استفتاء جزائري لتغيير المناهج الجامعية إلى الإنجليزية
ترحيب شعبي عقب قرار الجزائر اعتزامها إجراء استفتاء إلكتروني لتغيير المناهج الجامعية من الفرنسية إلى الإنجليزية.
تعتزم السلطات الجزائرية إطلاق استفتاء إلكتروني بشأن استبدال لغة التدريس والمناهج الجامعية من اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية في سابقة هي الأولى من نوعها.
- الوحدة الوطنية ورفض العنصرية.. أبرز مطالب احتجاجات الجزائر
- اللهجة الجزائرية واللغة العربية.. تقارب أم تباعد؟
وأعلن عن ذلك الطيب بوزيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري (الجامعات) عقب توقيعه مع السفير الأمريكي بالجزائر جون ديروشر على 8 اتفاقيات في مجالات تبادل المعلومات والخبراء ورفع مستوى الموارد البشرية.
وعقب إلحاح من الطلبة الذين حضروا ندوة بين الوزير الجزائري والسفير الأمريكي حول موعد استبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية، رد بوزيد بالقول: إن "القرار النهائي يبقى في يد غالبية الأكاديميات الجزائرية، داخل البلاد وخارجها، وسيتم نشر استطلاع حول هذا الموضوع عبر الإنترنت قريباً".
حملة لـ"مقاطعة اللغة الفرنسية"
تصريح الوزير الجزائري قوبل بموجة ترحيب واسعة من قبل الجزائريين خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أنه تزامن مع حملة إلكترونية قادها نشطاء جزائريون منذ نهاية العام الماضي تحت عنوان "اتركوها تسقط"، تدعو إلى "طرد اللغة الفرنسية من الجزائر" و"مقاطعتها في الإدارات والوثائق الرسمية وفي المناهج التعليمية".
ومع انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي الذي أطاح بحكم عبدالعزيز بوتفليقة، تصاعدت حدة الحملة، وانتقلت من مواقع التواصل إلى ساحات المظاهرات، حيث حمل جزائريون لافتات تدعو إلى ما سموه "إنهاء الوصاية الثقافية الفرنسية بالجزائر" كرد على تعليقات مسؤولين فرنسيين على الأزمة السياسية بالجزائر.
ويعتبر كثير من الأكاديميين والطلبة في الجزائر أن اللغة الفرنسية "سبب تخلف الجزائر وجامعاتها"، إذ اعتمدت عليها منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962 في قوانينها وإداراتها ومدارسها وجامعاتها، في مقابل تراجع اللغة الفرنسية عالمياً في 2019 إلى المرتبة التاسعة.
واتضح من خلال المظاهرات الشعبية أن مطلب استبدال اللغة الفرنسية بالإنجليزية كان من بين مطالب المحتجين الجزائريين بـ"التغيير الجذري"، ويعتبرون ذلك "استقلالاً ثقافياً عن فرنسا" بحسب اللافتات المرفوعة في كثير من محافظات الجزائر.
وكانت وزارة الدفاع الجزائرية أول هيئة رسمية جزائرية تستبدل لافتاتها من الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية عام 2017، تبعها وقف عملاق النفط الجزائري الممثل في شركة "سوناطراك" التعامل بالفرنسية في الوثائق ورسائل البريد الإلكتروني.
قبل أن تقرر أيضا مؤسسة "بريد الجزائر" في خطوة مفاجئة منتصف 2018 إلغاء استعمال اللغة الفرنسية في جميع وثائقها الرسمية واستبدالها باللغة العربية.
ويعيب الجزائريون على رئيسهم المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة إعادة اللغة الفرنسية "من أوسع أبوابها"، خاصة عند استعماله لغة "فولتير" في خطاباته بالمحافل الدولية وفي الندوات الصحفية مع قادة الدول وبعض اللقاءات الصحفية مع وسائل إعلام دولية.
وتُدرس تخصصات علمية كثيرة في الجامعات الجزائرية باللغة الفرنسية، أبرزها الطب والصيدلة وجراحة الأسنان والهندسة المدنية والري والإعلام الآلي والميكانيك والبيطرة وغيرها.
بينما تجبر وزارة التربية والتعليم الجزائرية تلاميذ المدارس على دراستها في السنة الثانية إعدادي، ولا تدرس اللغة الإنجليزية إلا في السنة السابعة وفق ما جاءت به الإصلاحات التربوية خلال العشرية الأخيرة.
في مقابل ذلك، حافظت الجزائر على صدارة الدول التي تُستعمل فيها اللغة الفرنسية خارج منظمة الفرنكوفونية، وفق آخر تقرير لـ"مرصد اللغة الفرنسية" التابع للمنظمة الدولية للفرنكوفونية شهر مارس/آذار الماضي.
وأظهر التقرير أن عدد المتحدثين باللغة الفرنسية في العالم بلغ 300 مليون شخص، بينهم 13 مليونا و800 ألف جزائري، أي ما نسبته 33% من الجزائريين يتحدثون الفرنسية في حياتهم اليومية.
نشطاء: انتصار للحراك ولشهداء ثورة التحرير
وعقب صدور قرار وزارة الجامعات الجزائرية، أجمعت غالبية تعليقات الجزائريين عبر منصات التواصل على وصف ذلك بـ "الانتصار الكبير للحراك الشعبي ولشهداء الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي" كما ورد فيها.
فيما اعتبر آخرون أن "الإرادة السياسية باتت موجودة في الجزائر لقطع ما تبقى من نفوذ فرنسي" في بلادهم على حد تعبيرهم، وربط آخرون تلك الخطوة المرتقبة بـ"الأزمة الصامتة" التي تشهدها العلاقات بين الجزائر وباريس على خلفية مشاركة مسؤولين في المخابرات الفرنسية في اجتماعات "مشبوهة" للإطاحة بقيادة الجيش الجزائري وفق ما أكدته وسائل إعلام جزائرية ولمحت له وزارة الدفاع الجزائرية أوائل أبريل/نيسان الماضي.
وعلى الرغم من ترحيب الأكاديميين الجزائريين بالخطوة المقبلة والتي وصفوها بـ"الجريئة"، إلا أن مواقف بعضهم ظهرت متباينة من "إمكانية تطبيق القرار على أرض الواقع" بحسب ما رصدته "العين الإخبارية" مع أساتذة ومسؤولين في بعض الجامعات الجزائرية.
إنهاء المشروع الثقافي بالجزائر
الأكاديمي والباحث يحيى جعفري اعتبر في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "مسألة القطيعة مع اللغة الفرنسية لا يمكن اعتباره قطيعة مع لغة، بل مع مشروع ثقافي يعتبره الجزائريون استكمالاً للاستقلال الوطني، باعتبار علاج الشعوب من الاستعمار يتم عبر مراحل، والاستعمار هو عملية تلوث شامل وعميق ويحتاج علاجه إلى وقت".
وأضاف أن "اللغة الفرنسية في كل العالم محدودة ومحصورة ومهجورة، وحتى فرنسا تجري تعديلات على مناهجها للالتحاق بلغة العلم والبحث والتي يتداولها أكبر عدد من سكان العالم".
كما أوضح بأن "المطلب في الجزائر هو انتقال معرفي قبل أن يكون مطلباً سياسياً لاستكمال الاستقلال، على اعتبار أن اللغة الانجليزية هي حاجة معرفية بالنسبة للجزائر للتمكن من استحقاق لغة حية ولغة القرار السياسي العالمي اليوم".
ويرى الأكاديمي الجزائري أن "اللغة الإنجليزية باتت مطلباً شعبياً حقيقياً وليس عاطفياً، بحكم أن الجزائريين، وخاصة الطلبة منهم، أصبحوا أكثر تفتحاً بفضل منصات التواصل الاجتماعي، وأدركوا بأن الإنجليزية أنفع لهم، وهو اليوم يطالب به سياسياً ومعرفياً".
وظهر الدكتور جعفري من إمكانية تنفيذ القرار بحذافيره، مرجعاً إلى "وجود المطلب الشعبي الذي كان منذ القدم، لكن كان دائماً محل تردد رسمي، لعدة أسباب، أبرزها ارتباط النخب الحاكمة في الجزائر بهذا الانتماء، لكن اليوم تحررت الإرادة السياسية، وإذا جاءت سلطة شرعية قادرة على حمل هذا اللواء، أعتقد أنه من الممكن جدا الإقدام على هذه الخطوة، ولا ننسى تجارب دولية أخرى خاصة التجربة الإثيوبية وكثير من الدول".
وفي الوقت الذي يرى الدكتور يحيى جعفري بأن الجزائر "لا تمتلك التأطير الكافي للسيطرة على اللغة الإنجليزية في الجامعات وهو ما يحتاج إلى التريث ومزيد من الوقت"، فإن الدكتور لزهر ماروك يعتقد بأن "الجامعات الجزائرية تخرج سنوياً آلاف الطلبة من معاهد الإنجليزية".
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية" قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر: إن "الجزائر متأخرة كثيراً في إدراج اللغة الإنجليزية كلغة حيوية وحية من الطور الابتدائي حتى الجامعة، خاصة مع وجود لوبي قوي داخل الجزائر يخدم لصالح اللغة الفرنسية على حساب اللغة الإنجليزية، رغم تقهقر اللغة الفرنسية حتى في عقر دارها، وهذا اللوبي المنفذ داخل الإدارة عرقل إدراج الإنجليزية وقام بعملية الغلق على الجزائر حتى لا تدرجها بشكلها الطبيعي، وهذا ما جعل المنظومتين التربوية والجامعية في الجزائر تتأخران كثيراً عن الركب العالمي، والجامعات الجزائرية غير مصنفة بالنظر إلى غياب اللغة الإنجليزية".
وفي رأي الأكاديمي الجزائري "أن يأتي القرار متأخراً أحسن من ألا يأتي تماماً، ومن الضروري تثمين هذا القرار ونطبقه في أسرع وقت ممكن، والجزائر بأمسّ الحاجة للتدريس بالإنجليزية في جميع التخصصات حتى نواكب التطور العلمي والحضاري الذي يشهده العالم، وكل الدول المتقدمة اقتصادياً متحكمة بشكل جيد في هذه اللغة".
كما اعتبر أن تصريح الوزير الجزائري "جِدي وجاء في وقته، وجاء مواكباً للمطالب التي يرفعها المجتمع الجزائري في ظل هذا الحراك الشعبي الذي فتح الباب أمام النخبة الجزائرية لبناء جزائر جديدة، تذهب فيه اللغة الفرنسية التي جثمت على صدورنا لعدة عقود مع العهد البائد، وكانت لغة مفروضة على الشعب الجزائري من قبل أقلية استعملتها للانفراد بالسلطة وممارسة الهيمنة الثقافية على المجتمع الجزائري، الذي يفضل غالبيته اللغة الإنجليزية".
aXA6IDMuMTQ1LjEwNi43IA== جزيرة ام اند امز