زيارة البابا فرنسيس ترسيخ للنموذج الإماراتي في التسامح وإنهاء الصراعات
زيارة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ستبقى حدثا استثنائيا
على الرغم من أن قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، زار 8 دول، منذ تنصيبه في 19 مارس/آذار 2013، فإن زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة ستبقى حدثا استثنائيا، يؤكد ريادة النموذج الإماراتي في التسامح ودورها المحوري في إنهاء الصراعات.
ويستقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وكبار الشخصيات قداسة البابا فرنسيس، لدى وصوله، الأحد 3 فبراير/شباط المقبل إلى مطار أبوظبي الرئاسي.
وفي اليوم الثاني من زيارته التي تستغرق 3 أيام، سيزور البابا فرنسيس جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي لعقد اجتماع خاص مع أعضاء مجلس حكماء المسلمين، سمي المسجد على اسم المغفور له الشيخ زايد، الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وتتضمن الزيارة التي تستمر 3 أيام لقاء مع كاثوليك المنطقة، وقداسا بابويا صباح الثلاثاء 5 فبراير/شباط في مدينة زايد الرياضية، ومن المتوقع حضور أكثر من 100 ألف شخص القداس البابوي، والكنيسة تعمل مع الحكومة للتخطيط لهذا الحدث.
زيارة البابا.. ردود الأفعال العالمية لن تتوقف
ردود الأفعال والحديث عن هذه الزيارة لن ينتهي ولن يتوقف تأثيره بمجرد انتهاء بروتوكول مغادرته من مطار أبوظبي في الخامس من فبراير المقبل، لكون البلد المستضيف هذه المرة بات نموذجاً ملهماً في تطبيق قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر، واتخاذ إجراءات وقرارات انطلاقاً من مبدأ التسامح، وأصبح التسامح محدداً من محددات سياستها الخارجية.
ومن بين هذه الردود التي انطلقت مبكرا، ما أورده الموقع الإلكتروني للصحيفة الصينية "south china morning post" الذي وصف زيارة البابا بالتاريخية، قائلا إن الهدف الرئيسي منها تدعيم علاقة الفاتيكان بالعالم الإسلامي.
ووصفت الصحيفة الصينية دولة الإمارات العربية المتحدة بأنها أكثر دول الخليج دعما للقوى الناعمة والتواصل بين الحضارات، وأنها أكثر دول الخليج سماحا لأتباع الديانة المسيحية لممارستهم طقوس ديانتهم بحرية في كنائسها.
وبدوره، يقول المطران بول هيندر، النائب الرسولي في جنوب شبه الجزيرة العربية، إن المسيحيين متحمسون للغاية لزيارة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، أما المسلمون فيتطلعون إليها باهتمام وفضول كبيرين.
أضاف "هيندر"، في حديثه لموقع "الفاتيكان إنسايدر"، التابع لصحيفة "لا ستامبا" الإيطالية، أن الجالية الكاثوليكية تنتظر قدوم البابا فرنسيس لدولة الإمارات بكثير من مشاعر الحماس للحصول على مباركته.
وأشار إلى أن "الكاثوليكيين يعيشون في دولة الإمارات المتحدة شاعرين بالحرية الدينية، فالجالية المسيحية لا تخفي انتماءها الديني، ولا تخشى من إظهار معتقداتها الإيمانية".
وأكد "هيندر" أن دولة الإمارات العربية المتحدة تُظهر انفتاحاً صادقاً للحوار مع الأديان الأخرى، قائلاً: "في ضوء زيارة البابا فرنسيس التقيت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكان اجتماعاً ممتازاً، وأعتقد أنه من خلال استضافة الاجتماع الدولي بين الأديان المكرس للأخوة العالمية تنوي الحكومة أيضاً إظهار انفتاحها وتسامحها للعالم".
وقال مدير المعهد الأوروبي للعلاقات الدولية اينيرو سيميناتوري، الخميس، إن زيارة قداسة البابا فرنسيس لم تكن مصادفة بل ترجع إلى المكانة التي تحتلها في مجال نشر قيم التسامح والحوار البناء بين مختلف المكونات الإنسانية.
وأكد أهمية اللقاءات التي سيعقدها قداسة البابا فرنسيس مع قيادة دولة الإمارات وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف والفعاليات الإسلامية، ما يعد محطة تاريخية على صعيد الحوار بين الأديان.
وشدد على حاجة العالم إلى تكريس جهوده من أجل بث روح الإخاء في أرجائه.
وتأتي زيارة قداسة البابا بالتزامن مع إعلان الإمارات 2019 "عام التسامح"، الذي يأتي انسجاما مع رؤيتها القائمة على قيم التسامح، وسعيها النبيل لنشر القيم والفضيلة وإرساء قيم التعايش وقبول الآخر، وتحقيق الانسجام والوئام في المنطقة والعالم.
ويهدف هذا الإعلان إلى إبراز دولة الإمارات عاصمة عالمية للتسامح، وتأكيد قيمة التسامح باعتبارها امتداداً لنهج زايد مؤسس الدولة، وعملاً مؤسسياً مستداماً يهدف إلى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة.
عمق نموذج التسامح الإماراتي
تكشف زيارة البابا فرنسيس عن عمق النموذج الإماراتي في التسامح ومدى فاعليته، وهو نموذج تراكم عبر سنوات طويلة، فأصبح محوراً أساسياً في الخطاب السياسي لكل قادة الدولة ومسؤوليها منذ عهد باني نهضتها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ثم انتقل إلى أرض الواقع الإماراتي وتبلور في سياسات وبرامج وطنية.
وأصبح سلوكا حياً بين مواطني الإمارات وقاطنيها، ليتحول إلى أحد أهم أدوات السياسة الخارجية الإماراتية، وبات يمثل آلية سياسية رشيدة تعتمدها الإمارات في مساعيها الحميدة لحل الصراعات خارج حدودها، وتحديدا في المناطق التي تموج بأقليات عرقية ودينية.
تعتبر الإمارات شريكاً أساسياً في اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة ترتبط بنبذ العنف والتطرف والتمييز، وأصبحت عاصمة عالمية تلتقي فيها حضارات الشرق والغرب، لتعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة.
وتحتضن الدولة عدة كنائس ومعابد تتيح للأفراد ممارسة شعائرهم الدينية، ولدى الدولة مبادرات دولية عدة ترسخ الأمن والسلم العالمي، وتحقق العيش الكريم للجميع.
وتضم الإمارات أكثر من 200 جنسية تنعم بالحياة الكريمة والاحترام، وكفلت القوانين للجميع العدل والاحترام والمساواة، وجرمت الكراهية والعصبية، وأسباب الفرقة والاختلاف.
ولتعزيز هذا المفهوم أطلقت الدولة البرنامج الوطني للتسامح، وشرعت قانون مكافحة التمييز والكراهية، وأسست عدة مراكز لمكافحة التطرف والإرهاب.
الدور الإماراتي في إنهاء الصراعات
لعبت الإمارات دورا كبيرا في إنهاء كثير من الصراعات في مناطق مختلفة حول العالم وتسكين أوجاع شعوبها، عبر دبلوماسية ناعمة ووساطة ذكية ترتكز على نشر قيم التسامح وتعزيز مبدأ الحوار بين المختلفين وإقناعهم بالجلوس على طاولة التفاوض وتوفير البيئة المناسبة للحوار، وذلك في كثير من الصراعات المبنية على عدم تسامح أطرافها وعدم وجود الوسيط النزيه الذي يمكن أن يتدخل لإقناع الأطراف بتبني مبدأ الحوار والاستماع للآخر بديلاً لمنهج الإقصاء والاستبعاد .
هناك الكثير من الأمثلة لمناطق الصراع التي تمكنت فيها دولة الإمارات من نزع فتيل الأزمة في بعض الحالات اليائسة، وكان آخرها الصراع الأفغاني الذي تبذل الإمارات جهودا كبيرا لإنهائه وتحقيق المصالحة الأفغانية وإعادة الأمن والاستقرار لأفغانستان، فقد استضافت في ديسمبر الماضي مؤتمراً للمصالحة الأفغانية بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، وهناك مؤشرات كثيرة تدل على أن الإمارات ستنجح فيما فشل فيه غيرها، وستكلل جهودها بالنجاح في إحلال السلام في أفغانستان، وإنهاء معاناة الشعب الأفغاني والحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود التي خلفت حالة غير مسبوقة من الانقسام السياسي والاجتماعي والعرقي، وحالة كبيرة من عدم الاستقرار أثرت على المنطقة بأكملها.
كما كان للإمارات دور محوري في فض النزاع التاريخي بين إريتريا وإثيوبيا الذي بدأ بأسباب عرقية وإثنية ودام نحو عقدين من الزمان وخلف عددا يتجاوز 15 ألفا من القتلى، وخلق صدعا كبيرا في العلاقات بين الجارين كان يبدو من المستحيل رأبه.
وعندما تعانق زعيما إثيوبيا وإريتريا في العاصمة الإريترية أسمرا في مطلع يوليو الماضي ووعدا بإنهاء حالة الحرب بين بلديهما، بدا الأمر للمراقبين انفراجة مفاجئة، لكن في حقيقة الأمر كان هذا التقارب بين البلدين تتويجاً لمحادثات جرت عبر قنوات خلفية وغير معلنة استمرت لمدة عام، ولعبت فيها الإمارات دورا محوريا، الأمر الذي تجلى في القمة الثلاثية التي جرت في أبوظبي بين إريتريا وإثيوبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة في الرابع والعشرين من يوليو الماضي، ما يؤكد الدور الأساسي للإمارات في المصالحة التاريخية بين أديس أبابا وأسمرا، ويرسخ نموذجاً إماراتياً في إحلال السلام في العالم عبر نشر قيم التسامح والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب.
لذا فإن زيارة البابا فرنسيس لأبوظبي تمثل نجاحاً للنموذج الإماراتي في التسامح، وهو النموذج الذي لم يكتف بدعم وتبني قيم التسامح والتعايش السلمي والتآخي بين الشعوب المختلفة أو بين مكونات الشعب الواحد، ولكنه حولها من مجرد منظومة أخلاقية وفكرية يقتصر السجال حولها على النخب الفكرية في القاعات المغلقة أو ترددها بعض النخب السياسية في الخطب المعلنة، إلى آلية عملية، إنسانية وحضارية لحل كثير من الصراعات وإنهاء العديد من النزاعات التي تتغذى على خطاب الكراهية ورفض الآخر، وهي نفس الآلية التي يؤمن بها ويدعمها البابا فرنسيس، ويسعى لتعزيزها باعتبارها تمثل نهجاً أكثر عمقا وأمضى أثراً في التعامل مع كثير من الاضطرابات وحل كثير من المشاكل التي تعج بها مناطق عدة حول العالم.
aXA6IDMuMjEuMjEuMjA5IA== جزيرة ام اند امز