الروبوتات والحوكمة والتواصل.. هل تتحول الحكومات إلى كيانات مؤتمتة؟
تعمل الحكومات جاهدة في عصر متغيرات التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي المتسارعة على التسلح بمهارات الاتصال المبتكر المستقبلية.
لقد تغلغل الذكاء الاصطناعي تدريجياً في مفاصل المجتمعات والحكومات، بدءًا من الهواتف الذكية، مروراً بالقيادة الذاتية للسيارات ووصولاً إلى التطبيقات المرنة، حيث استحوذت تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل ChatGPT وCopilot، بالإضافة إلى منصات رقمية مدعومة بتقنيات عالية من التكنولوجيا المتقدمة، على خيال الشعوب في جميع أنحاء العالم.
اليوم أصبح بإمكان أي مستخدم تقريبًا التزود بمهارات التواصل والإبداع عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ويمكن لأحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي تنفيذ مجموعة من المهام الروتينية، مثل إعادة تنظيم البيانات وتصنيفها، ناهيك بمساهمتها في تسريع عملية أتمتة غالبية عمليات وخدمات الحكومة وكذلك مفاصل مختلف القطاعات.
كما تتنافس مجموعة أوسع من أصحاب المصلحة لاستخدام الذكاء الاصطناعي للتأثير في مختلف الأعمال التجارية والمجتمع.
تغييرات شاملة في الاقتصاد العالمي
تشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على إحداث تغييرات شاملة في الاقتصاد العالمي، فوفقًا لتقارير "غولدمان ساكس"، بدأت أدوات الذكاء الاصطناعي تشق طريقها إلى الأعمال التجارية والمجتمع، وقد تؤدي إلى زيادة بنسبة 7% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي وزيادة نمو الإنتاجية بمقدار 1.5 نقطة مئوية على مدى السنوات العشر القادمة.
ووفقا لتقرير صادر عن شركة الاستشارات العالمية "ماكنزي" في يونيو/حزيران 2023، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تحقق عوائد اقتصادية إجمالية في حدود ما يقرب من 2.6 تريليون دولار إلى 4.4 تريليون دولار سنويًّا عند تطبيقها في مختلف القطاعات.
وعلى الرغم من عدم اليقين الكبير بشأن إمكانات الذكاء الاصطناعي، فإن قدرته على إنشاء محتوى لا يمكن تمييزه عن المخرجات التي صنعها الإنسان وكسر حواجز الاتصال بين البشر والآلات تعكس تقدمًا كبيرًا له تأثيرات اقتصادية كلية كبيرة محتملة.
أتمتة واسعة النطاق.. رافد اقتصادي تنافسي
وتمتلك تقنيات الذكاء الاصطناعي الحالية وغيرها من التقنيات القدرة على أتمتة أنشطة العمل التي تستهلك من 60% إلى 70% من وقت الموظفين حالياً، بالإضافة إلى زيادة إنتاجية العمل بشكل كبير في جميع مناحي الاقتصاد، فمن المتوقع أن يتسبب الذكاء الاصطناعي في نمو إنتاجية العمل بنسبة تتراوح ما بين 0.1% و0.6% سنويًّا حتى عام 2040، كما يمكن لأتمتة العمل أن تضيف من 0.2 إلى 3.3% سنويًّا لنمو الإنتاجية. ومع ذلك، سيحتاج العمال إلى الدعم لتعلم مهارات جديدة.
وهناك العديد من القطاعات التي ستتأثر بالذكاء الاصطناعي، ومن أهمها خدمة العملاء والتسويق والمبيعات وهندسة البرمجيات والبحث والتطوير، وذلك بنحو 75% من القيمة الناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما ستساعد أدوات الذكاء الاصطناعي البنوك والمستشارين الماليين على التفاعل بكفاءة مع العملاء عبر مجموعة من التفاعلات النموذجية، مثل: مراقبة درجة الائتمان، واكتشاف الاحتيال، والتخطيط المالي، وخدمة العملاء وإدارة المخاطر. وسيتم أيضًا استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتطوير استراتيجيات استثمارية أكثر تعقيدًا وسرعة التنفيذ لكبار المستثمرين.
وفي قطاع استراتيجي مثل الطاقة، فمن المرجح أن ترتفع الاستخدامات المحتملة للذكاء الاصطناعي عبر أنظمة الطاقة في السنوات القادمة. بالإضافة إلى التنبؤ بشكل أفضل بالعرض والطلب على الطاقة والصيانة التنبؤية للأصول المادية.
ويمكن أن تشمل التطبيقات إدارة الشبكات والتحكم فيها، باستخدام مجموعة من البيانات من أجهزة الاستشعار والعدادات الذكية وغيرها من أجهزة إنترنت الأشياء لمراقبة تدفق الطاقة في الشبكة والتحكم فيه، خاصة على مستوى التوزيع، وتسهيل الاستجابة للطلب، باستخدام مجموعة من العمليات مثل التنبؤ بأسعار الكهرباء، وجدولة أحمال الاستجابة والتحكم فيها، وتحديد التسعير الديناميكي، وتوفير خدمات محسّنة أو موسعة للمستهلكين باستخدام عمليات الذكاء الاصطناعي أو التعلم الآلي في التطبيقات وروبوتات الدردشة عبر الإنترنت لتحسين تجارب الفوترة للعملاء.
- أبل تطلق روبوتات متنقلة لتعزيز رفاهية البشر
- أضخم شركات تطوير الروبوتات عالميا.. الصين الأكبر للعام الـ11 تواليا
تأسيس حكومات مرنة وتنافسية.. ركيزتها متغيرات الذكاء الاصطناعي
وفق مفاهيم العصر الحالي، حوّلت التقنيات خدمة وإرضاء المواطنين أولوية قصوى للحكومات؛ وذلك من خلال تحليل البيانات بشكل شامل ودقيق لتقديم خدمات أكثر فعالية تسهم في تحسين الإنتاجية.
وتعد الحكومات في مختلف الأنظمة الاقتصادية المحرك والقائد لتوجهات النمو والتنمية، وكلما كانت قادرة على اللحاق بالمتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم يتسع نطاق ما تحققه من فوائد في رفع كفاءة وسرعة الأداء الحكومي ودعم التنافسية والقدرة على استشراف متطلبات النمو في المستقبل بما يحمله كل ذلك من فوائد للدولة والمواطنين، وفي عالم يشهد بزوغ تقنيات شديدة التطور مثل الذكاء الاصطناعي بأنواعه التقليدية والتوليدية، تتجه غالبية الحكومات، لاستكشاف الإمكانيات الكبيرة التي يتيحها التطور التقني، حيث لم تعد قواعد البيانات والتقنيات التقليدية كافية لتحقيق نقلة نوعية ملموسة في إنجاز المهام متعددة الأوجه للقطاع الحكومي بما في ذلك تطلع المواطنين والمستثمرين إلى إنجاز سهل وسريع للمعاملات والإجراءات.
يأتي الذكاء الاصطناعي ليفتح الباب واسعًا للعديد من الفوائد للحكومات والمواطنين، ويسهل تسخير التقنيات في الوصول للنتائج واتخاذ القرار ووضع الاستراتيجيات لرفع الأداء وتسهيل الخدمات.
وبحسب شركة "ساس" المتخصصة في الاستراتيجيات والمشروعات التقنية وتحليلات البيانات العالمية، يمكن للموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي والنماذج الأساسية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي، أن تمثل فرصة كبيرة جديدة لوضع الذكاء الاصطناعي في خدمة الحكومات، حيث أصبح بإمكان الحكومات تسخير قدرات تقنية متطورة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي أو التفاعلي حيث يتم طرح الأسئلة وتحليل البيانات واتخاذ القرارات.
فيما أوضحت شركة "ديلويت" الاستشارية في قطاع الأعمال أن قطاع الخدمات الحكومية والعامة يشهد تغيرات كبيرة في ظل التوجه نحو الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وترى دراسة صادرة عن شركة "أي بي إم" المتخصصة في التقنيات أن الانتقال لمرحلة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي والعام أصبح أكثر سهولة، فإحدى الإمكانيات المبدعة ما يمتلكه الذكاء الاصطناعي من القدرة على تعزيز التحديث الرقمي.
وترصد الدراسة ثلاثة مجالات رئيسية ينبغي التركيز من قبل الوكالات والجهات الحكومية للاستفادة الفضلى من استخدام الذكاء في تعزيز الأداء والخدمات، وهي؛ الاهتمام بالعنصر البشري وتأهيل القوى العاملة للتحول الرقمي في جميع المستويات الحكومية، ودعم المواطنين بتسهيل ملموس للخدمات، وثالثاً تحديث البنية التقنية لأن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرا حاسماً في جهود التحول الرقمي في القطاع العام.
ومن المتوقع خلال عام 2024، أن تؤدي عملية التحول الرقمي المستمرة إلى تعزيز كفاءة البرامج الحكومية وفعالية السياسات، وهناك عنصران حاسمان يقودان هذا التحول الرقمي هما البيانات والذكاء الاصطناعي الذي أصبح يلعب دورا محوريا في إيجاد القيمة من البيانات واكتساب رؤى أعمق حول المعلومات والبيانات الشاملة المتوفرة لدى الحكومات.