هل تنهي انتخابات الرئاسة الجدل في الشارع الجزائري؟
ارتبطت الانتخابات الرئاسية في الجزائر بالكثير من الجدل حول ضرورة انتخاب رئيس جديد للبلاد، فيما تتواصل الاحتجاجات الرافضة لهذا الرأي
يدلي أكثر من ٢٤ مليون ناخب بالجزائر، اليوم الخميس، بأصواتهم في أول انتخابات تشهدها البلاد منذ استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في ٢ أبريل عام ٢٠١٩ على خلفية الحراك الشعبي الذي اندلاع في ٢ فبراير/شباط من العام نفسه.
وترجع أهمية الاستحقاق الانتخابي السادس إلى كونه ارتبط بالكثير من الجدل حول ضرورة إجراء الانتخابات واختيار رئيس جديد للبلاد من عدمه، ومطالبة البعض بضرورة تأجيل الانتخابات، على اعتبار أنها لن تحقق ما يرجوه من دولة مدنية ديمقراطية جديدة دون فساد، ورغبته فى تغيير جذري واستحداث نظام جديد مختلف عن سابقه، ويزداد الرفض أكثر إثر عدم قبول المرشحين للرئاسة باعتبار أنهم جزء من النظام السابق في الجزائر.
الانتخابات بين القبول والرفض
بدا وجود أزمة سياسية في الجزائر منذ قرار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة المتعلق بالترشح لعهدة خامسة وحالة الفراغ في السلطة منذ مرض الرئيس بوتفليقة، إضافة إلى أزمة من ناحية صلاحيات النظام الحاكم، ورفض الشعب الجزائر لسياسة الأمر الواقع التي اعتادت السلطات في الجزائر فرضها، وعدم توافق حول إجراء الانتخابات من عدمه، فهناك حراك شعبي ورفض سياسي من قبل المجتمع المدني، فلم يشارك عدد من الأحزاب في الانتخابات.
وفى هذا رأيان تجاه الانتخابات؛ الأول يرغب في تهدئة الأوضاع في الشارع أولا ثم إجراء انتخابات ذات شفافية. والثاني يرفض الانتخابات؛ إذ خرج مئات آلاف من الجزائريين في مظاهرات رافضة لإجرائها في ظل بقاء رموز الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، رافعين شعارات مناوئة للسلطات الجزائرية ومنها: "لا انتخابات مع العصابات"، و"دولة مدنية وليست عسكرية".
وقد شاركتها شخصيات حزبية بينهم محسن بلعباس، رئيس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، وزبيدة عسول رئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي"، ولويزة إغيل أحريز المناضلة في الثورة التحريرية الجزائرية، ومولود حمروش رئيس الحكومة السابق.
ويقاطعها كل من حركة مجتمع السلم، وجبهة العدالة والتنمية، والحزب الديمقراطي الاجتماعي، جبهة القوى الاشتراكية، وحزب العمال وحزب طلائع الحريات، ولم تشارك جبهة التحرير الوطني بمرشحين عنها.
البيئة الانتخابية
استحدثت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ليناط بها الإشراف على العملية الانتخابية برئاسة محمد شرفي الوطني، وقد صادق البرلمان في منتصف سبتمبر الماضي على قانون إنشائها، وهي أول هيئة تختص بالإشراف على الانتخابات منذ إقرار التعددية السياسية بالجزائر في دستور1989، على أن تكون قراراتها إلزامية لكل المرشحين ومؤسسات الدولة، بدءًا من التسجيل في القوائم الانتخابية، ووصولًا للإعلان عن نتائجها، وبذلك لن تنظم الانتخابات لأول مرة من قبل وزارة الداخلية الجزائرية.
النظام الانتخابي
تجرى الانتخابات من خلال الاقتراع العام المباشر، بمشاركة من يحق له الانتخاب، وهم ما يقرب من 24 ملبون ناخب. حيث قامت الجالية الجزائرية في الخارج بالتصويت منذ 7 ديسمبر، لكن يلاحظ ضعف الإقبال من قبل الجزائريين في فرنسا والتي يوجد بها أكبر عدد من الناخبين نحو 760 ألف ناخب.
وفقا للقانون الانتخابي، إذا لم يحصل أحد المرشحين على أغلبية الأصوات، يذهب الناخبون مرة أخرى إلى الدور الثاني، وحسب القانون الجزائري يقوم القضاة بمراقبة قوائم الناخبين، هذا بالإضافة إلى دورهم في المصادقة على محاضر فرز الأصوات، والنتائج.
وتقدم 23 مرشحاً للمنافسة في الانتخابات الرئاسية، ولم يستوف الشروط إلا خمسة من المرشحين، وقد تقدم تسعة من المرشحين بطعون قانونية، إلا أن المجلس الدستوري رفض هذه الطعون، وصادق على القائمة النهائية، وتشمل كلا من عبدالمجيد تبون، وعبدالقادر بن قرينة، وعلي بن فليس، وعبدالعزيز بلعيد، وعزالدين ميهوبي.
وبدأت الحملة الانتخابية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 إلى أن وصلت حالة الصمت الانتخابي في 9 ديسمبر/كانون الأول 2019 وفقا لقانون الانتخابات الجزائري على أن "تكون الحملة الانتخابية مفتوحة قبل خمسة وعشرين يوما من يوم الاقتراع وتنتهي قبل ثلاثة أيام من تاريخ الاقتراع، وإذا أجرى دور ثانٍ للاقتراع فإن الحملة الانتخابية التي يقوم بها المرشحون للدور الثاني، تفتح قبل اثني عشر يوما من تاريخ الاقتراع، وتنتهي قبل يومين من تاريخ الاقتراع".
وللمرة الأولى في تاريخها، تم توقيع مرشحي انتخابات الرئاسة على "ميثاق أخلاقيات الحملة" بهدف ضمان حسن سير الحملات الدعائية، وللتعرف على هؤلاء المرشحين يتم ذكر الخلفية
ليتضح من خلال المناظرة التي أجريت بين المرشحين الخمسة، ووفقا لبرامجهم الانتخابية هناك، الكثير من الوعود والشعارات الانتخابية التي تجذب الناخبين، وهناك توافق بين المرشحين حول ضرورة إجراء تعديلات دستورية بما يلبى رغبات الشعب وليس النظام الحاكم.
وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي؛ فمنهم من ركز على قطاعات السياحة والزراعة والصناعة مثل علي بن فليس، ومنهم مَن ركَّز على الزراعة والسياحة مثل عبدالقادر بن قرينة، بينما اختلف ميهوبي في التركيز على مجال التكنولوجيا بما يلائم التطور والفكر الشبابي، لكن لم يوضح أي من المرشحين آليات النهوض بالقطاع الاقتصادي بما ينتشل الدولة من أزمتها.
وهناك توافق بينهم حول إعادة النظر في سياسة الدعم وضبطها، وفيما يتعلق بوضع الجالية الجزائرية في الخارج فقد تميز ميهوبي في التركيز على إنشاء مجلس وطني للجالية الجزائرية بالخارج، وإعادة النظر في شروط انتقال الجالية، وكذلك على إنشاء مجلس أعلى للشباب يختص بوضع سياسات في كافة المجالات.
لكن يبقى التعويل على وعي الجزائريين واتفاقهم على مرشح يحقق مطالبهم ويحظى برضاء الشعب الجزائري، وهو ما ستكشفه صناديق الاقتراع، لكن المنافسة قوية بين عبدالمجيد تبون لثقله السياسي وخبرته السياسية وبين عزالدين ميهوبي ذي الفكر الشبابي المعاصر، فرغم حصول عبدالمجيد تبون على أعلى عدد من التوقيعات من بين المرشحين والتعويل على فوزه باعتباره يحظى بدعم المؤسسة العسكرية فإن فرص فوز عزالدين ميهوبي متوقعة؛ نظرا لأن برنامجه يخاطب الحراك الشعبي وقريب من أفكار الشباب، بينما تعد فرصة فوز عبدالقادر بن قرينة ضعيفة؛ نظرا لأنه محسوب على التيارات الإسلامية، وقد ثبت فشل إدارة الجماعات التي تتخذ من الإسلام شعاراً في شؤون الحكم، في أكثر من دولة عربية كمصر وتونس، وستظل صناديق الاقتراع واستجابة الشعب للتصويت رهان فوز أحد المرشحين ونجاح إجراء الاستحقاق الانتخابي.
ملفات تنتظر الرئيس القادم
وفقاً لاستطلاع رأي للشعب الجزائري في 2019، هناك من رأى أن التحدي الأكبر الذي يواجه الجزائر هو التحدي الاقتصادي، وأيد ذلك نحو 41%، بينما رأى آخرون أن التحدي الأكبر هو الفساد ويمثلون 19%، ومن رأى أنها الخدمات العامة ويمثلون 19% من الشعب الجزائري، لكن ما هي طبيعة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تشهدها الدولة؟
** تحديات عدة على المستوى الاقتصادي؛ منها وجود أزمة مالية وغياب بدائل للتمويل فإما الاستدانة من الخارج أو التمويل غير التقليدي من خلال طبع النقود وتراجع أسعار المحروقات، وقد اتسم النمو في قطاع المحروقات بالركود، حيث تراجع النشاط الاقتصادي بمقدار 6.5% و7.7% في 2018 والربع الأول من 2019، وارتفعت نسبة البطالة 11.7% أكتوبر2018، بين صفوف الشباب (%29 في أبريل 2018)، والنساء (19.4%)، وخريجي الجامعات (18.5%)، نتيجة لعدم ملائمة المهارات لسوق العمل.
**تحديات أمنية على رأسها الإرهاب، حيث يولي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب أهمية خاصة للجزائر؛ نظرا لأنها كانت مسقط رأس للجماعة السلفية الجهادية التي نشأ عنها التنظيم، فرغم تمدد عمليات تنظيم القاعدة إلى ما وراء الجزائر في مالي والنيجر، إلا أن القيادة الأساسية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب موجودة في الجزائر "عبدالملك دروكدال" الملقب أبومصعب عبدالودود.
وتعد الجزائر منطقة نفوذ بالنسبة لتنظيم القاعدة، فهي دولة كبيرة المساحة، ومركز ثقل في منطقة شمال أفريقيا لاسيما في ضوء تنافسه مع تنظيم داعش الذي يرغب في التمدد نحوها.
ووفقا لتقييم مكتب الاستخبارات الوطنية بالولايات المتحدة حول التهديدات العالمية، والذي نشر في 29 يناير/كانون الثاني 2019 تعد الجزائر واحدة من الدول التي ينشط فيها تنظيما القاعدة وداعش، ولعل ما يدلل على استمرارية القاعدة في الجزائر هو التسجيل الصوتي الذي بثه أبوعبيدة يوسف العنابي أحد عناصر التنظيم في 10 مارس/آذار 2019 والذي أكد فيه حضور التنظيم في الاحتجاجات الحالية في الجزائر.
كما دعا إلى إسقاط النظام بأكمله، قائلاً: "إن معركتكم التي تخوضونها الآن من أجل إسقاط النظام هي نفسها معركة إخوانكم وأبنائكم المجاهدين المرابطين في الجبال المجاورة لكم قرابة ربع قرن، فلنواصل معا الجهاد والنضال والمقاومة".
وينشط تنظيم القاعدة في الجزائر في مناطق جنوب تيزى وزو في منطقة القبائل، وربما جبال أوريس في شرق البلاد. وتعد جغرافيا هذه المناطق تحديا ليس بهين أمام جهود مكافحة الإرهاب؛ نظراً لوعرة التضاريس هناك.
ختاماً، يبقى مستقبل الجزائر مرهونا بإتمام عملية الاقتراع وفوز أحد المرشحين وكسب ثقته للشعب الجزائري من خلال تلبية مطالب الحراك وإجراء حوار شامل بين كافة الفئات في المجتمع، إضافة إلى تحقيق تكافؤ الفرص من خلال ممارسة مؤسسات الدولة لصلاحياتها دون ضغوط، لكن يبقى التعويل على فوز مرشح ما، رهن ما تنتجه صناديق الاقتراع وذهاب المواطنين للتصويت.
إضافة إلى تجاوز تحديات المعارضة السياسية والعزوف الانتخابي وعدم إقبال أعداد كبيرة من الناخبين على المشاركة في الانتخابات، خاصة في ظل استمرار حالة عدم الثقة، والتشكيك في نوايا مؤسسات الدولة، الأمر الذي قد يسفر عن وصول رئيس جديد لا يتمتع بقدر كبير من القبول لدى الشعب الجزائري، ومن ثم استمرار الأزمة وحالة عدم الثقة بين الدولة والمواطن.
aXA6IDE4LjExOS4xNjIuMjI2IA==
جزيرة ام اند امز