حزمة تحديات خلف الباب.. السنغال تدشن قيادتها للاتحاد الأفريقي
يتسلم الرئيس السنغالي ماكي سال، اليوم السبت، رئاسة دورة الاتحاد الأفريقي لعام 2022 عن دول غرب القارة، ليخلف الكونغو الديمقراطية.
وتتولى السنغال قيادة الاتحاد الأفريقي لعام 2022، وفق النظام الأساسي للمنظمة القارية التي دأبت على انتخاب رئيس للاتحاد الأفريقي سنويا من بين دول الأقاليم الأفريقية الخمسة على الترتيب.
وتنطلق اليوم السبت، فعاليات القمة الأفريقية الـ35 لرؤساء الدول والحكومات الأفريقية حضوريا بأديس أبابا، وسط تحديات كبرى تحملها أجندة القمة لهذا العام.
والرئيس السنغالي ماكي سال (61 عاما)، الذي سيقود الاتحاد الأفريقي، يدخل ساحة قيادة القارة السمراء وسط تحديات رئيسية أبرزها الانقلابات بمنطقة غرب القارة التي ينحدر منها سال نفسه، والنزاعات والجماعات الإرهابية كملفين حاضرين دائما وسد النهضة الإثيوبي.
والعام 2021 لم يكن سهلا على القارة الأفريقية، إذ استمرت الصراعات والنزاعات والإرهاب في حصد الأرواح، ولا سيما في الصومال وموزمبيق ونيجيريا وأوغندا ومنطقة الساحل، بجانب انقلابات عسكرية واستمرار جائحة كورونا.
ملامح من التحديات
ووفق ملامح أجندة القمة الأفريقية، فستكون أزمات السلام والأمن الأكثر إلحاحًا في القارة على رأس جدول أعمالها؛ حيث تبحث القمة التصدي للنزاعات والإرهاب وتزايد التغيرات غير الدستورية للحكومات التي تقضي على الجهود التنموية بالقارة الأفريقية.
كما تبحث القمة سبل الحفاظ على بقاء الانتقال بتشاد على المسار الصحيح، والمساعدة في استعادة المرحلة الانتقالية في السودان، وتأمين وقف إطلاق النار في إثيوبيا، ووضع استراتيجية لخروج المقاتلين الأجانب من ليبيا، ودعم الحوار في منطقة الساحل، وإصلاح بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، والأمن المناخي.
الانقلابات بالقارة السمراء
أصبحت الانقلابات سمة للقارة الأفريقية، ولم يعد خبر حدوث انقلاب مفاجئا في دول أفريقيا التي شهدت أكثر من 200 انقلابا نجح نصفها تقريبا منذ خمسينيات القرن الماضي.
وتتصدر القائمة مؤخرا دول غرب أفريقيا التي ينحدر منها رئيس الاتحاد الأفريقي الجديد، آخرها انقلاب بوركينا فاسو الذي لم تهدأ تبعاته بعد، ليدشن أول حالة انقلاب بالقارة للعام 2022.
وشهد غرب القارة السمراء في 8 أشهر فقط تغيّر الحكم بأربع دول؛ وهي مالي، وغينيا كوناكري، وبوركينا فاسو، وتشاد التي تعرض رئيسها للاغتيال، وتولى السلطة قادة عسكريون شباب من مواليد فترة الثمانينيات في ظاهرة جديدة بالقارة السمراء.
لذلك، ستكون قضية الانقلابات بالقارة أحد التحديات التي تنتظر الرئيس السنغالي في قيادته لاتحاد القارة التي تواجه معظم دولها مؤخرا اهتزازات أمنية وسياسية وتدخلات خارجية جراء صراع النفوذ.
النزاعات والإرهاب
ولم يكن موضوع الانقلابات التحدي الوحيد، فهناك الصراعات والنزاعات في منطقة شرق القارة والجماعات الإرهابية التي توغلت في منطقة بحيرات تشاد وتهدد الساحل الأفريقي بأكمله.
ويعد ملفا النزاعات والإرهاب من الملفات التي لا تغيب عن أجندات القادة الأفارقة في القمم السابقة، حتى أنشأ الاتحاد الأفريقي وحدة إسكات الأسلحة لوضع خطة عمل للتتبع السريع ونزع فتيل الصراعات.
ودفعت هذه الرؤية الاتحاد الأفريقي إلى تعزيز دور أجهزته المعنية بالسلم والأمن لتلبية متطلبات منع الصراعات وصنع السلام، مطلقا شعار "إسكات البنادق" لتحقيق أفريقيا خالية من الصراع، وجعل السلام حقيقة واقعة لجميع شعوب القارة وتخليصها من الحروب والصراعات الأهلية وانتهاكات حقوق الإنسان؛ وهو ما لم تفلح فيه المنظمة الأفريقية حتى الآن.
وتعاني معظم دول شرق أفريقيا من الصراعات الداخلية التي كان آخرها أزمة شمال إثيوبيا حيث تدور معارك بين الحكومة المركزية وقوات تحرير تجراي التي تعتبرها السلطات جماعة إرهابية؛ في دولة مقر الاتحاد الأفريقي، وهي أزمة ألقت بظلالها على دول الجوار، بالإضافة للوضع السياسي القاتم في السودان، والصومال الذي لا يزال يتعرض لتهديد حركة الشباب الإرهابية بجانب وضعه السياسي والتقاطعات الداخلية، والاضطرابات في جنوب السودان.
كما أن الجماعات الإرهابية زادت من وتيرة التوغل في منطقة بحيرة تشاد الممتدة من وسط القارة لغربها وتهدد الساحل الأفريقي بأكمله، ولم يعد وجود الإرهابيين مقصورا على منطقة حوض بحيرة تشاد (نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر)، وإنما وصل خطرها إلى دول أخرى بغرب وشمال القارة بعد أن كان مستوطنا في الوسط وأجزاء من الشرق.
سد النهضة
التحدي الثالث أمام سال هو ملف سد النهضة الإثيوبي الذي يشغل إثيوبيا ودولتي المصب السودان ومصر منذ العام 2011.
وخاضت الدول الثلاثة العديد من المفاوضات والجولات المكوكية بجهود محلية وأخرى برعاية قارية دون إحداث أي اختراق لرؤية توافقية بين أديس أبابا من جهة والقاهرة والخرطوم من جهة أخرى سوى اتفاق المبادئ في الخرطوم 2015.
ولأكثر من 10 سنوات، شكل ملف سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق ويثير مخاوف القاهرة والخرطوم معضلة رئيسية على الأقل لـ3 رؤساء سابقين للاتحاد الأفريقي، وإن كان الرئيس الجنوب أفريقي، سيرال راما فوزا، رئيس الاتحاد الأفريقي الأسبق نجح في عقد وإدارة عدة جولات تفاوضية، قبل أن يتحول الملف إلى خلفه رئيس الكونغو، فيليكس تشيسيكيدي، الذي شهد الملف في عهده جمودا ولم ينجز سوى جلسة تفاوضية واحدة.
وتأتي رئاسة سال للاتحاد الأفريقي وسط أمواج متلاطمة ما بين أزمات وصراعات داخلية، ومواجهة الجماعات الإرهابية من جهة، وتقاطعات دول النفود التي تجعل من القارة ساحة لصراعاتها، من جهة أخرى.
من رئيس الاتحاد الأفريقي الجديد؟
سال الذي تولى قيادة السنغال عبر مخاض انتخابي عسير ووسط تحديات داخلية، يتأهب لقيادة الاتحاد الأفريقي الذي يضم في عضويته 54 دولة.
وانطلقت تجربة سال في قيادة بلاده قبل 10 سنوات، بعد فوزه على الرئيس السابق عبد اللاي واد في انتخابات 2012، ليصبح الرئيس الرابع لدولة السنغال، فيما أعيد انتخابه لدورة ثانية عام 2019.
وماكي أمادو عبدول سال، سياسي سنغالي من مواليد 1961 بمدينة "فاتيك" وسط غرب السنغال، وأكمل جميع مراحله الدراسية داخل بلاده حتى الدراسات العليا.
وحصل سال على دبلوم في الفيزياء الجيولوجية عام 1988 من معهد علوم الأرض بالسنغال، وشهادة الدراسات العليا في تخصص الجيولوجيا من جامعة الشيخ أنتا ديوب بالسنغال عام 1990.
لكن الرجل الذي يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية إضافة إلى لغات وطنية، لم يركن للشهادات الوطنية وحدها، حتى نال شهادة عليا في البترول والمحركات من معهد البترول الفرنسي في باريس عام 1993.
وأضاف سال خبرات تراكمية في العمل السياسي؛ قادته إلى سدة الحكم قبل عشرة سنوات، بعد أن خدم كوزير ورئيس وزراء في الحكومات التي سبقت عهده.
ومنذ عام 2000، بدأ نجم سال السياسي يسطع، عندما استطاع "الحزب الديمقراطي السنغالي" الذي ينتمي إليه الإطاحة بالاشتراكيين والوصول إلى السلطة، ليتقلد عدد من الوظائف الحزبية؛ فكان نائبا للأمين العام للحزب، وأمينا وطنيا للمناجم والصناعة في الحزب، كما تولى مناصب حكومية منها وزير الداخلية ووزير المناجم، ثم رئيس وزراء لثلاث سنوات.
وبعد أن كان سال مديرا لحملة الرئيس السابق عبدالله واد الانتخابية في رئاسيات 2007، أصبح منافسا رئيسيا له على سدة الحكم، ثم خليفة له في الرئاسة عام 2012.
وعلى وقع خلافات مع واد، قرر سال تشكيل حزب خاص به أسماه "التحالف من أجل الجمهورية"، وتحت راية هذا الحزب خاض حملته الانتخابية في 2012.
وخلال رئاسته، خلق علاقات جيدة مع العديد من دول المنطقة وتصدر المشهد السياسي في القارة الأفريقية لعلاقاته بدول وازنة في محيط القارة السمراء، بينها الإمارات العربية المتحدة التي زارها 3 مرات، فضلا عن علاقاته مع تركيا وفرنسا ودول أخرى وهو ما سيدعم الرجل في قيادته للاتحاد الأفريقي وتمثيله في المحافل الدولية والإقليمية.
ويتوقع أيضا أن تكون علاقاته التي صنعها خلال فترة حكمه، خير معين في قيادة القارة السمراء والتصدي للتحديات الثلاث المتمثلة في النزاعات والإرهاب وسد النهضة الى جانب تحديات أخرى محلية وداخلية.
aXA6IDMuMjEuNDYuNjgg جزيرة ام اند امز