توطين اللاجئين بلبنان.. أزمة ساخنة بين بيروت والأمم المتحدة
لبنان رفض بيانا للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي رأى أنه يسعى لتوطين السوريين على أراضيه بما يضر بالبلد المضيف ومصير سوريا.
بالتزامن مع احتفال لبنان بالذكرى الـ13 لجلاء الجيش السوري عن لبنان، فوجئ بما اعتبره محاولة من المجتمع الدولي لفرض توطين اللاجئين السوريين عليه، رغم ما يسببه ذلك من أزمات اقتصادية وأمنية.
فمنذ يومين تدور رحى أزمة بين لبنان من ناحية وبين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى، حول بيان مشترك صدر عن المنظمتين في ختام مؤتمر "بروكسل2" عن الأزمة السورية واللاجئين نهاية الأسبوع، فهم منه اللبنانيون أن المجتمع الدولي يخطط لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان.
واستدل لبنان على ذلك بورود عبارات تتعلق بالمطالبة بتوفير فرص عمل للسوريين، ودمجهم في المجتمع، وعدم إجبارهم على العودة لأراضيهم، وأن تكون العودة طوعية، وضمان حق رجعوهم إلى أماكن اللجوء إذا واجهوا مشاكل جديدة، مع تحذير اللاجئين من العودة في الوقت الحالي.
دوافع الغضب
جاء في الإعلان المشترك لمؤتمر بروكسل2 -الذي تمت صياغته بدون أخذ موافقة الوفد اللبناني المشارك في المؤتمر- مقطع يقول: "وجوب ضمان أن تكون عمليات إجلاء المدنيين آمنة، ومبنية على توفر المعلومات لمَن يتم إجلاؤه، وذات طابع مؤقت وطوعي، وأن تكون الحل الأخير المتاح، وأن تشمل هذه الموجبات اختيار وجهة الإجلاء، وحفظ الحق في العودة، أو اختيار البقاء، وفقاً للقانون الدولي الإنساني".
وفيما تقول مصادر على صلة بمن صاغوا البيان، إن هذه الفقرة تتعلق بالنازحين داخل سوريا، إلا أن لبنان يشكك في ذلك لعدم ورود عبارة تؤكد أنه يخص النازحين داخل سوريا، ويخشى أن يتم الضغط عليه لتطبيق هذه الفقرة على اللاجئين في لبنان، خاصة أنه يشار إليهم في لبنان بكلمة النازحين أيضا.
كما جاء في البيان، مقطع اعتبره لبنان تخويفا للاجئين من العودة، يقول: "اتفق المشاركون على أن الظروف الحالية لا تفضي إلى الإعادة الطوعية إلى الوطن في أمان وكرامة. لا تزال هناك مخاطر كبيرة بالنسبة للمدنيين في جميع أنحاء البلاد، حيث لا يزال الوضع يتسم بمواصلة القتال والنزوح، حيث تم تشريد 2.6 مليون شخص في عام 2017 وحده. ولم تتحقق بعد شروط العودة، كما حددتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووفقاً لمعايير قانون اللاجئين الدولية. يجب أن تكون أي عودة منظمة للاجئين طوعية وفي أمان وكرامة".
وتتعلق تحفظات لبنان بكلمات أن تكون عودة النازحين "ذات طابع مؤقت" وذات طابع "طوعي"، وأن تشمل "حق العودة" و"اختيار البقاء".
كما تتعلق التحفظات بدعوة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لانخراط السوريين في سوق العمل ودمجهم في المجتمع اللبناني.
بيانات رافضة
وفور صدور البيان الدولي أصدر الرئيس اللبناني ميشال عون، بيانا صارما، جاء فيه إن "ما أورده البيان يتعارض مع الدستور ومع قسمي، ويعرّض وطني للخطر لأن مؤدّاه توطين مقنع للنازحين السوريين في لبنان".
واعتبر عون أن عبارات "العودة الطوعية" و"العودة المؤقتة" و"إرادة البقاء" و"الانخراط في سوق العمل" وغيرها "تتناقض مع سيادة الدولة اللبنانية وقوانينها"، ومع التزامه الدستوري كرئيس في حفظ استقلال وسلامة أراضي بلاده.
وأصر على أن الحل الحقيقي لأزمة النزوح السوري في لبنان هو في العودة الآمنة والكريمة إلى بلادهم، خاصة أن العديد من المناطق السورية صارت آمنة.
كما رفض "ربط عودة النازحين بالحل السياسي في سوريا أو ربط إعادة الإعمار بالحل نفسه".
وزير الخارجية جبران باسيل سارع بدوره للرد، معتبرا أن ما ورد في البيان يشكك في النوايا الدولية بسبب "أسلوب الترهيب والتخويف المعتمد في التخاطب الدولي مع لبنان، على الرغم من اعتراضه العلني سابقا على هذا المنحى الذي يغض النظر عمدا عن تحسن الوضع الأمني في سوريا".
ومخاطبا مصدري البيان قال: "لا يستطيع المجتمع الدولي إعطاء دروس لنا بالإنسانية"، مؤكدا حق بلاده في الحفاظ على الهوية اللبنانية.
من ناحيته، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري: "سبق وطالبنا مرارا وتكرارا التنسيق مع الحكومة السورية في سبيل إعادة النازحين من إخواننا السوريين إلى المناطق المحررة والتي أضحت آمنة، وخير مثال على ذلك عودة قسم من النازحين من شبعا إلى ديارهم".
وحذر أيضا من أن البيان الأممي الأوروبي المشترك يضر بالقضية السورية بما "يضمر لنا من توطين، وبما يضمر لسوريا من تفتيت وتشريد وتقسيم، ليس فقط للأرض إنما أيضا للإنسان العربي السوري".
توضيح جديد
وسعت الرئاسة اللبنانية إلى استصدار توضيحات أكثر تحديدا بشأن عبارات بيان "بروكسل2"، فالتقى عون السفير البريطاني في بيروت، هوجو شورتر، أمس الجمعة، وأبلغه أن رفض لبنان لعدد من العبارات التي وردت في البيان المشترك يعود إلى كون هذه العبارات ملتبسة، كمان أن جهات دولية تقوم بتخويف اللاجئين من العودة، بل وتحذرهم وتعرقل تلك العودة.
وفيما يتعلق بتوفير فرص عمل للسوريين، قال إن نسبة البطالة في لبنان ترتفع يوما بعد يوم وبلغت 46% في صفوف الشباب اللبناني، نتيجة المنافسة غير الشرعية التي يسببها قيام نازحين سوريين بأعمال لا تسمح القوانين والأنظمة اللبنانية بإسنادها إلى غير لبنانيين إلا في حالات استثنائية وبموجب إجازات عمل، وهو الأمر الذي لا ينطبق على أوضاع هؤلاء النازحين".
ويوجد بلبنان مليون لاجئ سوري، بعضهم عاد طواعية في الأسابيع الأخيرة بعد تحسن الأوضاع الأمنية في مدنهم.
واليوم السبت، نشرت صحيفة "النهار" اللبنانية بيانا توضيحيا صدر عن بعثة الاتحاد الأوروبي ومكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان في محاولة لتخفيف الغضب الرسمي والشعبي.
وجاء في البيان التوضيحي: "يعتبر الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجود اللاجئين السوريين في لبنان مؤقتا. والحلول التي يتم البحث عنها للاجئين هي خارج لبنان".
ولكنه أبقى على المطالبة بتوفير فرص عمل للاجئين، وإن كان سعى لتخفيف الأمر بقوله: "يمكن أن تتم المشاركة في سوق العمل حصرا وفقا لأحكام القانون اللبناني".
وصدر البيان الأممي الأوروبي بالتزامن مع احتفال لبنان الـ13 لانسحاب القوات السورية من لبنان.
واضطر الجيش السوري للانسحاب عام 2005 عقب مظاهرات لبنانية حاشدة تطالبه بالرحيل وإنهاء وصايته التي فرضها على لبنان وبدأت في نهاية سبعينيات القرن الماضي بحجة حمايته من إسرائيل، وسط اتهامات طاردته بالتسبب في انتشار التفجيرات والإرهاب والتنسيق مع إيران لتمكين مليشيا حزب الله في الساحة اللبنانية.
aXA6IDMuMTUuMTQ1LjUwIA== جزيرة ام اند امز