الدوحة شرّعت أبوابها لكل من يعادي وطنه ويضمر الشر لكل أمن واستقرار
طالعتنا وكالة الأنباء القطرية الرسمية بخبر يشير إلى أن أمير قطر وافق على إصدار القانون رقم 11 لسنة 2018 بتنظيم اللجوء السياسي إلى الدوحة، والمثير للدهشة أن المتابع للشأن القطري خلال العقدين الأخيرين يعلم أن الدوحة قد شرّعت أبوابها لكل من يعادي وطنه ويضمر الشر لكل أمن واستقرار، فقطر التي تسمّيها الأبواق الإعلامية الإخونجية بـ"كعبة المضيوم" لها تاريخ أسود في إيواء كل مطلوب وملاحق قانونيا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا سارع النظام القطري إلى استصدار قانون للجوء السياسي الآن تحديدا؟ وهل بالفعل يحتاج هذا النظام لاستصدار هذا القانون وهو الذي آوى مئات المطلوبين قبل صدور القانون؟ ومن بينهم من صنّفتهم الدوحة ذاتها على قوائمها للإرهاب، وهم يتسكعون في شوارعها ويبيتون في فنادقها بكل أريحية وترحاب.
يعلم الجميع أن صدور قانون اللجوء السياسي القطري إنما هو محاولة جديدة من "تنظيم الحمدين" لإضفاء لمسات من البراءة الخادعة على تاريخ "كعبة المضيوم" الأسود في إيواء كل مجرم وإرهابي يعلن العداء لوطنه ولأبناء شعبه
إن الدور القطري في إيواء الإرهاب ليس بجديد، فالتقارير الأمريكية والدولية تذكر أن وزير الداخلية القطري الأسبق الشيخ عبدالله بن خالد آل ثاني اُتِّهم بإيوائه 100 متشدد في مزرعته في قطر من بينهم مقاتلون في أفغانستان، وقام بمدهم بجوازات سفر لتسهيل تنقلاتهم عبر الدول، كما استخدم ماله الخاص وأموال وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في قطر لتمويل قادة في فروع تنظيم القاعدة، والتقى بعدد منهم كأسامة بن لادن وخالد شيخ محمد مدبّر أحداث 11 سبتمبر الإرهابية.
لقد أدرك النظام القطري أنه بات تحت مجهر العالم بعد أن تمت تعريته بعد مقاطعة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، حيث كشفت هذه المقاطعة المبروكة حجم الدعم القطري ماديا ولوجستيا للشخصيات الإرهابية حول العالم، وهو ما سبّب حرجا دبلوماسيا لأمير قطر ووزير خارجيته ومندوبيه في كل زياراتهم وجولاتهم المكوكية حول العالم، حيث تمت مواجهتهم بقوائم الإرهابيين الذين تأويهم الدوحة وتطالب بهم دولهم بناء على أحكام وتعاميم قانونية تم إدراجها ضمن المنظمات الأمنية الدولية، وهو ما دفع الدوحة صاغرة إلى استصدار قائمة للإرهابيين في خطوة منها لتخفيف الضغوطات عليها ولذر الرماد في العيون؛ ولتخفيف ذلك الحرج الذي تعرّض له تميم ومندوبوه.
من خلال البحث والاطلاع على بعض ما تسرب من بنود هذا القانون نجد أنه يشير في إحدى فقراته إلى أن من يحق له طلب اللجوء لابد أن تتوفر له شروط أساسية وهي: ألا يكون قد ارتكب جريمة حرب، وألا يحمل جنسية مزدوجة غير جنسيته الأصلية، وألّا يمارس نشاطا سياسيا خلال لجوئه في الدوحة، وبناء على هذا اللجوء سيتم منحه وثيقة سفر يتنقل من خلالها في دول العالم، وكذلك سيحظى بالخدمات الصحية التي تقدمها له الدوحة، واختتم هذا القانون المثير للجدل بعبارة تقول "إن من حق اللاجئ أن يختار دولة أخرى يتم ترحيله لها في حال عدم رغبته في استكمال لجوئه في الدوحة".
وبقراءة متواضعة لهذه الشروط، سنحاول أن نناقش الشرط الأول الذي ينص على عدم ارتكاب جريمة حرب، وجميعنا يلاحظ كيف أن هذه العبارة فضفاضة جدا، فالسؤال هو كيف ستحدد الدوحة مرتكبي جرائم الحرب، وما هي جريمة الحرب المقصودة في هذا القانون؟ فالسلطات القطرية تعلم أن اختيار مصطلح "مجرم حرب" إنما هو محاولة لخداع الرأي العام وإضفاء لمسة من الإنسانية والبراءة على قانون اللجوء السياسي القطري، فعدد الذين تم تصنيفهم كـ"مجرمي حرب" وفق اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907 أو اتفاقيات جنيف لعامي 1929 و1949 لا يتعدون 80 شخصا أكثر من 90% منهم إما متوفٍّ أو قيد الاعتقال.
الشرط الآخر الذي تحدث عنه القانون هو عدم حصول اللاجئ على جنسية مزدوجة، والدوحة تعلم أن غالبية مزدوجي الجنسية إنما هم من رعايا دول غربية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، أو من الذين حصلوا على جنسيات غربية بجانب جنسيتهم الأم، ولن تقوى قطر ونظامها على إيوائهم لتجنب المزيد من الصفعات السياسية، وبالتالي وضعت هذا البند لرفع الحرج عنها عندما يرغب أي من رعايا تلك الدول في تقديم اللجوء إلى "كعبة المضيوم"، فسيتم مواجهة طلبه بالرفض بحجة ازدواج الجنسية.
الشرط الثالث الذي وضعته الدوحة فكان "عدم ممارسة أي نشاط سياسي خلال لجوئه للدوحة"، وهنا نوجّه سؤالا بريئا للنظام القطري، هل تندرج ممارسات كإصدار فتاوى الإرهاب والتحريض على القتل والتمويل المادي للجماعات المتطرفة ضمن النشاطات السياسية التي يُمنع اللاجئ السياسي من ممارستها في الدوحة؟ أم أن جميع ماذُكر لا يندرج تحت مفهوم النشاط السياسي وبالتالي فسيسمح للاجئ أن يمارسها بكل أريحية وسهولة خلال فترة تواجده في "كعبة المضيوم"؟
وأما فيما يتعلق بمنح اللاجئ وثيقة سفر يتنقل بها كيفما يشاء، فهذه أمنية لن يستطيع نظام الدوحة توفيرها، لأن مجهر الأمن بات مسلطا في جميع دول العالم على كل من يحمل الجواز القطري؛ لأن نظام الدوحة تاجر بهذه الوثيقة الرسمية ومنحها لكل من هب ودب من رعاة الإرهاب ودعاة الفتنة، وبالتالي لن يستفيد منها اللاجئ إلا في التنقل بين الدوحة وطهران واسطنبول، حيث مثلث الشر والإرهاب ومأوى كل متطرف.
الفقرة التي لفتت الانتباه في قانون اللجوء القطري الذي تم تسريبه تلك الفقرة التي تشير إلى تمتع اللاجئ بالرعاية الصحية، فالسؤال هنا لماذا تم ذكر الرعاية الصحية دون غيرها من الخدمات، كالسكن والتعليم وغيرهما من الخدمات؟ لأن الدوحة تمهّد لاستضافة عدد من جرحى معارك الإرهاب والقتل في العالم، فليس مستغربا أن تتكفل الدوحة بعلاج جرحى ميلشيا الحوثي وجماعة حزب الله الإرهابية، وعناصر الحشد الشعبي ومقاتلي النصرة وداعش والقاعدة وغيرهم، وبالتالي تم التركيز على منح الرعاية الصحية للاجئ إدراكا من نظام قطر لكَمِّ الطلبات التي سترد له من رعاياه في جماعات القتل والإرهاب.
أما عن العبارة التي وردت في القانون، والتي تقول في نصها: "إن من حق اللاجئ أن يختار دولة أخرى يتم ترحيله لها في حال عدم رغبته في استكمال لجوئه في الدوحة"، فالمقصد منه واضح أن الدوحة قد تفاهمت مع عدد من الدول وبالتحديد (إيران وتركيا وبعض الدول المتعاونة في إيواء المطلوبين) لتنفيذ عمليات تبادل وتمويه حتى تصعب مهمة تعقّب هؤلاء المجرمين، فمن سيسبب بعض المتاعب للدوحة أمام الغرب وأمريكا سيتم ترحيله إلى إيران التي لها سوابق في إيواء أعضاء القاعدة من قبل، ومن سيحرجها أمام الدول العربية وباكستان وأفغانستان سيتم ترحيله إلى تركيا ذات الباع الطويل في إيواء الإخونجية، ومنبع تصدير الإرهابيين إلى سوريا، ومن لن يوجد له موقع في إيران وتركيا سيتم ترحيله إلى دول فقيرة مستعدة لإيواء أي كان مقابل أموال يدفعها نظام الحمدين بكل سخاء خدمة للإرهاب ورموزه.
بصدور هذا القانون، فإنه يجب على دول العالم أجمع أن تكون واعية لجميع حركات المسافرين والركاب من وإلى الدوحة، عبر الخطوط الجوية القطرية، أو من خلال أي شركة طيران تهبط في مطار الدوحة، فهذا القانون سيجعل من الدوحة ملاذا آمنا لعناصر "داعش" و"القاعدة" و"النصرة"، من الذين تم القضاء عليهم أو أولئك الذين يعايشون فترة الاحتضار في ليبيا ومصر وسوريا بعد دحرهم وتقهقرهم بسبب الضربات التي وجهت لهم، أو بانقطاع ذلك التمويل السخي من "الدوحة وطهران وأسطنبول" الذي تأثر سلبا بسبب المقاطعة المبروكة والعقوبات الاقتصادية الأمريكية وانهيار الليرة، وليعلم الجميع أن صدور قانون اللجوء السياسي القطري إنما هو محاولة جديدة من "تنظيم الحمدين" لإضفاء لمسات من البراءة الخادعة على تاريخ "كعبة المضيوم" الأسود في إيواء كل مجرم وإرهابي يعلن العداء لوطنه ولأبناء شعبه، ولكن لن تمر مثل هذه المسرحيات على المجتمع الدولي الذي بات واعيا للألاعيب القطرية في دعم وإيواء الإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة