لقاء القمة المنتظر بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في جنيف غدًا، لن يكون عاصفا بالضرورة.
وذلك لسببين على الأقل: الأول، هو أن العلاقات بين البلدين في أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، ما يعني أن المزيد من التوتر سوف يعود لدفع البلدين إلى تلك الحرب من جديد.
والثاني، هو أنهما قدّما مسبقا إشاراتٍ على الرغبة في التهدئة، فالرئيس بوتين حافظ على ردود محافظة حتى عندما وصفه "بايدن" بأنه "قاتل"، كما أن الرئيس الأمريكي أعلن أنه لن يفرض عقوبات على خط السيل الشمالي-2، الذي ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وقد كانت تلك إشارة واضحة إلى أن "البيت الأبيض" لا ينوي زيادة الضغوط على "الكرملين".
ولكن توجد لعبة شطرنج خفية تقف وراء ما قد يسفر عن هذه القمة، فهناك بيادق في اللعبة، وهناك أيضا ما هو أهم منها.
من جملة ملفات البيادق، تعلو قضية تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، إذ يريد الرئيس بايدن أن يحصل على ضمانات بأن هذا الأمر لن يتكرر.
"بوتين" يتمسك بنفي هذا الاتهام، كما يؤكد وزير خارجيته، سيرغي لافروف، بأن الولايات المتحدة لم تقدم دليلا يُثبت الاتهام، إلا أن التوافق على التزام الطرفين بعدم تدخل أحدهما في انتخابات الآخر سيكون بمثابة تسوية مقبولة تنزع التهمة وتحقق الهدف في آنٍ.
الشيء نفسه يمكن أن يحدث بالنسبة لملف آخر، هو تهمة الوقوف وراء أعمال القرصنة، التي هددت بعض الشركات الأمريكية.. فروسيا تعرف مسبقا أن هذا النوع من النشاطات الإجرامية هو مما يتعيَّن عليها مكافحته، لكن قضية كهذه لا تُوضع على جدول أعمال قمة الرئيسين إلا لكي يتم التوافق على مكافحتها بوضوح.
هناك أيضا اتهام بيلاروسيا باختطاف طائرة "ريان إير"، التي كانت متجهة إلى العاصمة الليتوانية بهدف اعتقال صحافي معارض كان على متنها. وفيما يطالب الأوروبيون بإطلاق سراح معارضي الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، فإن العقوبات الأوروبية والأمريكية، التي تم فرضها على بيلاروسيا، لقيت تجاهل موسكو، بل إن الرئيس بوتين ذهب إلى أبعد من ذلك بدعوة لوكاشينكو إلى لقاء تم على يخت فخم في البحر الأسود واستقبله بالأحضان.
كذلك ملف النزاع داخل أوكرانيا، حيث تدعم روسيا الحركة الانفصالية في شرق البلاد، ورغم أنه تم التوصل إلى اتفاقات لوقف أعمال العنف والبحث عن تسوية سياسية تحفظ لأوكرانيا وحدتها وسيادتها على أراضيها، فقد ظلّ الملف مفتوحا.
وهناك طبعا الأزمة السورية، فرغم أن القرار الدولي 2254 صدر بموافقة روسيا، وكان يقضي بتشكيل لجنة دستورية تنتهي بانتخابات حرة ونزيهة وخاضعة لإشراف دولي، فإن أعمال تلك اللجنة ظلت تتعثر حتى انتهاء انتخابات الرئاسة السورية.
فتحُ الأبواب لتركيا لم يكن يُقصد به فقط بيعها صواريخ إس 400، وإنما زرع شقاق بينها وبين الولايات المتحدة وغيرها من دول الحلف الأطلسي، من أجل التمادي في محاولات جرِّ تركيا بعيدا عن حلفائها التقليديين.
هذه كلها "ملفات بيادق" (أو تضحيات ببيادق) قام الرئيس بوتين بمراكمتها واحدا فوق الآخر، منذ قيام روسيا بضمّ شبه جزيرة القرم في مارس 2014 وفصلها عن أوكرانيا، وهي التي تكشف عن طبيعة الاستراتيجية التي ينتهجها.
معروف للجميع أن كل العقوبات التي تم فرضها على روسيا منذ 2014، ومن بينها طرد روسيا من مجموعة الدول الصناعية (الثماني سابقا)، كانت بسبب ضم شبه جزيرة القرم.. لقد كانت القرم هي "الرُّخ" في رقعة الشطرنج، التي يلعب الرئيس بوتين عليها، أما الأزمات والملفات الأخرى فهي بالنسبة له مجرد بيادق على تلك الرقعة.
ظلت الأزمات تتراكم، ولكن كان ذلك من أجل أن يتجاهل العالم "الرُّخ"، الذي تم التهامه بضربة خاطفة.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، المثقلان بالضغوط والأزمات، ليس أقلها الأعباء الاقتصادية لوباء كورونا، قد تدفعهما الضغوط إلى الرغبة بالفوز بالبيادق والتغاضي عن الرُّخ الذي بقي في يد روسيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة