على عكس ما تعمل من أجله إيران وتسعى لتحقيقه، تكمن مصلحة روسيا في إنهاء الصراع السوري بأسرع وقت بما يضمن مصالحها
مساحة الصراع العسكري الداخلي على امتداد الأرض السورية تتقلص، التساؤلات بشأن الصراع المقبل على النفوذ بين اللاعبين تقفز إلى دائرة الاهتمام وتحديدا بين موسكو وطهران.. كيف سيكون شكل العلاقة الروسية الإيرانية لاحقا في سوريا؟ ما هي حدود نفوذ كل منهما؟ هل تستطيع طهران الاستمرار في مد نفوذها داخل سوريا ميدانيا وسياسيا بوجود اللاعب الروسي المستأثر بشكل شبه كامل بواقع الميدان والسياسة السورية محليا وخارجيا؟ أين تلتقي أهداف ومصالح كل منهما وأين تتناقض وتفترق بخصوص مستقبل سوريا؟ ما دور وتأثير إسرائيل وواشنطن وتركيا الرافضين للوجود الإيراني في سوريا في صياغة علاقات موسكو بطهران مستقبلا؟
الدبلوماسية الروسية المنضبطة والمتماسكة تقول إنها ستبقي إيران حجر زاوية في استراتيجيتها بحيث تستطيع موسكو الرهان على وجودها عبر البوابة الإيرانية على مسارح الأحداث في الخليج العربي واليمن وإسرائيل وتركيا وغيرها، وفي أسواق النفط والطاقة العالمية، وكذلك على تخوم بحر قزوين.
تناقض المشروعين الروسي والإيراني في سوريا ليس بخافٍ، المشروع الروسي في سوريا على عكس المشروع الإيراني، سياسي بامتياز، وليس مذهبيا ولا عرقيا. الروس مقبولون سياسيا لدى السوريين شعبا وسلطة ومعارضة، إيران مرفوضة من قبل أغلبية الشعب ومن المعارضة، علاوة على تفاوت القوة والتأثير الإقليمي والدولي لدى كل منهما تبدو مصالح روسيا في المنطقة ليست متطابقة مع إيران.
روسيا ترتبط بعلاقات راسخة مع إسرائيل وإسرائيل ترفض وجود إيران بسوريا. روسيا متجانسة في علاقاتها مع تركيا وتركيا منافس لإيران تاريخيا في المنطقة. تركيا مشروعها المذهبي والعرقي عدائي مع عرقية ومذهبية المشروع الإيراني والطرفان يستحضران من التاريخ روافدهما.
سوريا وضعها صعب بسبب الحرب وتبعاتها، خياراتها محدودة جدا وهذا يفرض أحيانا قبول ما لا يمكن قبوله في الظروف العادية، ولكن لا روسيا ولا سوريا على استعداد لتحمل فاتورة المواجهة التي تلوح بها طهران بين الفينة والأخرى مع إسرائيل، فضلا عن أن روسيا لن تخاطر بعلاقاتها مع إسرائيل إرضاءً لإيران ولذلك لم تعترض موسكو على قصف إسرائيل للمواقع العسكرية الإيرانية الموجودة على الأرض السورية ولم تتصدّ لأي غارة.
روسيا يهمها إبقاء شعرة معاوية مع طهران لتوظيفها واستثمارها مع جميع القوى المشتبكة والمنخرطة في الميدان السوري "تركيا - إسرائيل - أمريكا" وكذلك لتوظيفها في خدمة مصالحها الاستراتيجية على المسرحين الإقليمي والدولي خاصة أن طهران تستعدي عددا من دول الإقليم، ولا يمكن لدولة بحجم روسيا أن تقبل وجود دولة منافسة لنفوذها ومصالحها بسوريا كإيران، بعد كل ما حققته ميدانيا وسياسيا وأمنيا، فقط يمكن لموسكو أن تراعي مصالح الدول الأخرى بحدود ما تسمح به مصالحها.
مصلحة روسيا الاستراتيجية ليست مع طهران بسبب تفاوت نسب القوة والتأثير، بل إنها مع نقيضي إيران في المنطقة وهما إسرائيل وتركيا. إيران بوضعها الراهن محاصرة ومخنوقة.. التنسيق الأمني بين إسرائيل وأمريكا وروسيا قائم علنا على مستوى رؤساء مكاتب الأمن القومي للدول الثلاث وهو تنسيق في جانب كبير منه بشأن إيران ووجودها في سوريا.
قد تقبل موسكو حصة لإيران في الجانب الاقتصادي السوري وإعادة الإعمار كجائزة ترضية ولكن ليس بعيدا أن تقايض موسكو الوجود الإيراني على الأرض السورية بمصالحها مع واشنطن وتركيا وإسرائيل حين تنضج الكعكة السورية وتصبح جاهزة لتقاسم الحصص والغنائم.. ولكن هل هذا يعني أن تفرط موسكو بعلاقاتها مع طهران في سياق نهجها الاستراتيجي المنفتح على دول العالم؟
الدبلوماسية الروسية المنضبطة والمتماسكة تقول إنها ستبقي إيران حجر زاوية في استراتيجيتها، بحيث تستطيع موسكو الرهان على وجودها عبر البوابة الإيرانية على مسارح الأحداث في الخليج العربي واليمن وإسرائيل وتركيا وغيرها، وفي أسواق النفط والطاقة العالمية، وكذلك على تخوم بحر قزوين.
على عكس ما تعمل من أجله إيران وتسعى لتحقيقه، تكمن مصلحة روسيا في إنهاء الصراع السوري بأسرع وقت بما يضمن مصالحها التي جاءت من أجلها، وهذا يقتضي رسم حدود وتدخلات اللاعبين الآخرين في الميدان السوري وإعادة تشكيل سوريا ضمن فلك السياسة الروسية بأبعاده الإقليمية والدولية وهو أمر يتطلب مراعاة هواجس ومصالح لاعبين كإسرائيل التي ترفض وجودا إيرانيا عسكريا يهدد أمنها.. ليس بالضرورة أن تلجأ روسيا لفرض خارطة طريق على إيران لتحجيم دورها في سوريا، لكن ليس مستبعدا، بالنظر إلى سلوكيات إيران ونزعتها التوسعية، أن تتصرف طهران بطرق وأساليب تجبر موسكو على مناهضتها ورفضها، وهو ما قد يشكل احتكاكا بينهما لا يعود بالفائدة على إيران وأهدافها.
بعد التوسع الحاصل في انتشار القوات الروسية على الأرض السورية وتحديدا في الشمال إثر انسحاب القوات الأمريكية من مناطق الحدود الجنوبية مع تركيا، وبعد اتفاق سوتشي مع أنقرة، لا يجوز القفز فوق المعطيات الماثلة كونها نوعا من التفاهم الأمريكي الروسي المتبادل لمصالحهما دون اتفاق علني، وهذا يقود إلى الأخذ بعين الاعتبار ضرورة مراعاة موسكو لمصالح واشنطن وحلفائها من خلال اتخاذ خطوات مقابلة تلبي رغباتها وعلى رأسها مسألة تحجيم إن لم يكن إنهاء الوجود الإيراني في سوريا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة