الحياة المهنية لعزمي بشارة اتسمت بمحطات غامضة عديدة، أخذته في طريق متعرج مملوء بالتناقضات والمواقف المريبة والتنازلات الضرورية
أولاً، وإزالة لأي التباس قد يحصل للوهلة الأولى، فإن في العنوان مجازاً تُقربه من الحقيقة وقائع ومشاهدات. عزمي بشارة ليس «إسرائيلياً» بالجنس أو القومية أو الدين، والوصف لا يمتد بطبيعة الحال إلى الفلسطينيين الذين بقوا في الداخل الفلسطيني وسُمّوا عرب 48، ففيهم القابض على جمرة قضيته التي هي قضية العرب المركزية الأولى، أو هكذا يفترض، وفيهم المشتغل بحريته وحرية شعبه، وفيهم العامل المثابر والأم الصابرة، وفيهم من قدم روحه فداء للوطن والأمة والمقدسات.
عزمي بشارة شخصية انتهازية بامتياز، وما وصفه لنفسه بـ«المفكر العربي» إلا الدليل الدامغ على ذلك، كما أن صور ومشاهد محاضراته ومقابلاته، تدل على تقمصه منظر الأستاذية، خصوصاً وهو يصدر الأحكام والأفكار القطعية المطلقة، غير القابلة للنقاش بعده، ليبدو أمام المواطنين القطريين وكأنهم طلاب مدارس أمام «مفكر»
عزمي بشارة «إسرائيلي» بالنهج والممارسة، وكونه يحمل الجنسية «الإسرائيلية» في يوم من الأيام، ليس إلا نتيجة واقع فُرض على أهلنا الفلسطينيين هناك، وهم فلسطينيون عرب أقحاح. هذا مبدأ أول تستدعيه الموضوعية، وكان أجدر بالإثبات أولاً.
الحياة المهنية لعزمي بشارة اتسمت بمحطات غامضة عديدة، أخذته في طريق متعرج مملوء بالتناقضات والمواقف المريبة والتنازلات الضرورية، فلعب دوراً في «شرعنة» الوجود العربي في الكنيست «الإسرائيلي»، من خلال الإيحاء بوجود تمثيل عربي حقيقي في الدولة الصهيونية، وامتدت خدمته في الكنيست ليكون أحد السياسيين «الإسرائيليين» المعروفين، وجاءت مغادرته «إسرائيل» في ظروف غامضة مرتبطة بتعامله مع ما يُسمى «حزب الله»، ساعياً من خلال ذلك إلى استبدال المرحلة «الإسرائيلية» بمرحلة التعامل مع «حزب الله» وحكومة الرئيس بشار الأسد، وكان ذلك دوره حتى بدايات ما يُعرف زوراً بـ«الربيع العربي». الملاحظ في هذه الفترة، أن عزمي بشارة كان وبقي مرفوضاً ضمن الإطار الوطني الفلسطيني، فلم يكن له دور يذكر في النضال السياسي للشعب الفلسطيني، يؤخذ برأيه في المحطات الأكثر أو الأقل أهمية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولا يوجد شك في أن هذا الحذر تجاهه وليد تربيته في المؤسسة «الإسرائيلية»، وتعاونه ضمن إطار الكنيست مع الأجهزة «الإسرائيلية»، إضافة إلى الطبيعة الانتهازية لشخصية عزمي بشارة، التي لم تبعث على الاطمئنان والأمان في التعاون معه، ومع بدايات ما سُمي «الربيع العربي»، بدأ عزمي بشارة يسوق لخدماته، حيث تواصل مع مجموعة من دول الخليج، ومن بينها دولة الإمارات، لكن الارتباط «الإسرائيلي»، إضافة إلى ارتباطه اللاحق مع «حزب الله»، كانا عاملين قوّضا هذه الفرص.
كان من الطبيعي أن تلتقطه قطر في تلك الفترة، فهي أيضاً عرفت بارتباطاتها «الإسرائيلية»، إلى جانب احتضانها التناقضات، وقام حمد بن خليفة باستقطاب ودعم عزمي بشارة، وأصبح المستشار الأقرب لتميم بن حمد، الذي أصبح يراه مرات عدة أسبوعياً، وذلك في تهميش واضح للعديد من المستشارين القطريين.
تبيّنت منذ البداية أمور عدة؛ أولها أن عزمي بشارة شخصية انتهازية بامتياز، وما وصفه لنفسه بـ«المفكر العربي» إلا الدليل الدامغ على ذلك، كما أن صور ومشاهد محاضراته ومقابلاته، تدل على تقمصه منظر الأستاذية، خصوصاً وهو يصدر الأحكام والأفكار القطعية المطلقة، غير القابلة للنقاش بعده، ليبدو أمام المواطنين القطريين وكأنهم طلاب مدارس أمام «مفكر» أسطوري.
من جهة ثانية متصلة، كان من الواضح أن عزمي بشارة الدارس في موسكو و«إسرائيل»، لم يكن ذا اطلاع على العالم الغربي وآلياته السياسية، وبالتالي أبعد في الدوحة عن الدور الاستشاري لقطر فيما يتصل بعلاقاتها الأوروبية والأمريكية، لقلة اطلاعه على هذه الشؤون، وعوضاً عن ذلك، تم الاعتماد عليه في ملف علاقات قطر مع «إسرائيل»، وجوانب التحريض في مسائل «الربيع العربي».
الأمر الآخر كان رغبة عزمي بشارة في بناء إمبراطورية إعلامية تضيف إلى نرجسيته، وتكون موازية للسيطرة «الإخوانية» على قناة «الجزيرة»، ومن خلال هذا التوجه تم الاستثمار في نرجسية عزمي بشارة المتضخمة عبر إطلاق منصة «العربي الجديد»، وهي التي فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق موقع كمنصة قومية ذات صدقية، بسبب ارتباطات بشارة «الإسرائيلية»، ولأن الفكرة في الأساس، نظرية «إسرائيلية» تقول بضرورة خلق مواطن «عربي جديد»، يلائم فكرة «إسرائيل» ويتلاءم مع مشروعها.
اليوم، في تعرض عزمي بشارة البائس لدولة الإمارات يبدو بوقاً إعلامياً فارغاً، متحيزاً بشكل صارخ وبعيد من الموضوعية؛ بوقاً ما يزال يعاني انتهازيته «الإسرائيلية». وإذا كان ركز في حواره المشؤوم كوجهه، على ما سماه «طموحات الإمارات الإقليمية»، واصفاً الدور الإيجابي الذي يقوم به وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، ضمن سياسة الإمارات المتوازنة المعروفة والمعلنة، فقد كان أجدر به أن يتناول أحلام العظمة لحمد بن خليفة، التي دفع ثمنها الشعب القطري الشقيق، باهظاً.
ومن يلاحظ لغة الحوار، يجد تلك اللغة المتسرعة التي يحاول صاحبها بث بعض الروح فيها فلا يستطيع، والتي جعلت وسائل التواصل الاجتماعي تصنّفه في مستوى أقزام قناة الجزيرة «الإخوانية» الإرهابية، من أمثال جمال ريان، وتوكل كرمان، ويا لسوء المصير.
الدور الذي لعبه ويلعبه عزمي بشارة في قطر، وبالتالي، المنطقة، دور ممنهج لكنه مكشوف، فإمكانات «المفكر العربي الأسطوري محدودة جداً»، وتبين مع الأيام والسنوات أنه يردد كليشيهات وأسطوانات مشروخة، وأقوالاً نمطية جاهزة، تعبّر عن هشاشة الموقف القطري، واختباء قطر وراء نفسها وهي تأكل نفسها بنفسها. فمثلاً وهذا شاهد قريب من الحوار ذاته كيف يتكلم عزمي بشارة عن «لوبي إماراتي إسرائيلي» وهو في قطر المتعاونة؛ بل المتضامنة مع «إسرائيل» منذ فجر حكم حمد بن خليفة؛ ذلك الفجر المعتم الذي آوى واحتضن تيارات التكفير وخفافيش الظلام من الوطن العربي، ومن أربع جهات الأرض؟
النصيحة أن «الإسرائيلي» عزمي بشارة، ومن شاكله، مجموعة مرتزقة يأتون ويذهبون، لكن الضرر الذي يُسبّبه هؤلاء سيبقى مع قطر لعقود مقبلة.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة