مع بداية كل عام تتجدد الآمال والتوقعات بأن يكون العام الجديد أفضل من سابقه.
وأن يشهد مزيداً من الإنجازات سواء على المستوى الشخصي للأفراد أو على مستوى الدول والحكومات، ويكاد الأمل في 2021 يكون أكثر استماتة نظرا لما عانته البشرية في عام 2020، الذي تسببت فيه جائحة كوفيد-19 بأكبر كارثة عالمية في القرن الحادي والعشرين وما أحدثته من تحولات جوهرية في المجالات كافة.
ففي مثل هذه الأيام من عام 2020 وبينما كان العالم يحتفل ببداية عقد جديد من تاريخه، كان فيروس كورونا المستجد ينتقل بسرعة بين المدن والبلدات الصينية ليتسلل منها عبر الحدود إلى قارات العالم ودوله كافة، متحولاً إلى وباء خطير وغير مسبوق أودى بحياة أكثر من مليون وثمانمائة ألف شخص حول العالم، وأصاب بعدواه ما يزيد على 80 مليون شخص آخرين، وأوقف عجلة الاقتصاد العالمي مسبباً أكبر ركود في تاريخ البشرية، ودفع معظم دول العالم إلى إغلاق حدودها ومجالها الجوي وفرض إجراءات استثنائية غير مسبوقة لفرض التباعد الاجتماعي والحجر الصحي، ليرسم ملامح مشهد عالمي مغاير تماماً لما كان قائماً أو متوقعاً، يسوده التشاؤم وتغلب عليه التوقعات السلبية.
وقد أظهرت هذه الأزمة وما أحدثته من تحولات وتحديات، الصعوبات التي تكتنف عملية استشراف المستقبل ورسم السيناريوهات في حقل العلوم الاجتماعية بشكل عام والعلوم السياسية بشكل خاص، والتي قد تشهد تغيرات عديدة نتيجة أحداث أو تطورات غير متوقعة وغير مرئية، ضمن ما بات يعرف بـ"نظرية البجعة السوداء"، ومع ذلك تظل عملية استشراف المستقبل وتوقع مسارات تحوله أمراً في غاية الأهمية لبناء الاستراتيجيات المناسبة للتعامل مع هذه السيناريوهات وتحقيق الأهداف الوطنية للدول والحكومات، لا سيما تلك الساعية لتحقيق التقدم والريادة.
وفي هذا السياق، تشير تقديرات وتوقعات العديد من الخبراء والباحثين والمختصين إلى أن العام الجديد 2021 سيظل يواجه العديد من التحديات الصعبة، ومن أهمها: استمرار المخاطر التي تفرضها جائحة "كوفيد-19"، ولا سيما مع ظهور سلالات جديدة من فيروس كورونا أكثر عدوى وانتشاراً دفعت كثيرا من دول العالم إلى العودة من جديد إلى سياسات الإغلاق الكامل والجزئي لمواجهة هذه الموجة الجديدة من الفيروس، وما ستؤدي إليه من تفاقم خطورة الأزمات الاقتصادية التي واجهها العالم بسبب سياسات الإغلاق.
ورغم الأمل في التوصل لنهاية للأزمة بعد إقرار عدد من اللقاحات الفعالة، فإنه وفي ظل التقديرات التي تشير إلى أن عمليات التطعيم ضد الوباء قد تستمر طيلة العام الحالي كله، فإن ذلك سيعني أن الأزمة الاقتصادية قد يطول أمدها، وأن عمليات التعافي الاقتصادي ستأخذ وقتاً أطول من المتوقع.
ومن ناحية أخرى، فإن تزايد خطورة التحديات التي تفرضها التطورات التكنولوجية مثل الهجمات السيبرانية والجرائم الإلكترونية سيصبح أكثر خطورة وتأثيرا مع تزايد لجوء الناس إلى الوسائل التقنية في تدبير أمورهم الحياتية. إن النزعات الوطنية التي غذّاها الخوف من الجائحة والتشكك في سلاسل الإمداد سيكونان لهما تأثير على استمرار حالة الصراعات وعدم التعاون بين القوى الدولية الكبرى، ما قد يسهم في تعقيد العديد من الأزمات الدولية.
ولكن في الوقت الذي ينظر فيه العالم بترقب أو توجس لعام 2021، فإن الإمارات تنظر أبعد من ذلك بكثير، حيث إن هذا العام هو عام الاستعداد للخمسين، وهو العام الذي ستحتفل فيه دولة الإمارات بمرور خمسين عاماً على تأسيس اتحادها المبارك، لتبدأ مسيرة الخمسين عاماً الجديدة التي تسعى خلالها قيادتنا الرشيدة، حفظها الله، إلى جعل الإمارات "الرقم واحد" عالمياً في كل مؤشرات التنمية والتقدم الإنساني والحضاري.
إن العالم يتغير من عام لعام، ونظرة الإمارات لخمسين عاما كاملة هي طريقتنا في أن نخرج في تفكيرنا الاستراتيجي عن النظرة الضيقة للمتغيرات والتركيز على القيم الأساسية التي تمثل مرساتنا في ظل توجهات التغيرات الكبرى. إن قدرتنا على بناء الصورة الأكبر والمحافظة عليها كبوصلة لنا مع التغيرات المتلاحقة هي الدرس الذي تعلمته الإمارات وتعلمه للعالم.
إن عام 2021 ليس مجرد العام الذي يلي الجائحة، بل هو العام الذي تنقل فيه الإمارات التخطيط الاستراتيجي من حلقة الخمس سنوات إلى الخمسين عاما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة