تعطلت مسارات التفاوض بين الأطراف المحسوبة على المعارضة السورية والحكومة، وهو ما يؤدي إلى إطالة عمر الأزمة ومعاناة الشعب السوري.
عاشت الأزمة السورية أياماً صعبة ولاتزال، في ظل ازدياد معاناة السوريين داخل بلدهم أو ضمن البلدان التي هربوا إليها كتركيا والعراق ولبنان والأردن، كما أن العملية السياسية أصيبت بشلل تام نتيجة تزاحم الملفات الإقليمية وتراكم التدخلات السلبية من قبل دول معروفة، هدفها الرئيسي احتلال سوريا وتقسيمها ونهب ثرواتها.
وفي مرحلة ما مثلت هيئة المفاوضات السورية المنبثقة عن مؤتمر الرياض بارقة أمل لتحريك المياه الراكدة إقليمياً ودولياً، بغية تلاقي السوريين حكومةً ومعارضةً على طاولة الحوار البناء، الذي يفضي إلى حل سياسي شامل، ينهي سنوات الحرب ويضمن أطر الانتقال السلمي للسلطة، ويعيد الأمور إلى نصابها اقتصاديا وأمنياً وحتى اجتماعيا.
وقد بذلت المملكة العربية السعودية بصفتها الدولة المقر لهيئة المفاوضات السورية جهوداً دبلوماسية كبيرة، وسخرت إمكانيات وزارة الخارجية السعودية لخدمة هذه القضية، وأخذ الدبلوماسيون السعوديون على عاتقهم تحسين ظروف المشهد التفاوضي سواء في لقاءات جنيف أو عند تشكيل اللجنة الدستورية السورية فيما بعد.
لكن المال القطري الفاسد وجد طريقه مجدداً نحو جيوب الكثير من الإخوان المسلمين السوريين الذين ينتحلون صفة معارض، ويتسللون داخل الأجسام السياسية السورية المعترف بها دولياً، وعمدت الدوحة إلى استغلال قضية استبدال المستقلين الثمانية داخل هيئة المفاوضات من أجل تدمير عمل الهيئة، وبالتالي إيقاف عجلة العمل والأمل بتوصل السوريين لاتفاق وطني ملزم.
ويصر الائتلاف السوري اليوم - وهو الذراع الرسمي لجماعة الإخوان السورية ومقره إسطنبول - على إبقاء المستقلين السابقين في هيئة التفاوض دون تبديلهم نزولاً عند رغبة المخابرات التركية والقطرية، ويعارض الائتلافيون الإخونج داخل الهيئة أي مقترح لإعادة تفعيل دور هذا الجسم السوري التقني والمعني كذلك بمباشرة المفاوضات، كما ينفذون كافة الأوامر الواردة من أنقرة في هذا الصدد، ليحصلوا في نهاية المطاف على رشاوى قطرية يتم إيداعها في حساباتهم البنكية بتركيا.
والمكونات الأخرى المعتدلة داخل الهيئة عقدت عزمها على مجابهة هذا المخطط الإخواني التركي القطري الشرير، ومنصة القاهرة للمعارضة السورية تحديداً تصدت لجميع المحاولات الفاشلة، وأعلن قياديون بها في أكثر من مناسبة أنهم يتطلعون لاستعادة الهيئة دورها ونشاطها، مشيدين بدور الخارجية المصرية الرصين والمساند لتوجهاتهم، فالقاهرة والرياض وأبوظبي بصفتهم عواصم دول الاعتدال العربي، يحرسون الأمن القومي للعرب، ويضعون حداً لكل المشاريع التوسعية الفارسية والعثمانية الجديدة.
وهنا تتلخص المسألة السورية في شقها التفاوضي بكلمتين : تركيا تخشى وتخاف من الدور العربي في سوريا، والسعودية والإمارات ومصر هم الأحرص على سوريا الدولة والمجتمع، فتلك الدول الثلاث لم تدخر جهداً أبداً في سبيل رأب الصدع وتحييد الأجندات القطرية التركية الخبيثة داخل صفوف المعارضة السورية، فضعاف النفوس ممن يسمون أنفسهم معارضين سوريين، يركنون لمنطق العملاء لدى التركي ويرفضون مكانة الشركاء عند إخوانهم العرب
ويتعين الآن على الأمم المتحدة وضع حد لممارسات قطر وتركيا الرامية إلى منع عودة المعارضة إلى طاولة المفاوضات، ويتوجب على النرويجي بيدرسون بصفته مبعوث الأمم المتحدة لسوريا أن يتنبه وينبه لخطورة الوضع، وينهي تواجد تركيا وقطر المشبوه ضمن توجهات وأعمال المعارضين المنتمين لهيئة التفاوض أو اللجنة الدستورية .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة