هوس الشراء.. إدمان يحتاج لعلاج نفسي
"هوس الشراء" هو نوع من الإدمان يعاني أصحابه من الحاجة المستمرة للإنفاق حتى لو افتقروا للمال وأي شخص قد يعاني من عوارضه.
الهروب من الحزن أو الملل بالذهاب للتسوق حيلة يلجأ لها كثيرون؛ كون ذلك يمنحهم دفعة شعورية طيبة ومتعة قصيرة الأجل تسمح بتحسين الحالة المزاجية.
لكن في المقابل، يمثل "التسوق" مشكلة حين يصبح عادة متكررة وطريقة وحيدة للتخفيف عن الشعور بالضيق فيما يعرف بـ"أونيومانيا"، ويحتاج في هذه الحالة لعلاج نفسي، وفقا لخبيرة طب نفسي إسبانية.
"أونيومانيا" أو "هوس الشراء" هو نوع من الإدمان، ويطلق عليه أيضا "التسوق القهري" إذ يعاني أصحابه من الحاجة المستمرة للإنفاق حتى لو افتقروا للمال.
وأي شخص قد يعاني من عوارض تسوق قهري لكن الاختلاف يكمن في معرفة كيفية ضبط النفس.
تقول الأخصائية النفسية كانديلا مولينا جوتيريز، منسقة مركز "سيبسيم" النفسي في مدريد: "ذهاب المرء للتسوق كي يشعر أنه على ما يرام يمنح شعوراً طيباً فورياً وقصيراً، لأن الشعور بالسوء الذي نحاول التستر عليه يعود بعدها بوقت قصير. ما يعني أن ذلك لا يحل المشكلة، لأنه لا يزيد تقدير الذات".
كانت أمايا، وهو اسم مستعار، تعاني من هوس الشراء على مدار أعوام عديدة. إذا لم تشترِ شيئاً، كانت تعود في اليوم التالي إلى نفس المتجر، وكلما زاد دخلها زاد إنفاقها، وكانت تدفع دائماً ببطاقة الائتمان.
كانت تشتري لتهدئة الأوجاع، بسبب الملل والإدمان، ووصل الأمر بها إلى طلب قروض لتتمكن من الحفاظ على وتيرتها الاستهلاكية، ثم بدأت تداهمها نوبات القلق. بالنسبة لأمايا كانت هذا الاضطراب هو طريقتها في الهروب من المشكلات والروتين.
الآن تعافت أمايا (35 عاماً) من هذا الخلل المصنف ضمن الاضطرابات الاكتئابية، لكنها احتاجت إلى مساعدة متخصص.
وتروي: "كنت أشتري كي أشعر بأني على ما يرام، لكن هذا الشعور كان يدوم لحظات، وسرعان ما كنت أحتاح للشراء من جديد. الحل كان في التعلم كيف أشعر أنني بخير بذاتي وألا أنفق دون حاجة لذلك".
الشابة استوعبت مشكلتها وقررت التوجه إلى متخصصين لحلها، وبالفعل الدعم النفسي ساعدها في أن تشعر بأنها بخير بنفسها دون أن تهدر مالها أو تكذب على الآخرين.
وتقول مولينا جوتيريز إن "العلاح النفسي ينطلق من تقدير أولي يتيح تحديد البداية والتخلص من الإدمان. من المهم الحصول على معلومات حول الشخص وأسرته، وتحفيز المريض على التغيير وتعليمه استراتيجيات للتحكم في سلوكه بأسرع ما يمكن".
نماذج العلاج
وتوضح الخبيرة أن أحد نماذج العلاج هو العلاج المعرفي السلوكي، الذي يقوم على التحكم في المحفزات المرتبطة بالاستهلاك وتعديل التوقعات المرتبطة بالشراء. كما أن تقنيات الاسترخاء فعالة، حتى التنويم المغناطيسي لتخفيف الشعور بالضيق.
وتتابع: "العلاج العميق ينبغي أن يتضمن أيضاً الآليات الداخلية والانفعالات التي تحفز الرغبة، لأننا إذا عملنا على مستوى سلوكي فقط، سيكف الشخص عن الشراء ولكن لا تقل رغبته في التسوق وقد تحدث انتكاسات أو يستبدل إدماناً بآخر".
والشراء يصبح قهرياً حين يقتني المرء سلعاً بشكل مستمر، مخصصاً قدراً كبيراً من المال من شأنه أن يسبب ضرراً للميزانية الشخصية أو الأسرية.
عقب هذه المتعة الفورية يظهر عادة شعور بالذنب يدفع للشراء من جديد للتخفيف عن حدة هذا الإحساس بالسوء، وأي سلوك طبيعي يبدو ممتعاً، يكون عرضة للتحول لسلوك إدماني عندما يتم بشكل غير طبيعي أو بإفراط.
ووفقاً لمولينا، بعض الباحثين يشيرون إلى أن 25% من الأشخاص المصابون بهذه المشكلة عادة ما يعانون من إدمان اللعب أو الجنس أو الكحوليات.
وتؤكد المتخصصة أن تشخيص هوس الشراء يتطلب الرد على مجموعة من الأسئلة مثل: "هل تشتري حين تشعر بالحزن أو السأم؟" "هل تشتري ببطاقة الائتمان لأن مالك قد نفد وليس بوسعك التوقف عن الشراء؟" "هل لديك عدة بطاقات ائتمان ومن الصعب عليك وضع خطط لا تتضمن الذهاب للتسوق؟".
وتضيف أنه يتضمن: "هل تشعر أنك على ما يرام لحظة اقتناء أي منتج وبالسوء لاحقاً؟" "هل تكذب على أسرتك أو هل تؤدي هذه المشتريات إلى مشادات ومشكلات؟" "هل تترك مهام أخرى للذهاب للتسوق؟".
كانت هذه النقاط كافة تنطبق على أمايا، وتقول: "كنت أشتري أشياء لم أكن في حاجة إليها، أو كان لدي ما يشبهها أو ثيابا لم أرتديها على الإطلاق. إنه هوس من الصعب للغاية السيطرة عليه، وحين لم أكن أشتري، كنت أفكر دوماً في الشراء. لم يكن بوسعي الذهاب للمشاهدة فقط".
والمصابون بهذه المشكلة مثلها يعانون من القلق وانخفاض تقدير الذات كما أنهم كماليون.
الفيلسوف الفرنسي سيرج لاتوش (مواليد 1940) ينتقد الميل للاستهلاكية، ويقول: "الرغبة فيما ليس لدينا ولا نحتاج إليه، وعدم بلوغه يتسبب في خيبة أمل".
وتقر أمايا بأنه "في بداية العلاج كنت أخشى المرور أمام واجهات المتاجر، وتدريجياً تجاوزت هذا الخوف. الآن بوسعي التخطيط، وحتى الادخار، لم أعد مضطرة للإنفاق من أجل التسلية".
وتضيف: "الأمر أشبه بمن في المنزل لا يعرف إلا مشاهدة التلفاز، بينما بمقدوره القيام بألف شيء آخر، إن أراد بوسعه الكتابة أو الرسم أو الرقص أو العزف على آلة موسيقية، على سبيل المثال".
على النقيض من ماضيه المتقشف، يستمتع المجتمع بمنافسة تقوم على ما هو مادي، في مواجهة مقولة شهيرة مفادها بأن الأغنى ليس من يملك أكثر بل من يحتاج أقل.
إعلانات وإنترنت
الإعلانات التطفلية على نطاق واسع، وحملات الدعاية والتسويق، والاحتفلات مثل "الجمعة السوداء"، وخصومات الشتاء والخريف والربيع، والإعلانات الكثيفة في التلفاز والإذاعة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي لا تؤدي إلا لخلق احتياج زائف لعادة الاستهلاك.
لكن إذا كان هناك عنصر جديد يضاف منذ أعوام لتزايد هذا السلوك القهري في بعض الأشخاص، فإنه يتمثل في "اليوتيوبرز" أو شخصيات وصانعي محتوى موقع "يوتيوب" و "الإنفلونسرز" أو المؤثرين" على شبكات التواصل الاجتماعي، وهم من يصنعون فيديوهات لترشيح منتجات بعينها بغرض تسويقها.
كما يدخل في هذا الإطار البيع عبر الإنترنت، الذي لا يغلق في أي وقت ويمكن القيام به من المنزل. لم يعد ضروياً التحرك من كرسي الجلوس لإنفاق المال. أي مستهلك أصبح مستعداً للشراء في أي وقت ومن أي مكان.
ورغم أن التسوق في الواقع لا يعرف الأعمار، فإن الشباب في المناطق الحضرية أكثر عرضة للخضوع لمزيد من التلاعب عبر الوصول إلى الإنترنت.
وتعلمت أمايا ألا يؤثر عليها ذلك والآن تتحكم جيداً في الكمالية والآليات التي تجنب ذلك.
وتضيف: "أترك بطاقة الائتمان في المنزل وأخرج ومعي المال نقداً فقط. حين أذهب للتسوق عادة أكون وسط رفقة وأتجنب مشاهدة فيديوهات اليوتيوب من هذا النوع".
وتابعت: "تعلمت أن أحصل على مزيد من الترفيه مقارنة بالاستهلاكيين، كالخروج لالتقاط صور، أو التزحلق، أو السفر مع حيواناتي، أو الذهاب إلى المتاحف والمعارض المجانية أو ممارسة المشي في مجموعة".
وتختتم: "لكنني أيضاً قد أخرج لاحتساء القهوة، والطبيعة هي الأفضل بالنسبة لي. إنها تمنحني الكثير من السلام والتسلية أيضاً".