بالرجوع إلى افتتاحية تنظيم داعش الإرهابي حول كل من زلزال الحوز وفيضانات ليبيا، نجد نفس المنطق ونفس الفكرة التي مفادها أن الواقعة تحذير وتخويف من الله لعباده، ورد فعل لكثرة الذنوب والمعاصي".
وعاد المتحدث إلى سياقات إصدار هذا البيان، موضحاً أن "أصحاب هذا الموقف لم يُكلفوا أنفسهم زيارة المتضررين في عين المكان ومواساتهم، ولم يقوموا بذلك أيام تقلدهم المناصب الحكومية".
اعتبر أن "هذا السلوك ينم عن "عجرفة" سياسية، فكيف يُعقل أن تجلس في العاصمة، وفي المنازل الآمنة، وتصدر الفتاوى بشأن مصير آلاف البُسطاء الأبرياء، الذين يبيتون في الخيام بين ركام منازلهم وآلام فراق أقاربهم؟".