من جورجيسكو إلى تيت.. رومانيا في قلب معركة سياسية أمريكية

على نحو مفاجئ، تحولت رومانيا، الدولة الواقعة على أطراف أوروبا الشرقية، إلى محور اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
هذا الاهتمام يبدو غريبًا، خاصةً بالنظر إلى أن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية التي تشمل قضايا أكثر إلحاحًا مثل إنهاء الحرب في أوكرانيا، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وتوسيع النفوذ الأمريكي في مناطق أخرى من العالم.
وقد أثار هذا التحول غير المتوقع دهشة الكثير من الرومانيين الذين اعتادوا على عدم جذب انتباه دولي كبير، بل كان هذا الاهتمام غير المسبوق مُحيراً للعديد منهم.
أوانا بوبيسكو-زامفير، مديرة مركز "غلوبال فوكس" للأبحاث في العاصمة بوخارست، علقت قائلة: "إنه أمر لم يسبق له مثيل". وأضافت أنها لا تتذكر أي وقت في تاريخ رومانيا ما بعد الحقبة السوفياتية حظيت فيه شؤونها بتدقيق دقيق من الخارج.
ما السبب؟
يتركز الاهتمام الأمريكي برومانيا حول شخصيتين بارزتين: كالين جورجيسكو، المرشح الرئاسي القومي المتطرف المقرب من الكرملين في الانتخابات الرئاسية الرومانية التي أُلغيت فجأة العام الماضي، وأندرو تيت، الشخصية المؤثرة في عالم "المانوسفير" (مجتمع الذكور عبر الإنترنت) والمتهم بالاغتصاب والاتجار بالبشر من قبل السلطات الرومانية، وهي اتهامات ينفيها تيت.
هاتان الشخصيتان، على الرغم من اختلافهما الظاهري، أصبحتا محور نقاشات حادة في الأوساط اليمينية الأمريكية.
كالين جورجيسكو: القومي المتطرف
كالين جورجيسكو كان شخصية غير معروفة نسبيًا قبل الانتخابات الرئاسية الرومانية التي فاز فيها بالجولة الأولى بشكل غير متوقع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلا أن المحكمة الدستورية ألغت الانتخابات بعد تقارير استخباراتية كشفت عن تدخل روسي محتمل في حملته الانتخابية المدعومة بتطبيق تيك توك.
جورجيسكو، الذي يعارض إرسال المساعدات إلى أوكرانيا ويصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "وطني"، كان يعتبر شخصية هامشية قبل الانتخابات.
أندرو تيت: المؤثر المثير للجدل
أما أندرو تيت، فقد واجه اتهامات خطيرة بتشكيل عصابة إجرامية والاتجار بالبشر، بالإضافة إلى اتهامه بالاغتصاب. ومع ذلك، رفعت السلطات الرومانية قيود السفر المفروضة عليه وعلى شقيقه ترستان بعد ضغط أمريكي مزعوم.
تيت، الذي اكتسب شهرة واسعة عبر الإنترنت بسبب آرائه المثيرة للجدل حول المرأة والمجتمع، يعتبر نفسه ضحية اتهامات ملفقة ويشبه مشاكله القانونية بتلك التي واجهها الرئيس ترامب.
الضحية: سرديات التآمر والاضطهاد
على الرغم من اختلافهما الظاهري، إلا أن كالين جورجيسكو وأندرو تيت يشتركان في شيء واحد: كلاهما يدعي أنه ضحية "حملة اضطهاد" من المؤسسات الليبرالية الفاسدة.
هذا الادعاء، الذي يتردد صداه بقوة مع سرديات الرئيس ترامب، ساهم في تحويلهما إلى رموز في الأوساط اليمينية الأمريكية.
في جورجيسكو، يرى تيار أقصى اليمين شخصية سياسية ذات آراء غير تقليدية يتم حرمانها من الفوز في الانتخابات بناءً على ادعاءات واهية بـ "التدخل الأجنبي".
وفي تيت، يرون رجلاً مؤثراً يواجه اتهامات ملفقة لإسكاته.
وفي رومانيا، يرون أسوأ مثال لما وصفه نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس بـ "التهديد الداخلي لأوروبا".
التدخل الأمريكي المزعوم
تشير تقارير إلى أن الإدارة الأمريكية استخدمت نفوذها الدبلوماسي لدعم الشخصيتين. على سبيل المثال، ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، نقلاً عن مصادر، أن المبعوث الخاص لترامب ريتشارد غرينيل ضغط على وزير الخارجية الروماني لتخفيف القيود على الأخوين تيت خلال محادثات في مؤتمر ميونيخ للأمن.
وبعد أقل من أسبوعين من المؤتمر، رفعت السلطات الرومانية حظر السفر عن الأخوين تيت.
يرى بعض المحللين أن دعم ترامب لجورجيسكو وتيت يعكس استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض الاتحاد الأوروبي وإضعاف الديمقراطية الأوروبية. وقد أعرب ترامب نفسه مرارًا عن شكوكه تجاه الاتحاد الأوروبي ووصفه بأنه أُنشئ فقط لـ "الإضرار بالولايات المتحدة"، وهدد بفرض تعريفات ضخمة على منتجات الاتحاد الأوروبي.
وقد حظي جورجيسكو، المتشكك في الاتحاد الأوروبي، بتمجيد من المحافظين الأمريكيين الذين يشاركون ترامب غضبه تجاه بروكسل. وخلال مقابلة أجراها مع جورجيسكو في بودكاست، قال أليكس جونز، صاحب نظرية المؤامرة، إن إلغاء الانتخابات كان "أحد أكثر الانقلابات وضوحًا التي رأيتها في المائة عام الماضية - وأنا أدرس التاريخ".
aXA6IDMuMTQ5LjIzMy45MCA= جزيرة ام اند امز