صراع "جبهة تحرير تجراي" وأديس أبابا.. انتصارات الجيش الإثيوبي بالميزان
في الفترة الأخيرة، تغيرت المعادلة العسكرية في ميدان القتال بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تجراي، لصالح الأول، ما حرك بحث في الأسباب.
وبعد أن كانت المواجهات محصورة بين جبهة تجراي والجيش في إقليم تجراي شمالي البلاد لنحو ١١ شهرا، توسع القتال لبعض الأقاليم المجاورة نتيجة هجمات للجبهة المصنفة "إرهابية"، قبل أن ينحصر مرة أخرى نتيجة تقدم الجيش الإثيوبي.
فالصراع الذي استمر لأكثر من عام، بدأت وتيرته في التراجع، مع وضوح التفوق الكبير للجيش الإثيوبي في المعارك، وتحقيقه انتصارات متتالية.
إلا أن حكومة أديس أبابا أصدرت توجيهات للجيش بعدم التقدم نحو إقليم تجراي، فيما تزعم جبهة تحرير تجراي أنها انسحبت من إقليمي أمهرة عفار تكتيكيا، وليس نتيجة هزيمة عسكرية.
انسحاب أم انتصار؟
وما بين مزاعم جبهة تحرير تجراي في "الانسحاب التكتيكي"، وتأكيدات أديس أبابا بـ"الانتصار الكبير"، تظل العديد من الأسئلة مفتوحة حول أسباب انتصارات الجيش الإثيوبي وتفوقه الواضح عسكريا وتمكنه من حسم الأمور وإبعاد التهديدات التي كانت قاب قوسين من العاصمة.
وكانت الحكومة الإثيوبية، أعلنت الشهر الماضي، انتهاء المرحلة الأولى من العملية العسكرية ضد جبهة تحرير تجراي، وأمرت الجيش بعدم التقدم نحو إقليم تجراي والبقاء في كامل المناطق التي استعيدت من الجبهة في إقليمي أمهرة وعفار .
جاء ذلك بعد أن تمكنت قوات الجيش الإثيوبي خلال أسبوعين فقط من استعادة السيطرة على جميع المدن والمناطق التي سيطرت عليها جبهة تجراي بإقليمي عفار وأمهرة، لمدة ٥ أشهر.
عوامل داخلية
وأرجع محللون سياسيون، انتصارات الجيش الإثيوبي إلى عدة عناصر داخلية من بينها عملية التجيش الشعبي الذي أعلنتها الحكومة ضد تقدم جبهة تحرير تجراي نحو العاصمة، وإعلان حالة الطوارئ، بجانب قيادة آبي أحمد للجيش وغيرها من العوامل الداخلية.
بدوره، أرجع المحلل والباحث في الشؤون الأفريقية، عبدالقادر محمد علي، انتصارات الجيش الإثيوبي على جبهة تحرير تجراي لعدة عناصر رئيسية.
وأوضح أن التفوق العسكري الحكومي في المرحلة الأخيرة من الحرب يمكن تفسيره بمجموعة من الأسباب بينها تفوق الحكومة في إدخال أسلحة جديدة إلى ساحة المعركة من مصادر مختلفة.
وأضاف "كان الأثر الذي تركته "المسيرات" واضحا على دفع قوات جبهة تجراي إلى الخلف، بجانب حملة التعبئة الشعبية التي بلغت ذروتها في توجه رئيس الوزراء آبي أحمد، بنفسه إلى جبهات القتال في عفار وأمهرة".
ومضى قائلا في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن جبهة تحرير تجراي ارتكبت أخطاء ساعدت في تفوق الجيش الإثيوبي، بعد أن لجأت الجبهة لسياسة التمدد في الأقاليم (عفار وأمهرة)".
المحلل السياسي قال أيضا إن "سياسة التمدد" بدت في البداية خطوة ناجعة للضغط على الحكومة، لكنها حملت معها مجموعة من المخاطر من تشتيت قوت جبهة تجراي في مناطق متباعدة وبعيدة عن قواعدها الخلفية، والزج بهذه القوات في بيئات معادية، ما كان له دور كبير في التراجع فيما بعد.
واستطرد قائلا "ابتعاد جبهة تجراي عن قواعدها في إقليم تجراي، سمح للقوات الحكومية باستهداف طرق إمداد الجبهة وتمركزاتها من خلال الطائرات المسيرة".
قوات الأقاليم
فيما يعتقد عدد من المحللين السياسيين أن الدور البطولي لقوات الجيش الشعبي لإقليم عفر الإثيوبي والقوات الخاصة التابعة له، كان من بين الأسباب التي أدت في النهاية إلى تقهقر قوات جبهة تحرير تجراي.
كما لعبت التضاريس الصحراوية المفتوحة لإقليم عفار، والمقاومة الشرسة للقوات الخاصة التابعة للإقليم، دورا كبيرا في وقف زحف جبهة تحرير تجراي، وفق مراقبين.
وخارجيا، لعبت الحملات المساندة للحكومة والتي نظمها الإثيوبيون في المهجر، في العواصم الأوروبية والولايات المتحدة، ضد ما أسموه "التدخل الخارجي" في الصراع لصالح جبهة تحرير تجراي، دورا كبيرا في دعم الحكومة الإثيوبية، ودفع الجيش لتحقيق انتصاراته الميدانية.
الطائرات المسيرة
إلى ذلك، مثلت الطائرات المسيرة"الدرونز" التي استخدمها سلاح الجو الإثيوبي، نقلة كبيرة في المعارك ضد جبهة تحرير تجراي، إذ كانت تستهدف قوات الجبهة وتجبرها على التراجع، بعد تكبيدها خسائر كبيرة.
ووفق المراقبين، لم تتمكن قوات جبهة تحرير تجراي من تحريك آلياتها العسكرية وجنودها بعد سيطرة المسيرات على سماء المعارك في إقليمي أمهرة وعفار؛ حتى كانت دبابات وآليات الجبهة أهدافاً سهلة للطائرات المسيرة، خاصة في المناطق الصحراوية المفتوحة بإقليم عفار، ومختلف مدن ومناطق إقليم أمهرة.
شعبيا، يحتفي سكان عفار وأمهرة بالطائرات المسيرة التي غيرت موازين المعارك ضد جبهة تجراي، وباتوا يطلقون عليها اسم (بلاينيش أمدي)؛ ويعني بالأمهرية "المقاتلة التي تحول أهدافها إلى رماد".
الرفض الشعبي
في المقابل، أقر قادة جبهة تحرير تجراي، بالتفوق العسكري للطائرات المسيرة، حيث أشاروا في خطابات ومنشورات مختلفة إلى أن أسباب تفوق الحكومة تتمثل في استخدام الطائرات المسيرة، واتهموا عدة دول بتوفير هذا النوع من المسيرات لأديس أبابا، كما اتهموا القوات الإريترية بالمشاركة في الحرب إلى جانب الحكومة، وهو ما تنفيه الأخيرة .
من جهة أخرى، قال عبدالقادر محمد علي، إن العامل الشعبي المتمثل في الرفض الشعبي لتقدم قوات تجراي واستجابة المواطنين لدعوات الانضمام إلى القتال بجانب القوات الفيدرالية، أحد عوامل الحسم.
وتابع أن دعوة الحكومة للجماهير لحمل السلاح وفر مجندين في جبهات القتال، رغم مخاطر الافتقار للخبرة القتالية، أو التهور القتالي.
ويرى المحلل السياسي أن القتال الذي خاضته قوات إقليم عفار بتشكيلاتها المختلفة، أسهم في صد وإيقاف تقدم قوات جبهة تجراي نحو أهدافها النهائية المتمثلة في السيطرة على الطرق الحيوية الواصلة بين العاصمة وجيبوتي، وخنق أديس أبابا ودفع الحكومة إلى القبول بالتفاوض تحت الضغط.
توضيح رسمي
وفي تصريحات صحفية الأحد الماضي، أشار رئيس الأركان الإثيوبي، المشير برهانو جولا، إلى كثير من العوامل التي أدت لتفوق الجيش في المعارك، وإن لم يذكرها مباشرة، حيث أكد على جاهزية الجيش لمواجهة أي تهديد لسيادة البلاد.
وأوضح جولا أن الجيش يعمل على إعادة تنظيم نفسه وبناء قدراته بالتكنولوجيا الحديثة، من أجل الجاهزية لمواجهة أي تهديد لسيادة البلاد.
ورأى رئيس الأركان أن استعادة الجيش والقوات الخاصة للأقاليم، المناطق التي سيطرت عليها جبهة تحرير تجراي، في فترة وجيزة، يعد شهادة على جاهزية الجيش وقدراته.
وتابع أن جبهة تحرير تجراي انسحبت من المناطق التي سيطرت عليها في وقت سابق، بعد هزيمتها على يد الجيش وتكبدها خسائر فادحة.
كما لفت إلى أن جبهة تجراي تستخدم دعاية كاذبة مملة وشائعات تهدف إلى خداع شعب تجراي والمجتمع الدولي، موضحا "هناك حقيقة بأن الجبهة كانت تتعاون مع أعداء أجانب (لم يسمهم) وظلت تكرر رغبتها لتدمير البلاد، وهو ما خلق قدرًا كبيرًا من الاستياء بين الشعب الإثيوبي".
aXA6IDMuMTQ0LjkwLjIzNiA=
جزيرة ام اند امز