عام ونصف على رئاسة فرماجو.. حصاد من الانتكاسات للشعب الصومالي
الرئيس الصومالي فرماجو الذي صعد للرئاسة مدعوما بأموال "تنظيم الحمدين" وضع بلاده على شفا الانهيار الكامل بعد عام ونصف على رئاسته.
بعد مرور نحو عام ونصف على وصول الرئيس عبدالله فرماجو إلى السلطة في فبراير/شباط من العام الماضي، يشعر الصوماليون بخيبة أمل كبيرة بعدما وضع الرجل، الذي صعد للرئاسة مدعوما بأموال "تنظيم الحمدين"، بلاده على شفا الانهيار الكامل.
وعقب توليه الرئاسة خلفا لسابقه حسن شيخ محمود أطلق وعودا بتحسين الاقتصاد والأمن والعلاقات الخارجية ومحاربة الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الشباب.
غير أنه وبعد عام ونصف وجد الصوماليون دولة منهارة وعلى مسافة قريبة من فوضى سياسية عارمة، على خلفية الأزمات السياسية المتلاحقة، التي أدخل فيها البلاد بعد تعاونه الوثيق مع قطر عبر مستشاره.
فساد مالي.. وخطط ضبابية
وعلى المستوى الاقتصادي، تذيل الصومال التصنيف الدولي لمحاربة الفساد، ذلك بعد ما احتلت مقديشو المرتبة الأخيرة ضمن أكثر الدول فسادا في تقرير منظمة الشفافية العالمية للعام الماضي 2017. كما نال الصومال درجة صفر وضع البنك الأفريقي في تقارير التنمية والنزاهة ومحاربة الفساد.
ويقول الخبير الاقتصادي الصومالي يحيى عامر إن الاقتصاد الصومالي اليوم شبه منهار بسبب الفساد والاضطرابات الأمنية والتجاذبات السياسية التي تعرقل وضع أي خطة سياسية، كما أن الخطط الاقتصادية للحكومة الفيدرالية تبدو ضبابية وغير دقيقة.
وأشار عامر إلى أن نمو الناتج المحلي عام 2016 كان 2.4%، فيما تراجع في 2017 إلى 1.8% وسجل التضخم نسبة 5.2%. كما ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير يفوق طاقة الكثير من الصوماليين.
ولم تتحسن الحالة الاقتصادية للصوماليين في عهد فرماجو، بل تفشت البطالة التي بلغت نسبتها نحو 67%، وهي من أعلى النسب عالميا. كما وصلت نسبة الفقر إلى 80%، وفقا لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ووفقا لتقرير منظمة "الفاو" يوجد 82% من السكان الذي يبلغ عددهم مليون نسمة يعانون من سوء الخدمات، ويعيش 73% منهم على أقل من 2 دولار أمريكي في اليوم الواحد.
انفلات أمني.. ونشاط إرهابي
على الصعيد الأمني، شهدت البلاد إجراءات أمنية جيدة في بداية عهد فرماجو، ولكنها سرعان ما انهارت أمام تلاحق الضربات الموجعة من قبل حركة الشباب الإرهابية على العاصمة مقديشو.
كما لم تنج العاصمة مقديشو من حوادث "الاغتيالات السياسية" والهجمات الانتحارية، والتي كان أبرزها الهجوم الذي وقع في مقاطعة زوبي الاستراتيجية، وأسفر عن مصرع 358 مواطنا وإصابة 228 كلهم مدنيون، إضافة إلى 56 شخصا تم تسجيلهم في تعداد المفقودين.
كذلك شهدت العاصمة حادثة اغتيال جنرال رفيع في الجيش الصومالي وسط مقديشو، في الوقت الذي استقبل فيه الصوماليون العام الجاري 2018 بسلسلة اغتيالات استهدفت نشطاء وعسكريين ونواب سابقين في البرلمان ونفذت جميعها في أحياء بقلب العاصمة.
وبينما أطلق فرماجو وعودا بالقضاء على حركة الشباب الإرهابية، إلا أنه ووفقا ببعض الخبراء لم يكن يملك استراتيجية واضحة لتحقيق هذا الهدف، بل إن الجماعة الإرهابية نفذت عام 2017 فقط أكثر من 155 هجمة في مناطق متفرقة بالعاصمة مقديشو مستغلة رعونة قوات أمن العاصمة التي أنشأها فرماجو والتي تم سحبها في نهاية يوليو/تموز الماضي بعد فشل مهمتها وتصاعد شكاوى المواطنين منها.
في الوقت نفسه، استمرت الحركة الإرهابية في استهداف القواعد العسكرية ومؤسسات الدولة والمناطق الريفية وقوات حفظ السلام، واشتدت ضرباتها خصوصا بعد قرار تخفيض قوة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام "أميصيوم" 2017، وفشل حكومة فرماجو في بناء جيش صومالي قوي قادر على إحلال الأمن.
ويقول المتخصص في الشأن الصومالي محمد حارفي إن الصومال لا يزال دولة هشة لن تتمكن من الوقوف على قدميها، بسبب عدم وجود جيش قوي وضعف سيطرة الحكومة الفيدرالية على الوضع الأمني.
وأكد أن استمرار الهجمات الخطيرة من الجماعات الإرهابية، إضافة إلى وجود قطر نفسها في المعادلة الصومالية السياسية والأمنية لن يساعد على الاستقرار، ذلك أن قطر تملك علاقات مع جماعات إرهابية متعددة داخل الصومال.
الاستسلام لقطر
أما على مستوى العلاقات الخارجية، فقد وعد فرماجو بأنه سيعمل على تعزيز العلاقات الدولية للصومال، خاصة فيما يخص الأمن والتجارة والتعاون الدولي، وأشار إلى أن التعاون والاحترام سيكونان أساس السياسة الخارجية الصومالية.
لكن من الملاحظ أن فرماجو نكص عن تعهداته جميعها بخصوص صناعة علاقات متوازنة مع جميع الدول وقاد بنفسه وبدفع من مستشاره فهد الياسين ودعم من أمراء قطر.
كما أشارت بعض التقارير إلى استخدام الطائرات القطرية المجال الجوي الصومالي لتجاوز حظر الطيران المفروض عليها من دول مكافحة الإرهاب الأربعة، في الوقت نفسه قام فرماجو بتحريض من مستشاره الياسين ساعد قطر وذراعها في القصر الرئاسي بإنهاء عقد ميناء بربرة وتمريره بواسطة البرلمان الصومالي رغم الاعتراضات الواسعة بحجة أن إقليم أرض الصومال منفصل.
وواصلت مقديشو السياسة الاستفزازية واحتجزت في 8 أبريل/نيسان في سلوك يدل على البلطجة طائرة الخطوط الإمارتية واستولت على 10 ملايين دولار كانت تحملها كرواتب خاصة بالجيش الصومالي.
ويقول المحلل السياسي الصومالي أحمد عبدي بكر إن مواقف حكومة فرماجو الانفرادية انعكست على الصومال.
وأضاف بكر أن قرارات فرماجو المنحازة إلى قطر تتعارض مع المصالح الاستراتيجية للصومال حكومة وشعبا، مشيرا إلى أن الرئيس الصومالي تعمد تجاهل رأي نواب الولايات ونواب البرلمان وسياسيين معارضين إرضاء للدوحة.
من جهته، يرى المحلل السوداني عبدالمنعم رحمة أن الصومال يعيش أسوء أوضاعه الدبلوماسية والسياسية خصوصا بعد الانجرار خلف محور قطر تركيا والذي تجلى في افتتاح أكبر قاعدة عسكرية تركية في أفريقيا التي تقع في مقديشو وتنفيذ سياسات قطر والعمل على قطع العلاقة مع الإمارات والسعودية.
وأضاف رحمة أن فرماجو لم يكن محايدا في أزمة مقاطعة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب للدوحة، نتيجة الاستسلام للتدخلات القطرية في الشأن الداخلي الصومالي وعملها على تنفيذ أجندتها في القرن الأفريقي التي سيتضرر منها الشعب الصومالي.
فشل الوحدة.. واشتعال التوترات
داخليا، أخفق فرماجو إخفاقا تاما في إدارة ملف العلاقة بين الولايات والحكومة الاتحادية في مقديشو، فقد زلزلت الخصومات السياسية أركان حكومته، كما دخل في أزمات مع البرلمان، ودفع بعض الوزراء باستقالاتهم، أبرزها استقالة وزير الدفاع وتبعه قائد الجيش، إلى جانب الوزراء في حقائب الأوقاف والإغاثة والشؤون الإنسانية.
ووفقا للكاتب والمحلل بأرض الصومال حمدي جمال عمدي فإن سياسات فارماجو التي تدعم أقاليم دون أخرى ستقود إلى شرذمة الصومال، مستشهدا بزيارة الرئيس الصومالي لإقليم بونت لاند، والتي قادت إلى إشعال الاشتباكات الدموية بين سكان بونت لاند وأرض الصومال، وراح ضحيتها المئات من المواطنين، فيما لم يقدم أي اعتذار حتى هذه اللحظة.
وقال عمدي إن فرماجو خدع كل دعاة الوحدة الذين قاموا بالتصويت لصالحه، مضيفا أن سياسته المتشددة قادت إلى حدوث مزيد من التوترات في الصومال.
واعتبر عمدي أن فترة حكم فرماجو تعتبر فترة فاشلة بامتياز، مشيرا إلى أنه لم ينجح في خلق أي شعور بالوحدة بين أبناء الشعب الصومالي، بل ظل يعمل لخدمة مصالح قطر وتركيا منذ انتخابه.