كيف استغلت قطر وتركيا بناء المساجد في أوروبا لدعم المتطرفين؟
تستخدم المنظمات التي تقف وراءها قطر وتركيا آليات لخداع الجاليات المسلمة في أوروبا ودفعهم إلى تقديم التبرعات لمشاريعهم الدينية.
أظهرت دول أوروبا قلقاً بشأن دعم كل من تركيا وقطر للجماعات المتطرفة، تحت غطاء بناء المساجد والجمعيات الخيرية، واتجهت بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى إغلاق العديد من المساجد التي يديرها أتراك وأخرى ممولة من قبل قطر، ورفضت استقبال أئمة جدد من تركيا، بعد كشف حقيقة أن الأئمة الأتراك يمارسون أنشطة تجسسية لصالح الاستخبارات التركية، ويتلقون تمويلا من تركيا.
صحيفة "دير شبيغل" الألمانية أكدت في يناير/ كانون الثاني 2019، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستخدم شبكة "DITIB" اتحاد الأئمة التركي في برلين "كجزء من شبكات التحكم في الأتراك المغتربين من أجل أهدافه الخاصة، وأشار الموقع ذاته إلى أن "ديتيب" تلقت أموالا في السنوات الماضية من صناديق مالية مختلفة تابعة للدولة الألمانية ودول أوروبا، على رأسها صندوق خاص بالدعم في إطار الخدمة التطوعية لدى الجيش الألماني، وبرنامج "أن تعيش الديمقراطية" الذي تشرف عليه وزارة شؤون الأسرة الألمانية.
تجسس الأئمة لصالح تركيا
وبحسب موقع "دويتشيه فيله" فإن اتحاد "ديتيب" يتعرض لانتقادات واسعة داخل ألمانيا من قبل بعض المسؤولين لقربه الشديد لحزب العادلة والتنمية التركي ولأجهزة الدولة في تركيا. وارتباطه بنظام أردوغان، كما أن الهيئة متهمة بالتجسس على معارضي الرئيس التركي. وألمحت وزارة داخلية ولاية بافاريا الألمانية إلى أنها لم تعد تستبعد وضع الاتحاد الإسلامي التركي تحت مراقبة هيئة حماية الدستور.
ووفق تصريحات الخبير الاستخباراتي والكاتب "أريش شمدت أينبوم" لموقع "لوكال" الإخباري الألماني في ديسمبر/ كانون الأول 2018 فإن هناك نحو 3 ملايين شخص من أصول تركية في ألمانيا، مما يعني أن كل مخبر يمكن أن يراقب (500) شخص، وهو رقم أكبر مما كان جهاز شتازي يراقبهم في ألمانيا. وتتهم السلطات الألمانية اتحاد الأئمة التركي في برلين بممارسة أعمال استخباراتية لفائدة النظام التركي وتلقي تمويلات مشبوهة منه.
انتقادات أوروبية
وتصاعدت الأدوار السلبية للأئمة المتطرفين في ألمانيا، خاصة الأتراك التابعين للاتحاد الإسلامي التركي "ديتيب" من خلال ترويج خطاب سياسي يستدعي إرث العثمانية القديمة ويدعم التطرف. وفي هذا السياق نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية مقالًا للكاتبة "جونال تول" في 10 يناير/كانون الثاني 2019 تشير فيه إلى أن الدين بمثابة أداة حاسمة في السياسة الخارجية التركية، تحديدًا بعد وصول حزب العدالة والتنمية. مما يؤكد ذلك سعي تركيا لاستقطاب المسلمين عبر العالم من خلال بناء المساجد، ومحاولة استعادة التراث العثماني، وإظهار نفسها كقائد للعالم الإسلامي.
ووفق تصريحات أحمد يايلا الأستاذ المشارك في مركز الدراسات الأمنية بجامعة "جورج تاون" في يوليو/ تموز 2018 فإن ألمانيا وبلجيكا والنمسا وهولندا وسويسرا والنرويج والسويد أجرت تحقيقات حول الأئمة الأتراك، الذين عينتهم "ديتيب"، بسبب التجسس لصالح المخابرات التركية ضد المواطنين الذين يعيشون في بلادهم، وتعتبرهم الحكومة معارضين لأردوغان، وأعلن مسؤولون نمساويون أنهم سيغلقون 7 مساجد، ويوقفون نحو 60 إماما تمولهم دول أجنبية، وذلك لمواجهة التطرف.
كذلك جاء إعلان وزير الداخلية النمساوي هيربرت كيكل في 8 يونيو /حزيران 2018 بشأن أن بلاده يمكن أن تطرد عدداً يصل إلى 60 إماماً مرتبطين بتركيا وعائلاتهم، والذي قابله تصريحات المتحدث باسم الرئيس التركي إبراهيم كالين التي أكد من خلالها أن "قرار النمسا إغلاق 7 مساجد وطرد أئمة هو نتيجة الموجة الشعبوية والمعادية للإسلام والعنصرية والتمييزية في هذا البلد".
قطر .. بناء المساجد لأهداف سياسية
تعمل قطر على بناء كثير من المساجد في أوروبا، مستغلة المؤسسات الخيرية في تقديم الدعم من أجل الهيمنة على المساجد بدول أوروبا والترويج لمصالحها السياسية عبر الطابع الديني. واتباعها انتهاج سياسة مزدوجة قائمة على دعم الإرهاب وتعزيز العلاقات مع إيران.
وترى كثير من دول الاتحاد الأوروبي أن قطر هي الراعية للجماعات المتطرفة عبر تمويل منظمات وجمعيات خيرية، بالإضافة إلى استضافة الدوحة للمطلوبين أمنياً، وتجنيسهم وإبرازهم إعلامياً.
وقد استشهد تيم كولينز، وهو محقق وباحث ومحلل استخبارات خلال ندوة عقدت بمجلس اللوردات البريطاني في يونيو/ حزيران2018 عن دعم قطري غير محدود لجماعة الإخوان، يتمثل في ضخ أكثر من 125 مليون يورو في جميع أنحاء أوروبا من قطر إلى مؤسسات تابعة لجماعة الإخوان. وذهب أكثر من 18 مليون يورو من جملة هذا المبلغ إلى أقسام بعينها في جامعة أكسفورد. مشيرا إلى أن هناك تنظيمات كثيرة تابعة للإخوان وتحظى بدعم قطر ماليا، دون أي قيود، وهذا يعني أنه على الحكومات الغربية أن تراجع أيضا علاقاتها بالدوحة، التي تقدم نفسها على أنها صديق للغرب.
وفي أغسطس/أب 2018 حذر مركز "جيتستون" الأمريكي للدراسات والأبحاث من أن النظام القطري يتخذ من التبرع للمساجد في فرنسا ستاراً لتمويل الإرهاب.
وأكد المركز أن النشاط القطري في فرنسا يثير القلق على استقرار الديمقراطيات الأوروبية. وأنه على مدى السنوات الماضية كانت قطر الداعم الأول لجماعة الإخوان وإيران وتنظيم داعش وأعضاء القاعدة وحماس وطالبان وغيرهم. وأشار الكاتب "جيوليو ميوتي" إلى أن الأموال القادمة من قطر تمول إقامة العديد من المساجد الكبرى في فرنسا. واستشهد المركز الأمريكي بموظف سابق يدعى مالك العثامنة بجمعية "قطر الخيرية" المدرجة ضمن قوائم الإرهاب في عدة دول عربية، حيث قال إن المنظمة تضطلع بدور كبير في دعم وتمويل الجماعات الإرهابية.
وعلقت السلطات في كوسوفو يوم 9 سبتمبر/أيلول 2018، نشاط مؤسسة "قطر الخيرية"، في خطوة تعد بمثابة دليل جديد على استغلال الدوحة لواجهة الأعمال الخيرية لتغطية أنشطتها غير الشرعية وتمويلها للإرهاب.
ويرى مراقبون أن وقف كوسوفو لأنشطة جمعية قطر الخيرية يكشف للعالم الأدوار المشبوهة للجمعيات الخيرية القطرية في دعم الإرهاب، خاصة أن القوائم المتتابعة التي أعلنتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين كانت قد رصدت العشرات من الكيانات وعلاقتها المباشرة بدعم الإرهاب.
ويتضح من هذا الإجراء الذي أقدمت عليه كوسوفو تخفّي دولة قطر وراء العمل الخيري لتمويل أجنداتها المشبوهة. كما يكشف الإجراء عن المزاعم القطرية بأن مؤسستها الخيرية ملتزمة بالقوانين الخاصة بالدول التي تعمل بها. وأنها لا تهدف سوى إلى مساعدة المحتاجين، إلا أنها تحوم حولها الشكوك منذ تأسيسها بضلوعها في تمويل الجماعات المتطرفة، خاصة في سوريا.
وأصبحت جمعية قطر الخيرية متورطة في عمليات ابتزاز للنساء السوريات اللاتي فقدن ذويهن مقابل توزيع المعونات عليهن. وأن النساء في مخيمات اللاجئين بسوريا أُجبرن على الاستسلام لتلك الابتزازات القطرية مقابل الحصول على معونة المؤسسات القطرية.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن التمويل الخارجي للاتحادات الإسلامية والمساجد في أوروبا يأتي من تركيا وقطر ودول أخرى، ما يجعلها عرضة للاتهام بالترويج لقيم مثيرة للشك على المستوى السياسي، ودعم تكوين مجتمعات موازية. لذلك ينبغي ضرورة التنقيب عن مصادر تمويل أخرى لتفادي تأثير التمويل الخارجي للمساجد. وإعداد برنامج تعليمي لتأهيل الأئمة بدلا من استيرادهم من الخارج، واستمرار الجهود الاستخباراتية لملاحقة المساجد، التي تدعو إلى التطرف، أو تنطلق منها جماعات متطرفة، تعود جذورها إلى الدعم القطري التركي.
ويقتصر تمويل المساجد في ألمانيا على أموال من الدولة في حالات تمويل مشروعات معينة، مثل دعم اندماج اللاجئين المسلمين في المجتمع أو إبعاد الشباب عن التيارات المتطرفة. ويتم تمويل الكثير من الاتحادات الإسلامية والمساجد في ألمانيا من تركيا وقطر، ما يجعلها عرضة للاتهام بالترويج للتطرف ودعم تكوين مجتمعات موازية. وتسعى الحكومة الألمانية لتقليص الدعم الخارجي للمساجد والجمعيات الإسلامية. وذلك لتحرر المساجد من التبعية لتركيا وقطر ومنع توجيه الأطفال والمراهقين نحو التطرف وسط مطالبات مسؤولين ألمان بتطبيق "ضريبة المساجد" كخطوة مهمة لتحريرها في ألمانيا من التأثيرات الخارجية. وهو ما أثار جدلا واسعا.
وتستخدم المنظمات التي تقف وراءها قطر وتركيا، آليات ووسائل لخداع الجاليات المسلمة في أوروبا ودفعهم إلى تقديم التبرعات لبرامجهم ومشاريعهم الدينية وتشييد المساجد التي يؤمها أئمة متطرفون ينشرون أفكار التطرف والعنف والكراهية. واتخذت من الجمعيات والمنظمات الخيرية غطاء لعملها السياسي. بل امتد الأمر إلى تغيير أسماء بعض المنظمات لمحاولة تحسين صورتها بعد اتهامها بدعم الإرهاب، لذا أكدت بعض دول أوروبا منها بريطانيا، دور الجميع في المواجهة كالمدارس والحكومة والمجتمع المدني والقيادات الدينية لمواجهة التطرف وتعزيز التعاون بين الحكومات والمساجد بهدف العمل على محاربة الإرهاب.
ختاما، فقد شددت الاستخبارات الأوروبية على أن قطر وتركيا قد أنشأت الكثير من المساجد والمؤسسات والهيئات الخيرية التي تستخدم في أغراض سياسية.
وأكدت أنها متورطة في بعض الأعمال الإرهابية من خلال تمويل التطرف بطريقه غير مباشرة، ومنح جماعات متطرفة مبالغ مالية، بالإضافة إلى دعمها العديد من المتطرفين في الداخل والخارج، وتمويل منظمات وأشخاص يمكن تصنيفهم كإرهابيين، مما أدى إلى توتر العلاقات القطرية مع بعض دول أوروبا، ومن ثم يجدر الضغط على قطر وتركيا وإغلاق جميع الثغرات، ومنع استخدام المنظمات من قبل نشطاء خارجين، مثل أعضاء تنظيم الإخوان الإرهابي.