سوريا تنتظر صفقة "براغماتية" بين روسيا وأمريكا
سوريا في انتظار صفقة لم تتبلور ملامحها، وسيكون مؤتمر جنيف فرصة لمعرفة مدى التقدم في اتجاه عقدها
بينما تتجه الأنظار بعد أيام إلى مدينة جنيف السويسرية، حيث المؤتمر المنتظر بين النظام السوري والمعارضة يوم 23 فبراير/شباط الجاري، يثور تساؤل: هل يمكن أن يأتي هذا المؤتمر بجديد؟
نظريا، من المفترض أن يأتي بجديد، في ظل حدوث متغيرات كثيرة، أهمها وأبرزها أنه المؤتمر الأول الذي يعقد في وجود إدارة أمريكية جديدة، يبدو من أدائها منذ استلامها الحكم أنها تميل إلى الحلول السريعة، والتي قد تكون في كثير من الأحيان صادمة.
كما أن هذه الإدارة لديها علاقات أكثر قوة مع روسيا، وهو ما قد يسهم في الخروج بنتيجة مختلفة في هذا المؤتمر، الذي سبقه ثلاثة مؤتمرات أخرى لم تحقق أي نتيجة.
ولكن عمليا، فإن هذا التقارب، وإن كان سيسهل الوصول إلى حل، لن يكون بسرعة القرارات الأخرى للإدارة الأمريكية، ذلك لأن هناك تفاصيل كثيرة لا تمت لسوريا بصلة، لم يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.
فسوريا بالنسبة للطرفين، بند ضمن بنود صفقة كبيرة، لم يتم الاتفاق على تفاصيلها بعد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويحتاج كل طرف إلى أن يخرج منها بمكتسبات، في إطار العلاقات القائمة على المنفعة المتبادلة "البراغماتية" بين الطرفين، التي طالب بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في كلمته السبت 18 فبراير/شباط بمؤتمر ميونخ للأمن.
ويبدو من التصريحات الأمريكية الرسمية أنها أصبحت تعرف ما تريده من سوريا، فدونالد ترامب وصف الحديث عن خروج بشار الأسد من السلطة بالحماقة، وتحدث عن أنه يمكن التعاون معه في الحرب ضد داعش، كما أنه لا يريد استبدال نظام الأسد بدمية إيرانية، وهذا ما تريده روسيا، ولكن يبقى بلورة هذا التوجه في حل دولي أسير بالاتفاق على باقي بنود الصفقة.
وحاولت صحيفة التايمز البريطانية في افتتاحيتها يوم 9 يناير/كانون الثاني الماضي تلمس بعض تفاصيل تلك الصفقة، على خلفية قرار الكرملين سحب حاملة الطائرات "أدميرال كوزنستوف" من مياه البحر الأبيض المتوسط، بعدما وصلت في الصيف الماضي، حيث قدمت البارجة الدعم للعملية العسكرية الروسية في سوريا، مشيرة إلى أن سحبها وقوات روسية أخرى جاء بالتزامن مع موعد تنصيب ترامب، وهي رسالة من بوتين للرئيس الأمريكي الجديد بأنه مستعد لعقد صفقة.
وقالت الصحيفة إن أولوية ترامب في السياسة الخارجية هي التركيز على هزيمة تنظيم داعش، وتحجيم دور إيران في المنطقة، وتحدي صعود الصين الاقتصادي والعسكري.
وذهبت الصحيفة إلى أن روسيا يمكنها أداء دور في هذا كله طالما تم إطلاق يدها في سوريا وأوكرانيا، وتم الاعتراف بشبه جزيره القرم أرضا روسية.
وكتب مدير "مركز أبحاث ما بعد عصر الصناعة" بموسكو فلاديسلاف إنوزمتسيف حول المعنى نفسه في مقال له بصحيفة الإندبندت البريطانية يوم 4 فبراير، حيث ذهب إلى أن سوريا ليست مغرية للرئيس الأمريكي الذي يرى أنها لن تستقر قريبا، وسيستمر تدفق اللاجئين منها.
وأضاف: "الصين هي الهاجس الأكبر لترامب، بينما أوكرانيا وسوريا هما الهاجس الأكبر لبوتين، ولذا فإن أجندة كل منهما لا تتعارض مع بعضها البعض".
ويبقى صياغة حل يحقق أهداف بوتين في سوريا، مرتبطا بحصول ترامب على ما يضمن تحقيق أولويات سياسته الخارجية؟
وتدرك المعارضة السورية هذه الإشكالية، وهو ما عبر عنه المعارض السوري برهان غليون، صراحة على صفحته بفيسبوك، عندما سئل قبل يومين: هل هناك فرصة للتقدم في البحث عن حل قريب في سوريا؟ فكانت إجابته أن هناك من دون شك رغبة روسية في البحث عن حل للمحنة السورية لتكرس مكانتها كدولة كبرى مؤثرة وصانعة للسلام، ولكن الثمن الذي ستأخذه الولايات المتحدة لقاء مساعدتها على تحقيق تلك الرغبة لم يتم الاتفاق عليه.
إذن، نحن في انتظار صفقة بين روسيا واشنطن لم تتبلور ملامحها بعد، وسيكون مؤتمر جنيف والمواقف التي ستعلن فيه فرصة لمعرفة إلى أي مدى حدث تقدم في اتجاه عقدها.
aXA6IDMuMTQuMjQ5LjEyNCA= جزيرة ام اند امز