العزلة السياسية والاقتصادية لقطر تعني أنها بحاجة إلى التحرك بحذر عندما يتعلق الأمر بقضية خاشقجي.
إن الصمت النسبي لقيادة دولة قطر في مواجهة الأزمة السياسية التركية مع المملكة العربية السعودية بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي يؤكد نقطة ضعف أساسية للرئيس رجب طيب أردوغان، ألا وهي اقتصاد البلد الهش والعملة المحاصرة.
العزلة السياسية والاقتصادية لقطر تعني أنها بحاجة إلى التحرك بحذر عندما يتعلق الأمر بقضية خاشقجي. وبدلاً من إثارة التوتر السياسي مع الرياض بإلقاء ثقلها السياسي الكامل وراء تركيا، فضلت استخدام عدد أقل من المسؤولين ووسائل الإعلام مثل قناة الجزيرة لتقويض مكانة السعودية كحليف عالمي يمكن الوثوق به.
في أغسطس/آب الماضي، وعد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الحليف الإقليمي الأقرب لأردوغان، باستثمار 15 مليار دولار، بما في ذلك 3 مليارات دولار في مقايضات العملة، للمساعدة في استقرار الاقتصاد التركي بعدما هوت الليرة إلى مستويات قياسية خلال الأزمة مع واشنطن بشأن القس المسجون.
في سبتمبر/أيلول، جاء نبأ عاجل يفيد "بإهداء" آل ثاني طائرة خاصة فاخرة من طراز "747" إلى أردوغان. لقد أصبح أسطول الطائرات المتنامي للرئيس التركي رمزاً لطموحاته في تحويل تركيا إلى قوة إقليمية وعالمية كبرى.
لكن على الرغم من صرف مقايضات العملة في سبتمبر/أيلول، والتعهد بتقديم الدعم المالي لأردوغان، إذا لزم الأمر، أثناء خلافه مع السعودية، فإن القيادة العليا في قطر لم تذكر الكثير علانية منذ اندلاع عاصفة سياسية بسبب وفاة خاشقجي في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول. وقد فضلت الدولة الخليجية التعبير عن انتقادها عبر مسؤولين صغار نسبياً مثل لولوة الخاطر، المتحدثة باسم وزارة الشؤون الخارجية القطرية.
لذا أين هو أقرب حليف لتركيا في المنطقة عندما تكون هناك حاجة ماسة إليه؟
تمتعت تركيا وقطر بعودة متانة العلاقات تحت حكم أردوغان، إذ دعمتا معاً جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة في تحدٍّ للسعودية. وقدم البلدان دعماً قوياً لمحمد مرسي، السياسي المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين الذي انتخب رئيساً لمصر في عام 2012، وأطاح به الجيش في عام 2013. كما شرعتا معاً في رعاية الجماعات المتشددة في سوريا التي تقاتل للإطاحة بالرئيس بشار الأسد بعد أن بدأ تمرد مسلح في عام 2011.
لكن في السنوات التي تلت ذلك، أصبح البلدان أكثر تهميشاً على المستوى الدولي، إذ أصبحت تركيا دولة منبوذة تقريباً بسبب تزايد استبداد أردوغان وانتهاكات حقوق الإنسان، بينما انعزلت قطر بفعل مقاطعة جيرانها، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية ومصر، بسبب مزاعم أنها تدعم الجماعات الإرهابية.
العزلة السياسية والاقتصادية لقطر تعني أنها بحاجة إلى التحرك بحذر عندما يتعلق الأمر بقضية خاشقجي. وبدلاً من إثارة التوتر السياسي مع الرياض بإلقاء ثقلها السياسي الكامل وراء تركيا، فضلت استخدام عدد أقل من المسؤولين ووسائل الإعلام مثل قناة الجزيرة لتقويض مكانة السعودية كحليف عالمي يمكن الوثوق به.
وبوضع مقتل خاشقجي مع احتجاز السعودية رئيس وزراء لبنان أواخر العام الماضي وخلافها السياسي مع كندا بشأن حقوق الإنسان، قالت الخاطر في لندن يوم الإثنين إن مقتل خاشقجي يجب أن يكون الآن "دعوة للاستيقاظ"، لكي تعيد الدول النظر في علاقاتها مع الرياض.
كما أن إيران، التي ربما تكون ثاني أقرب حليف إقليمي إلى أردوغان، والمصدر الرئيسي لإمدادات النفط إلى أنقرة، كانت تتصرف بحذر شديد مع اندلاع الأزمة السياسية. ومر 20 يوماً على مقتل خاشقجي قبل أن يتحدث مسؤول إيراني كبير. وفي نهاية المطاف قام رئيس السلطة القضائية الإيرانية، صادق أمولي لاريجاني، بكسر الصمت وأعلن على نحو متوقع أن المملكة العربية السعودية كانت تسعى للتستر على الجريمة بمساعدة الغرب.
علاوة على ذلك، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سعى إلى دق إسفين في العلاقات المحفوفة بالمخاطر بشكل متزايد بين أردوغان وحلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كان أيضاً يتحرك بحذر شديد عندما يتعلق الأمر بانتقاد الرياض، ودعم أردوغان بشأن وفاة خاشقجي. وقال بوتين في الأسبوع الماضي إن الأدلة يجب أن تقدم أولاً.
لذلك ربما لم يكن من المفاجئ أن يمتنع أردوغان، في خطاب نقلته قنوات التلفزيون على نطاق واسع لحزبه الحاكم في أنقرة أمس الثلاثاء، عن توجيه اللوم مباشرة إلى القيادة السعودية في مقتل خاشقجي، بمن فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو ربما منافسه السياسي الأكبر في المنطقة. وبدلاً من ذلك، دعا إلى إجراء تحقيق كامل وشفاف وإلى تقديم الجناة إلى العدالة ومحاكمتهم في تركيا.
وتحدث أردوغان بعد اتصالات مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي قال إنه "يثق به"، ومكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عطلة نهاية الأسبوع. كما تحدث وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو. وزارت مديرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جينا هاسبل أنقرة يوم الإثنين لدراسة الأدلة في القضية.
تأتي الاتصالات رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة في الوقت الذي كانت تسعى فيه الدولتان إلى إصلاح العلاقات طوال فترة احتجاز القس آندرو برانسون على مدى عامين، الذي أطلق سراحه في وقت سابق من هذا الشهر. كما أنها تحدث بينما تسعى تركيا إلى الحصول على إعفاءات من العقوبات الأمريكية حتى تتمكن من مواصلة شراء النفط من الجمهورية الإسلامية، حيث تستورد تركيا 99% من الخام الذي تستهلكه.
تم الكشف عن نقاط الضعف الاقتصادية المستمرة في تركيا مرة أخرى أمس الثلاثاء، مباشرة قبل خطاب أردوغان. والليرة، التي هوت نحو 35% مقابل الدولار هذا العام، ما أثار مخاوف من أزمة اقتصادية شاملة، هبطت أكثر من 2% خلال تداول اليوم مع تراجع الحليف السياسي الأساسي لأردوغان فيما يبدو عن خططه للتحالف في الانتخابات المحلية التي تجرى في شهر مارس/آذار. وأنهت الليرة تعاملات اليوم على هبوط 1.2%.
وقد أدى تردد أردوغان في تعزيز العلاقات بالمملكة العربية السعودية، ومن ثم الرئيس ترامب، الذي حث على الحذر السياسي مع استمرار التحقيق في مقتل خاشقجي، إلى دفع خصمه السياسي الرئيسي إلى اتهامه بمساومة الرياض.
وأكد كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، يوم الإثنين، أن تركيا سمحت لـ15 مشتبهاً به من المتورطين في القضية بمغادرة البلاد، وأجرت تفتيشاً متأخراً للقنصلية السعودية في إسطنبول، حيث يُزعم أن عملية القتل قد وقعت.
وقال كليجدار أوغلو: "أريد إجابات عن أسئلتي، هل كل هذا بسبب المال؟". وأضاف: "هذا يعني اللعب بشرف تركيا وكرامتها واحترامها لذاتها".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة