ارتباك القيادة القطرية ظهر أيضاً في محاولة استعاضتها عن أوهامٍ موؤودةٍ بأوهامٍ تناقضها
في قطر، تمخّض المجد فولد خيانةً، ولعلّ إحدى أهم إيجابيات مقاطعة الدول الأربع السعودية والإمارات ومصر والبحرين لقطر أنها دفعتها باتجاه اتخاذ مواقف صريحةٍ لسياساتها التي كانت تعمل بها في الخفاء لأكثر من عقدين، فلم تكتمل ثلاثة أشهرٍ إلا والدوحة تعلن وصول سفيرها إلى طهران.
طهران الطائفية والإرهاب واستقرار الفوضى صارت محج الدبلوماسية القطرية حين رفض قادتها السماح للطائرات السعودية بإقلال الحجاج القطريين على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان.
استبدلت الدوحة الذي هو أدنى بالذي هو خير، فذهبت لطهران وتركت الرياض، وصار للفضيحة وجهان: افتضاح التحالف الإيراني-القطري في دعم الإرهاب وبث خلايا الخيانة والتجسس ودعم كل قاتلٍ مجرمٍ إرهابيٍّ سواء كان سنياً أم شيعياً، وكذلك ارتباك القيادات القطرية، فصاروا يخربون بيوتهم بأيديهم، واختيار حمد بن خليفة أن يكون هو بنفسه مدمّر أوهامه التي صدقها بنفسه وروجها لغيره.
كان أحد أوهام «الحمدين» أن ينتزعوا قيادة السُّنة من السعودية بأي شكلٍ، ففكروا في منحها لـ«الإخوان»، أو لسلطان تركيا فلم يجنوا من سعيهم إلا الخسار، وتوهموا أن يرثوا الوهابية ثم كان محجهم لملالي طهران المسيسين وعمائم الولي الفقيه وقادة الخمينية المتوحشة.
بعد أن كان «حمد» يقدّم نفسه وتقدّمه كل دعاياته وإعلامه وجماعاته وتياراته بأنه صانع «الربيع العربي»، ومنقذ العرب رجع مع أول هزةٍ ليقدّم نفسه خادماً وشريكاً في المشروع الفارسي والمشروع الأصولي وهما مشروعان معاديان للعرب
وهم آخر لـ«حمد» في مشروعه العجيب للسطو على المشروعية السياسية للدولة السعودية، وهو أنه ينتسب لقبيلة نجدية هي قبيلة بني تميم العربية الأصيلة، فلم يكفه ذلك، فادعى نسباً للشيخ محمد بن عبد الوهاب نفته أسرة الشيخ بشكل واضحٍ وصريحٍ في بيانها، وقد أنتجت قطر تحت قيادته مسلسلاً عن القعقاع بن عمرو وسمّى حمد بن خليفة أحد أبنائه بذلك الاسم افتخاراً بدور بني تميم التاريخي في معركة القادسية ضد الفرس، وقد نقل المؤرخون عن عاصم بن عمرو التميمي -أخو القعقاع بن عمرو-وأحد قادة القادسية قوله ذلك اليوم: «يا معاشر العرب، إنكم أعيان العرب، وقد صددتم الأعيان من العجم. لا تحدثوا اليوم أمراً تكونون به شيناً على العرب غداً»، وعندما ابتدأت الأزمة القطرية -ولم تشتد بعد- نكث حمد غزله أنكاثاً، وأحدث خيانة للعرب واختار أن يكون عميلاً رخيصاً لأعاجم الفرس ضد العرب.
ارتباك القيادة القطرية ظهر أيضاً في محاولة استعاضتها عن أوهامٍ موؤودةٍ بأوهامٍ تناقضها، فبعد أن كان «حمد» يقدّم نفسه وتقدّمه كل دعاياته وإعلامه وجماعاته وتياراته بأنه صانع «الربيع العربي»، ومنقذ العرب رجع مع أول هزةٍ ليقدّم نفسه خادماً وشريكاً في المشروع الفارسي والمشروع الأصولي وهما مشروعان معاديان للعرب، بزعم أنه قادر على الخلاص من اشتداد المقاطعة عليه بأكثر الطرق مناقضةً للذكاء وهي الهروب إلى الأمام.
ومما أبرزته الأزمة القطرية بوضوح هو أن القيادة القطرية لا تقيم وزناً ولا اعتباراً لا للأسرة الحاكمة الكريمة في قطر ولا للشعب القطري، فمع أن حمد وصل للحكم بانقلابٍ على أبيه، وأنه طلب والده بالشرطة الدولية «الإنتربول» وهو يعتقل أفراداً من الأسرة هناك، ومع أنه كان قد طرد آلافاً من كرام القبائل القطرية العريقة من قبل، فإنه بعد الأزمة قام بأمرين في نفس الاتجاه: رفضه لوساطة الشيخ عبدالله آل ثاني وإظهار عدم اكتراثه بعبادة الشعب القطري في أداء أحد أركان الإسلام، مع عدم اكتراثه بمصالح شعبه في السعودية، وكذلك اتجاهه لإيران ضداً لثقافة شعبه ومذهبهم الديني وامتدادهم القبلي وعمقهم الاستراتيجي، ولا أدل على هذا من اتجاهه المفضوح لإيران، واستمراره في دعم ثلةٍ من المرتزقة شذّاذ الآفاق الذي جمّعهم على مدى سنواتٍ طوالٍ.
أخيراً، ستبقى قطر لشعبها الكريم ولأسرتها الحاكمة ولعمقها العربي بعيداً عن مغامراتٍ غير محسوبةٍ لواهمين كبار يرفضون المراجعة ويأبون عن التراجع.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة