ما نعايشه الآن من ارتفاع وتيرة التصعيد القطري-التركي-الإيراني ضد السعودية ومصر والإمارات والبحرين تستخدم فيه كل وسائل الدعاية السوداء.
هل الإمارات في حاجة إلى التجسس على الحلفاء والأعداء؟
وإذا كانت في حاجة.. فهل تذهب وتستعين بتكنولوجيا شركة إسرائيلية؟
وإذا فعلت هذا الادعاء.. فهل تذهب مباشرة ورسمياً؟
وإذا ذهبت رسمياً.. فهل تتصل بالشركة عبر رسائل نصية؟
وإذا فعلت كل ما سبق وقامت بشراء التكنولوجيا.. فهل تقوم بالتحويل المالي مباشرة من حساب رسمي إماراتي إلى حساب الشركة الإسرائيلية؟
أسئلة لم أخترعها، لكنها أسئلة منطقية ومشروعة في هذا الزمن الذي تتم فيه صناعة الأكاذيب كجزء من الجيل الخامس للحروب، الذي يعتمد في ركن أساسي منه على «تشويه السمعة والاغتيال المعنوي بهدف تأليب الشعوب، وخسارة الأصدقاء، وشق التحالفات، وإسقاط الأنظمة، والإضرار بالشخصيات العامة».
فجأة تتلقى المحاكم في قبرص قضايا مرفوعة من جهات ومصادر تابعة لدولة قطر ضد الشركة الإسرائيلية، وفجأة يصدر بيان من وزارة الخارجية القطرية عن واقعة التجسس المزعومة، بعدما نشرت النيويورك تايمز القصة دون وجود أي مصدر إماراتي أو مصدر محايد بها
وهذا ما نعايشه الآن، ارتفاع وتيرة التصعيد القطري-التركي-الإيراني ضد معسكر "السعودية، مصر، الإمارات، البحرين"، وهو هدف تستخدم فيه الآن كل وسائل الدعاية السوداء والأخبار المدسوسة، والحملات المفبركة، وشركات العلاقات العامة والتسويق وممثلي اللوبيات في أوروبا وأمريكا.
وفي هذا المجال، تتحدث تقارير موثوقة عن قيام الدوحة في أوائل 2017 بالتعاقد مع شركة «أفينو ستراتيجز»، وهي شركة تمثيل «لوبيات» لشركات ودول أجنبية يديرها «توني بينيت»، الذي كان مستشاراً لحملة ترامب الرئاسية، وتقاضى «بينيت» عن ذلك 6 ملايين دولار سنوياً.
وتردد عن حجم ما أنفقته قطر في «لوبيات» أوروبا وأمريكا خلال 20 شهراً أنه تجاوز الـ400 مليون دولار.
نأتي إلى الشق الثاني في هذه المسألة، وهو الشق الخاص بالقدرة على الحصول على المعلومات من مصادر أخرى بدلاً من اللجوء لإسرائيل، مثل محطة الاستماع والتجسس البريطانية في قبرص، التي تلاحق كل اتصال سلكي أو لاسلكي فوق المنطقة من شرق البحر الأبيض إلى أبعد نقطة في الخليج العربي.
لاحظ أن هذه المحطة كانت مصدراً رئيسياً لتزويد المحكمة الجنائية الخاصة بمقتل الشهيد رفيق الحريري بالمكالمات التي تمت قبل وبعد وأثناء عملية الاغتيال.
وتوجد لدى دولة الإمارات اتفاقات أمنية كبرى مع أجهزة مخابرات صديقة ونافذة مثل المخابرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والألمانية والهندية والباكستانية والمصرية والأردنية والعُمانية، وكلها أجهزة مؤثرة ومطلعة ومتعاونة، وكان لها من خلال بروتوكولات التعاون مع الإمارات أن توفر للإماراتيين ما يريدون من تعاون أمني ومعلوماتي.
هنا.. نأتي إلى التساؤل: هل من حق الإمارات أن تسعى إلى معرفة معلومات ذات أهمية لأمنها القومي؟
الإجابة المباشرة قولاً واحداً هي «نعم»، وهو أمر حيوي وأساسي لكل دولة من الـ212 دولة المعترف بها في هذا العالم.
ولنرجع إلى المبدأ العام: من حق أي دولة أن تحمي أمنها القومي، والمعرفة الحقيقية لما يحيط بها هو إحدى الركائز، وحماية الأمن القومي تعتمد أساساً على المعلومات، والمعلومات تُستمد من عدة مصادر حية وإلكترونية، وجزء منها يأتي بالتجسس، والتجسس الإلكتروني هو إحدى هذه الوسائل حتى في أعتى الديمقراطيات، مثل ألمانيا التي أجازت محكمتها الدستورية حق استخدام برنامج اسمه «حصان طروادة».
ويوجد في العالم ما بين 6 و7 آلاف شركة تجسس إلكتروني معروفة علناً وأخرى لا نعرفها، من ضمنها 300 شركة إسرائيلية، منها 6 شركات رئيسية من بينها شركة «إن. إس. أو» التي ادعي أنها الشركة التي تتعامل معها الإمارات والتي تمتلك برنامج «بيغاسوس» الشهير الذي يمكّن مستخدمه من الاختراق الفعال لكل وسائل الاتصال الإلكتروني للغير. وجدير بالذكر أن دولاً مثل كازاخستان وأوزباكستان وأوغندا ونيكاراجوا والمكسيك اشترت هذا النظام.
ولا يخفى على أحد طبيعة العلاقات الأمنية والدبلوماسية والتجارية الخاصة بين تل أبيب والدوحة، ولا يخفى أيضاً أن مثل هذه الشركة ملتزمة حسب النظام الأمني والقانوني الإسرائيلي أن تحصل على إذن مكتوب من وزير الأمن الإسرائيلي ببيع هذا النظام، لذلك يأتي السؤال: هل يمكن أن تشتري الإمارات نظام تجسس إسرائيلي يستخدم ضد قطر صديقة إسرائيل والتي ترتبط مع أجهزتها الأمنية بأقوى العلاقات؟ وحتى إذا اشترت البرنامج من طرف ثالث فهي تشتري مجرد برنامج.
وأخيراً نأتي لما يبدو وكأنه الصدف تجمعت في وقت واحد.
فجأة تتلقى المحاكم في قبرص قضايا مرفوعة من جهات ومصادر تابعة لدولة قطر ضد الشركة الإسرائيلية، وفجأة يصدر بيان من وزارة الخارجية القطرية عن واقعة التجسس المزعومة، بعدما نشرت النيويورك تايمز القصة دون وجود أي مصدر إماراتي أو مصدر محايد بها.
هذه «المفاجآت» و«الصدف» المتصاعدة تأتي قبيل لقاءات عربية على هامش الجمعية العامة مع الإدارة الأمريكية هذا الشهر.
وهذه «الصدف» و«المفاجآت» يصبح مصدر تداولها الأول والمتكرر بإلحاح وجنون وهيستيرية وكالة الأنباء القطرية وكل قنوات الجزيرة والمواقع والمحطات التابعة لها والمتعاونة معها ومع تركيا وإيران، والمضادة للإمارات والسعودية والمستهدفة ليل نهار الرياض وأبوظبي، وشخصي الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد.
وفجأة يتم الهجوم على علاقات الشيخ عبدالله بن زايد القوية مع مجموعة من نواب البرلمان البريطاني في نيوشتيمان الإنجليزية، ويتم تسخين الرأي العام في سويسرا حول دعوة تلقاها مسئول سويسري لزيارة الإمارات هو وعائلته تكلفت عشرة آلاف فرنك سويسري.
هذا الفيلم الهابط، وهذه التراجيديا الخليجية التي تفوقت على التراجيديا الإغريقية الشهيرة تهدف أساساً إلى ضرب معسكر الاعتدال العربي بعضه ببعض، وتشويه صورته والإضرار برموزه الوطنية. (وحسبنا الله).
نقلا عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة