قطر وحوار الغرب.. قيس سعيد "واجهة" والغنوشي "عربون" حسن النوايا
من دماء ضحايا إرهابها التي لم تجف بأوروبا، ومعاول تطرفها المسموم المغروسة بقلب القارة الملتاعة، تصنع قطر عباءة المسالم الباحث عن حوار.
حوار بين المسلمين والغرب.. محاولة يائسة جديدة تنبع من عمق فصام ونشاز صارخين، لدويلة تصنع الإرهاب وتدعمه، وحين تضيق بها أزماتها، تقفز باحثة عن وسيط يؤمن لها جسرا يقيها فتح ملفاتها الملغومة.
مبادرة تعمدت الدوحة أن تكون في ردهتها الخلفية، عبر الدفع بالرئيس التونسي قيس سعيد للواجهة سعيا نحو امتصاص الغضب الفرنسي الذي عبر الحدود ليشمل القارة العجوز بأسرها.
ورقة جديدة تلعب بها الدوحة لتبييض سجلها، مستثمرة القبول الذي يحظى به سعيد لدى باريس، في خطوة استبطنت استغناءها عن زعيم إخوان تونس راشد الغنوشي، والذي يبدو أنه بات ورقة محروقة فاقدة لمصداقية الوساطة الدولية حتى بأعين راعيته الأزلية.
الدوحة وسعيد
ويعتبر مراقبون أنه من اللافت أن يعلن سعيد، بمناسبة زيارته إلى الدوحة، مبادرة للحوار الديني بين الشرق والغرب تجنّبا لردود فعل معادية للمسلمين عقب الاعتداءات المسجلة في عدد من بلدان أوروبا.
في المقابل، تعمد أمير قطر تميم بن حمد عدم التطرق للمبادرة، للتسويق على أنها فكرة سعيد، أملا في الحصول على تلك المسافة التي تبعد شبح تورط نظامه في دعوة يدرك جيدا المفارقة النابعة منها بين بلد راع للإرهاب، ومدع لصنع جسر للحوار.
تميم أراد أيضا استثمار علاقة الرئيس التونسي الجيدة مع باريس وتحديدا مع الرئيس إيمانويل ماكرون، ليكون بذلك جسرا لانتشاله من ورطة تضعه هذه المرة بوجه فرنسا وأوروبا، ما يهدد بفتح ملفات دعمه للإرهاب.
نسرين البحري، الباحثة بالمعهد التونسي للدبلوماسية، رأت أن تميم بن حمد يحاول استقطاب سعيد بعد أن احترقت ورقة الغنوشي الذي انكسرت صورته محليا ودوليا، وغرق في مشاكل حزبه الداخلية.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قالت البحري تعليقا على أبعاد الزيارة، إن فكرة إطلاق حوار بين الشرق والغرب عبر البوابة التونسية "حيلة قطرية لاستغلال قرب تونس من أوروبا جغرافيا وثقافيا، وتمرير أجندات الإسلام السياسي".
ولفتت إلى أن الدوحة "تريد توظيف البعد الأكاديمي والثقافي للرئيس سعيد، لإعادة تموقعها أولا في تونس من خلال مشاريع واتفاقيات وهمية، وثانيًا لجعل تونس منصة للتوغل في المغرب العربي وخاصة بالجزائر وليبيا".
وبخصوص المشاريع، التي تم الاتفاق عليها خلال زيارة سعيد، أكدت الباحثة أنها جزء من لعبة قطرية تتمثل في "بيع الأوهام مثلما فعلت مع جميع الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2011، حيث لطالما كانت وعودها بمنح تونس هبة بألف مليار دينار خلال المؤتمر الدولي لإنقاذ الاقتصاد التونسي في 2016، مجرد أوهام لا غير".
وتابعت أن قطر تريد توظيف علاقات التواصل الجيدة بين سعيد وماكرون، من أجل طمس ملفاتها الغارقة في دعم الإرهاب بأوروبا.
ومطلع العام الجاري، أجرى سعيد زيارة إلى فرنسا وصفت بـ "المثمرة"، حيث عكست تقاربا بين الرجلين على مستوى الرؤية والأهداف في محاربة الإرهاب.
ورقة محروقة
المقاربة القطرية تبدو واضحة بخصوص تونس، وهي إقصاء الغنوشي من المشهد، وتخفيض مستويات الدعم المالي واللوجستي لحزبه، حسب متابعين.
الكاتب السياسي في تونس بسام حمدي يرى أن تقرب الدوحة من قيس سعيد يحمل "رسالة مبطنة بأن ورقة رئيس حركة النهضة انتهت إلى الأبد".
وأضاف حمدي لـ"العين الإخبارية"، أن "قطر تعلم بالصراعات المتنامية بين ساكن قرطاج (سعيد) ورئيس حزب النهضة (الغنوشي)، وربما قد تكون فرضت في زيارته عدم حضور أي شخصية محسوبة على الإخوان (تونس)".
طرح تؤكده حيثيات الواقع، حيث دأب جميع الرؤساء التونسيون، منذ 2011، على وجود شخصيات أو وزراء محسوبين على حركة النهضة الإخوانية، خلال زياراتهم إلى الدوحة.
وبعكس المتعارف عليه، رافق سعيد في زيارته إلى قطر، مديرة ديوانه نادية عكاشة الشخصية المكروهة من قبل إخوان تونس، علاوة على عدد من رجال الأعمال والكوادر التونسية.
وبالنسبة للخبير، فإن الدوحة تراهن على إعادة التموقع في أوروبا بعد الاتهامات الخطيرة بتمويلها للجماعات الإرهابية، معتبرا أن "شخصية مثل الغنوشي يمكن أن تساعدها في هذا المخطط".
وأوضح أن إغداق الدوحة على سعيد بمنافع وهمية (تنصيبه رئيسا لمجمع فقهاء القانون الدستوري)، محاولة لشراء ذمته لجعله رجلها في تونس مثلما كان الشأن مع الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي.
وبالزيارة نفسها، جرى الإعلان عن تأسيس الرابطة، وأسندت رئاستها لسعيد باعتباره أحد فقهاء القانون الدستوري.
ووفق بيانها التأسيسي، تهدف الرابطة إلى دعم الجهود الدولية والإقليمية والوطنية في مجال تطوير القوانين الدستورية، وتقديم المُساعدات الدولية لمُختلف الدول والجهات الدولية والإقليمية في كل ما يتعلق بالقضايا الدستورية.
كما تهدف لـ"المساهمة في الدراسات والأبحاث الدستورية لحل المشاكل الناجمة عن إنفاذ الدساتير وتفعيل مبدأ سيادة القانون".
خيارات غامضة
زيارة سعد إلى قطر أثارت استنكارا لدى شق واسع من التونسيين ممن ينددون بدور الدوحة التخريبي في تونس.
رئيس المرصد التونسي للدفاع عن مدنية الدولة، منير الشرفي، حذر من أن الدعم السخي للمنظمات التكفيرية على غرار فرع اتحاد علماء المسلمين الإرهابي، يضر بمصلحة تونس.
وقال الشرفي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إنه يتعين على سعيد أن يطلب من الدوحة إغلاق اتحاد الإرهابي يوسف القرضاوي من تونس حتى تتجنب البلاد خطر الخطاب الإرهابي العنيف.