استقطاب وتهديدات وتجارة بالدين.. أردوغان يترقب الاختبار الصعب
أردوغان دأب على توظيف الأحداث لتحقيق مكاسب سياسية، من خلال تمرير سياساته في بيئة من التجارب والاستقطاب السياسي.
تشهد تركيا، الأحد المقبل 31 مارس/آذار، انتخابات بلدية يشارك فيها 13 حزباً، يتقدمها حزب رجب طيب أردوغان الحاكم "العدالة والتنمية" المتحالف مع "الحركة القومية"، ويحمل تحالفهما اسم "تحالف الجمهور".
وتخوض العديد من الأحزاب التركية المعارضة الانتخابات بتحالف مضاد يحمل اسم "تحالف الأمة" بقيادة حزبي "الشعب الجمهوري" و"الخير".
انتخابات صعبه يواجهها حزب أردوغان وسط تراجع اقتصادي حاد تشهده البلاد، وهي الانتخابات الأولى من نوعها في ظل نظام الحكم الرئاسي، بعد أن استحوذ أردوغان على سلطات تنفيذية واسعة عقب فوزه في الانتخابات العامة التي أجريت في يونيو/حزيران الماضي، والتي شككت جهات حقوقية والمعارضة في نزاهتها.
الاستقطاب
يمارس حزب أردوغان وحكومته سياسة الاستقطاب التي أدت إلى ظهور انقسام حاد في الشارع التركي؛ حيث أكد محمد حامد، الباحث في الشؤون الدولية، أن المجتمع التركي يعاني من تراجع حاد في الحريات والديمقراطية بشكل عام نتيجة حالة الاستقطاب.
وأضاف حامد خلال تصريحاته لـ"العين الإخبارية" أن أردوغان يمارس أيضاً التضييق الكامل على المعارضة، في الوقت الذي تشير فيه جميع استطلاعات الرأي لتراجع شعبية الرئيس وحزبه.
وأكد حامد أن الانتخابات المحلية التركية المقرر إرجاؤها نهاية الشهر الجاري، مصيرية للرئيس وحزبه الذي يعاني من تراجع حاد بالأخص في المدن الكبرى مثل العاصمة أنقرة، وإسطنبول، وأزمير.
وأوضح الباحث في الشؤون الدولية أن رغم التراجع الملحوظ يستمر الرئيس التركي في إنكاره، مما يزيد التخوفات من وجود شبهات تزوير في الانتخابات الذي يستخدم فيها أردوغان وحزبه كل الوسائل للسيطرة على مفاصل المؤسسات التركية.
واستمراراً لحالة الاستقطاب ومحاولة تصدير نظرية المؤامرة، هدد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو بالفوضى حال تزعزع حكم أردوغان، بخسارته الانتخابات المحلية، فيما عده معارضون تحدياً سافراً لإرادة الناخبين واستهانة بقواعد الاقتراع الحر.
جاء تهديد الوزير خلال تصريحات أدلى بها في مقابلة على إحدى قنوات التلفزة التركية، بحسب ما ذكرته العديد من الصحف والمواقع الإخبارية المحلية.
تصريحات وزير داخلية أردوغان لم تكن الأولى من نوعها التي يسوقها مسؤولو حزب العدالة والتنمية الحاكم في البلاد، إذ سبق وأن قال أردوغان نفسه في فبراير/شباط الماضي إن "سقوط حكم العدالة والتنمية سيكون عيداً لمن يحيكون المكائد يومياً للإيقاع بين شعوب المنطقة".
وفي السياق ذاته، شدد على أنه بمجرد سقوط نظامه "سيتحرر التيار المعادي للإسلام المتصاعد في الغرب بدءاً من أوروبا وصولاً إلى الولايات المتحدة".
بدوره أوضح هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات والخبير في الشؤون الدولية، أن أردوغان دأب على توظيف الأحداث لتحقيق مكاسب سياسية؛ من خلال تمرير سياساته في بيئة من التجارب والاستقطاب السياسي، حدث ذلك أكثر من مرة، في ظل الاحتقان السياسي ضد المعارضة، خاصة جماعة غولن، واتهامهم بالعمالة للخارج.
وأضاف سليمان، خلال تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن آليه الاستقطاب التي يمارسها أردوغان، تم اختبارها عندما استغل محاولة الانقلاب واستثمارها في حالة استقطاب مجتمعي حد، نجح في توظيفها للتخلص من المعارضة عبر عملية إعدام سياسي واسعة، طالت كل شيء.
وقال سليمان المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات والخبير في الشؤون الدولية: "بتتبع تحليل خطابات أردوغان عقب أحداث كبرى، نرى مدى استعمالها للتدليل على رجاحة وصحة اتجاهه السياسي وخياراته، ظهر ذلك في تعليقه على حادث نيوزيلندا الإرهابي، ورغم مشاعر الرفض التي نحملها جميعاً، لكنه أكد تبرئة جماعات الإسلام السياسي بشكل شامل، دون تحميلها أدنى مسؤولية."
ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، هدد برلماني من حزب العدالة والتنمية، المواطنين بانتشار العصابات المسلحة، وتعرض المحجبات للمضايقات أثناء سيرهن في الشوارع، إذا لم يفز الحزب بالانتخابات.
المساجد
لم تسلم دور العبادة التركية من استغلال أردوغان وحزبه؛ حيث نظمت برلمانية من حزب العدالة والتنمية الحاكم دعاية انتخابية لمرشحي حزبها داخل أحد مساجد مدينة أرضروم شرق تركيا.
وألقت البرلمانية زهراء طشكسنلي أوغلو، بحسب شريط مصور نشرته صحيفة "زمان التركية" خطاباً اتهمت فيه المعارضة بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية للإطاحة بنظام الحاكم في البلاد.
كما هددت البرلمانية المصلين وأهالي أرضروم أنه في حال فوز مرشح المعارضة بالانتخابات المحلية فإن "الشعب لن يتمكن من الحصول على خدمات" على حد تعبيرها.
وبعد انتشار تصريحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي ندد نشطاء عديد من النشطاء، مطالبين رئاسة الشؤون الدينية بالتدخل الفوري للحد من الدعاية الانتخابية داخل المساجد ومنع المسؤولين الأتراك من الحديث في السياسة داخل دور العبادة.
وحول استغلال حزب أردوغان للمساجد لنشر دعايتهم أكد سليمان، خلال تصريحاته لـ"العين الإخبارية"، أن البرجماتية السياسية للأردوغان تظهر من خلال الاستخدام السياسي للمساجد، بحيث يتم توظيف الدين والرموز الدينية للترويج للحزب، وهو ما ينتج استقطاب يتعلق بمدى قدرة خطاب المعارضة في الصمود أو تحقيق الشرعية بالمقارنة بالخطاب الديني، وهو ما يخلق حالة من الحرج المجتمعي والسياسي.
وقام حزب أردوغان بإحدى مناطق ولاية آيدين "غرب"، برفع علم الحزب فوق مئذنة أحد المساجد، على الرغم من منع القوانين لاستخدام المعالم والمشاعر الدينية للدعاية الانتخابية.
تهديدات
هدد أردوغان، زعماء المعارضة بالمحاكمة، أمس الأحد، وذلك قبل الانتخابات المحلية المقرر عقدها بعد حوالي أسبوع.
وقال أردوغان إنه "سيلقن المعارضة الدرس اللازم"، مشيراً إلى كل من زعيم حزب الشعب الجمهورى، كمال كليجدار أوغلو، وزعيمة حزب الخير، ميرال أكشينار.
كما سلطت العديد من الصحف والمواقع الإخبارية التركية الضوء على قيام حزب أردوغان بحشد حافلات تابعة لبلدية إسطنبول وتحمل أعلام حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، لتقوم بالنقل المجاني للأتراك إلى مقر التجمع الانتخابي للرئيس بالمدينة.
وبحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لصحيفة "برغون"، لم يكتفِ النظام بذلك فحسب، وإنما وزع زجاجات المياه والكعك على الركاب بالمجان، كجزء من رشاوى اعتاد عليها حزب العدالة والتنمية لاستقطاب الأتراك قبيل أي استحقاق انتخابي.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يقوم فيها أردوغان وحزبه بتقديم رشاوى للمواطنين لحضور التجمعات الانتخابية؛ ففي 24 فبراير/شباط الماضي، تداولت الصحف المعارضة التركية مشاهد تكشف عن تزويد حافلات تنقل الأتراك لأحد التجمعات بشكل مجاني.
وفي 7 مارس/آذار الجاري، أفادت وسائل إعلام محلية بحشد العدالة والتنمية الطلاب لمؤتمر انتخابي لأردوغان، وإجبار إدارات المدارس في إسطنبول على حضوره، وشوهدت طوابير الطلاب بالشوارع.
ويرى هاني سليمان، المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات والخبير في الشؤون الدولية، أن الممارسات التي يمارسها أردوغان وحزبه لا تشكل ضمانة، ولا تجعل الانتخابات محسومة، وبالرغم من بعض النجاحات التي حققها الحزب في السنوات الأولى خاصة في المحليات، غير أننا إزاء مرحلة مختلفة نوعياً، فهناك أداء سياسي مربك بعض الشيء بالنسبة للأتراك.
وأضاف سليمان أنه في أكثر الحالات تفاؤلاً، فإن الحصول على الأغلبية سيكون معركة صعبة بالنسبة لحزب أردوغان، ناهيك عن إمكانية تراجع الإقبال من المواطنين كرسالة سلبية.
وأياً كانت النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات البلدية المرتقبة في تركيا، فإن الأمور لن تكون كما كانت في السابق بالنسبة لحزب أردوغان الحاكم.