الرواية السياسية تنتظر قبلة حياة
الروايات السياسية تثير حالة من الجدل، ويختلف حول جودتها الكتاب والنقاد، وعادة ما توجه سهام النقد إلى لجان تحكيم الجوائز المعنية بها.
أثار فوز الكاتبة آنا بورنس، بجائزة جورج أورويل للرواية السياسية، عن روايتها "ميلكمان"، حالة من الجدل في الوسط الثقافي البريطاني، تمثل في هجوم عدد من الكتاب على اختيارات اللجنة، فيما أبدى آخرون تخوفهم من تراجع مستوى الروايات السياسية عن الشكل الذي عرفه القراء في رواية "1984" و"كوخ العم توم" وغيرهما من الروايات التي أحدثت صدى واسعا.
ومعروف أن تأثير الروايات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية أدى إلى تغييرات على أرض الواقع، وساعد على ظهور أحزاب سياسية لها اهتمامات بيئية وثقافية، كما ساعدت على حصول فئات بعينها على بعض حقوقها.
صحيفة "الجارديان" طرحت عدة أسئلة حول الرواية السياسية وانتهاء عصرها، وقالت: أين رواية 1984 من عالمنا اليوم؟ وكيف يتفاعل كتاب السينما والتليفزيون مع الواقع السياسي بماضيه وحاضره؟ وما موقف الروائيين مما يحدث حولنا؟
عندما سئلت الكاتبة آنا بورنس الفائزة بجائزة البوكر الأدبية عن "ميلكمان" عام 2018، عما إذا كانت الكتابة تعتبر فعلا سياسيا، أجابت: "لا أعرف كيف أجيب عليك بصدق، لم أسأل نفسي هذا السؤال من قبل"، ولكن في النهاية جاء ردها بأنه حال إذا كان المقصود بالسياسة القوة والسلطة، فنعم لأن روايتها سياسية.
هذا الرد غير الحاسم لم يمنع لجنة تحكيم جائزة جورج أورويل، وهي جائزة تمنحها كلية لندن للكتابات السياسية، وتحمل اسم الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل، من منح بورنس جائزة أخرى عن هذه الرواية، معلقين بأن هذه الرواية تكشف كيف تسحق وتشوه الانتماءات السياسية الطبيعة البشرية".
تدور رواية "بونس" حول فتاة تبلغ من العمر 18 عاما تتعرض للتحرش الجنسي من قبل جماعات شبه عسكرية، الرواية وصفها النقاد بأنها تجريبية لفقراتها الطويلة فضلاً عن اهتمام الكاتبة بالوصف أكثر من أسماء الشخصيات.
وكغيرها من الأعمال التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة "أورويل"، تميزت رواية "ميلكمان" بتيمة فنية قوية أكثر من الموقف السياسي.
يقول جورج أورويل مؤلف رواية "1984": إن كل عمل أدبي لا بد أن يكون به موقف سياسي، حتى أن الرأي الذي يقول إن الفن لا يعمل مع السياسية يعتبر أيضًا موقف سياسي"، ورغم ذلك أصبح من الصعب أن نجد عملا أدبيا يمكن أن نطلق عليه "الروايات السياسية"، هذا النوع من الأدب الذي عرفه القراء في كتابات تشارلز ديكنز، وإميل زولا، بالإضافة إلى الأشكال الأدبية مثل المانفيستو أو السير الذاتية أو الشكل الذي يجمع بين الصحافة والأدب.
القاسم المشتركة بين هذه الأعمال هو رسم شخصيات وأحداث تجذب انتباه القارئ إلى مشكلات اجتماعية كبرى بشكل يدفع الفرد للتفكير في حلول لها، أو كما وصفها أحد رؤساء لجنة تحكيم جائزة "أورويل للرواية السياسية": "انظروا إلى ما يحدث، أليس هذا سيئًا؟".
عندما أعلنت القائمة الطويلة لجائزة أورويل قالت لجنة التحكيم إن السياسة تتواجد بين سطور الأعمال المرشحة لكنها ليست المحرك الأول لها، وهو التصريح الذي قوبل بالهجوم من قبل الكتاب الذين تم استبعادهم من القائمة القصيرة، بينهم الكاتب جوناثان كو مؤلف رواية "إنجلترا الوسطى"، الذي يقول: "الرقة هي أصل الداء الإنجليزي".
وأضاف: "في بعض الأوقات نحتاج إلى التحدث عن المشكلات بصوت عال وبوضوح" مستنكراً أن يحدث ذلك في بريطانيا بينما هناك دول أخرى أكثر صرامة، موضحا: "الكتاب أصحاب المواقف السياسية في فرنسا يتم الاحتفاء بهم وتقديرهم بشكل خاص لمواقفهم، في اسكتلندا يعتبر كل من الأسدير جراي، وجيمس كيلمان أبطالاً بسبب المحتوي السياسي لأعمالهم، لكن في إنجلترا يعتبر الأمر مبتذلاً إلى حد ما".
وعادة ما تثير الروايات السياسية حالة من الجدل، ويختلف حول جودتها الكتاب والنقاد، جورج أورويل على سبيل المثال وصف رواية "كوخ العم توم" للكاتبة هيريت ستو، التي ناهضت فيها العبودية وساهمت من خلالها في تحسين أحوال أصحاب البشرة السمراء في أمريكا "بأنها رواية جيدة وسيئة، فظة ولكنها فعالة"، فيما اعتبر الكاتب التشكي البارز ميلان كونديرا رواية "1984" لجورج أورويل بأنها كتاب سياسي في ثوب رواية.
المقاومة كرسالة أدبية كان لها أثر قوي منذ صدور هذه الأعمال، ولذا اعتبر عدد من الكتاب والمثقفين أن فوز رواية ميلكمان بجائزة أورويل يخلف مناخا فاترا لأي كاتب لديه أجندة أفكار سياسية صارخة".
من ناحية أخرى تدافع الكاتبة الروائية جوانا كافينا مؤلفة رواية "زيد" التي تتناول تأثير التكنولوجيا في المجتمع عن فوز ميلكمان فتقول: "عندما تدرس الأدب، فإن القاعدة الأولى التي نتعلمها هي أن الأدب ليس عمل سياسي لأن عالمنا متغير ومتقلب وكذلك القراء".
من ناحية أخرى امتد تأثير رواية "النظر إلى الماضي" من تأليف الصحفي إدوارد بيلامي، لأبعد من حجم المبيعات الضخمة التي حققتها، وساهمت في إحداث تغييرات جذرية في المجتمع، إلى حد القول بأنها قدمت الاشتراكية إلى الأمريكتين أكثر مما فعل كارل ماركس.
ومن أمثلة الأعمال الأدبية ذات المغزي السياسي أيضًا، رواية "الغاب" من تأليف أبتون سنكلير، والتي تتناول أوضاع المهاجرين في البلاد الصناعية، وتحديداً في شيكاغو، وأجبرت هذه الرواية روزفلت على إنشاء إدارة الغذاء والدواء في خطوة لتحسين أحوال العمال، ولا يوجد كتاب حديث يقترب من مستوى هذه الأعمال.
يبرر جان ستيون المدير التنفيذي لجائزة "أورويل" هذا التراجع بالمناخ السياسي، فيقول إن السبب يعود للحالة السياسية، فقد كان أغلب هؤلاء الكتاب اشتراكيين وتحركهم هذه النوازع فيما يكتبون من أعمال أدبية، فالكتاب كانوا يكتبون أعمالا سياسية لأن الشيوعية تخبرهم أنه يتعين عليهم كتابة روايات تحمل رسائل معينة".
ويضيف: "كان هذا الطابع الغالب من قرن من الزمان حيث كان أي كاتب لديه رؤية سياسية يميل إلى نشرها في شكل أدبي، لاعتقادهم بأن الخيال مهما كان رقيقا أو قاسيا فهو أفضل حل لإيصال مغزى رسالتك".
الكاتب فرانك كوتريل بويس، يبدي تخوفه من تراجع الرواية السياسية، فيقول إن الانتشار الكبير لروايات الديستوبيا أو الأدب الفاسد قد يجعل القارئ يتأقلم مع أجواء الكذب والخداع، ويشترط بويس أن يقدم الكاتب السياسي حلولا ولو بسيطة لما يطرحه من ظواهر اجتماعية أو طريق للتعايش".
aXA6IDMuMTQ5LjIzMi44NyA= جزيرة ام اند امز