لعبة ماتريوشكا الروسية تسير بين خطوط النار والسياسة، وهي تحاول إخراج قسد من اللعبة تحت عنوان واحد.
ماتريوشكا، هي لعبة روسية، عبارة عن دمية كبيرة وفي قلبها مجموعة من الدمى الأصغر بالتدريج، وتقوم فكرة اللعبة على أن تختفي الدمية الأصغر مع الوقت في الأكبر، وهكذا إلى أن تتنهي اللعبة. ما يجري اليوم في شرقي الفرات بسوريا، يشبه إلى حد كبير هذه اللعبة، فبعد العدوان التركي على شمال شرق سوريا، واحتلال المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض بعمق نحو ثلاثين كيلومتراً، بحجة إقامة منطقة آمنة، بات الروسي يمتلك معظم أوراق اللعبة في هذه المنطقة بعد أن كانت تابعة للنفوذ الأمريكي بالكامل، فمن جهة ينسق الروسي مع الأمريكي ويتحرك على الأرض بالتفاهم معه، ومن جهة ثانية ينتقل من استراتيجية التنسيق مع الإيراني في سوريا إلى تحجيم دوره والحد من نفوذه، ومن جهة ثالثة يتفاهم مع التركي في الشمال والشرق، ويضع في الوقت نفسه حدوداً لدوره، ومن جهة رابعة يضغط على الإدارة الذاتية الكردية من بوابة ضرورة التصالح مع دمشق بشروط الأخيرة، وإلا فإن ما ينتظرها سيكون دراماتيكياً وكارثياً عليها، فيما خيارات الإدارة الذاتية باتت صعبة، لا سيما في ظل استمرار العدوان التركي ولو بشكل محدود.
لعبة ماتريوشكا الروسية تسير بين خطوط النار والسياسة، وهي تحاول إخراج قسد من اللعبة تحت عنوان واحد، وهو الحقوق الثقافية للكرد بعيداً عن الاعتراف بالإدارة الذاتية، فيما الروسي بات يفكر بالمرحلة الثانية من اللعبة، وهي مرحلة تتعلق بكيفية الانتقال إلى مرحلة كيفية إخراج القوات التركية والإيرانية من سوريا.
ولعل استمرار هذا العدوان يثير أسئلة كثيرة، خاصة أن تركيا والإدارة الأمريكية وقعتا على اتفاق لوقف إطلاق النار هناك، كما وقّعت أنقرة على اتفاق مماثل مع موسكو، ورغم ذلك فإن العدوان مستمر دون موقف رادع من الجانبين الروسي والأمريكي. الروسي في لعبته الجديدة بدأ يتحرك على مجموعة من الخطوط، خط التقارب بين أنقرة ودمشق من بوابة اتفاق أضنة، وخط ترسيخ المصالح العليا مع أنقرة من زاوية تفهم إبداء التفهم لأجندة الأخيرة بحجة المخاوف الأمنية، بعد أن كانت رافضة لذلك، وخط التقارب بين الكرد والحكومة السورية في دمشق، وقد نجح الروسي حتى الآن في إحداث تفاهم عسكري بين الجانبين، أفضى إلى انتشار الجيش السوري في مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، وهو انتشار خلق حالة من التحالف بين الكرد ودمشق في مواجهة العدوان التركي على الأرض، لكنه من الواضح أن هذا التحالف مرهون بحدود الدور الذي رسمه الروسي، ولعل الروسي هدف من وراء ذلك إلى تحقيق أمرين أساسيين.
الأول: دفع الكرد للعودة إلى حضن النظام، على أساس بعض الحقوق الثقافية دون القبول بشروط الإدارة الذاتية، لا سيما شرط الاعتراف بها واعتبار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) جزءاً من تركيبة الجيش السوري في المستقبل.
الثاني: فتح الطريق لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، على اعتبار أن انتشار الجيش السوري على الحدود مع تركيا والمصالحة بين الكرد ودمشق سينزعان الحجج التركية القائلة إن الكرد يعملون لتقسيم سوريا وإقامة كيان خاص بهم.
في الواقع، من الواضح أن المرحلة الأولى من لعبة ماتريوشكا الروسية، تعني إخراج قسد من اللعبة، من خلال تفكيك تحالفها مع الإدارة الأمريكية والتصويت على الوجود الأمريكي الذي حصره وظيفته هناك بحماية آبار النفط، ولعل هذا ما يفسر تركيز وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على قسد وضرورة اتخاذها خياراتها بعيداً عن تحالفها مع الإدارة الأمريكية، فيما ترهن قسد خطواتها بالتوصل إلى اتفاق سياسي مع دمشق والاعتراف بها في المستقبل، وهي في تطلعها هذا ترى أن الدور الروسي محدود وغير فعال ولا يتناسب مع مطلبها في التوصل إلى مثل هذا الاتفاق السياسي المنشود، بل ترى أن دوره (الروسي) كثيراً ما يخدم الأجندة التركية في الشمال السوري، لا سيما عندما تتغاضى عن استمرار العدوان التركي، واستهداف مناطق خارج الاتفاق الروسي – التركي، لوقف إطلاق النار.
لعبة ماتريوشكا الروسية تسير بين خطوط النار والسياسة، وهي تحاول إخراج قسد من اللعبة تحت عنوان واحد، وهو الحقوق الثقافية للكرد بعيداً عن الاعتراف بالإدارة الذاتية، فيما الروسي بات يفكر بالمرحلة الثانية من اللعبة، وهي مرحلة تتعلق بكيفية الانتقال إلى مرحلة كيفية إخراج القوات التركية والإيرانية من سوريا في إطار تفاهم روسي – أمريكي، في ظل دلائل واضحة حول الحد من الدور الإيراني ونفوذه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة