اكتشافات 2018 العلمية.. استشراف للمستقبل وغوص في أعماق الماضي

"العين الإخبارية" ترصد أبرز اكتشافات عام 2018 العلمية والتي يُمكن تصنيفها في اتجاهين هما استشراف المستقبل والغوص في أعماق الماضي.
تنطلق الأبحاث العلمية دائماً من رصد المشكلات الحالية في محاولة لاستشراف حلول مستقبلية لها، ولكن حتى يستوعب الباحثون الحاضر جيداً، يجب أن يكون لديهم تصوراً لما حدث في الماضي.. وتظهر هذه الازدواجية بين المستقبل والماضي بشكل واضح في اكتشافات عام 2018 العلمية، والتي يمكن حصرها في اتجاهين هما استشراف المستقبل والغوص في أعماق الماضي.
استشراف المستقبل
يظهر استشراف المستقبل في محاولات الباحثين لمعرفة تأثيرات التغيرات المناخية خلال الأعوام المقبلة، ومعالجة مشكلة النفايات البلاستيكية التي ثبت أنها تتسلل إلى المياه التي نشربها وهو ما يمكن حصره في الآتي:
1- الكربون الأزرق
للتخفيف من انبعاثات الكربون المسببة للتغيرات المناخية، أشارت دراسة نشرت نتائجها في مجلة الجمعية الملكية "بيولوجي ليترز" في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أن نباتات "الكربون الأزرق" مثل النباتات الساحلية كأشجار المانجروف والنباتات البحرية والمستنقعات الملحية، قد تكون أكثر الحلول فاعليةً للتخفيف من انبعاثات الكربون، بسبب قدرتها العالية على امتصاصه وتخزينه عبر آلاف السنين.
وأوضحت الدراسة أن هذه النباتات تنمو بسرعة ولديها القدرة على تخزين الكربون العضوي في التربة المشبعة بالمياه المحيطة بها، ومن ثم فإنها قادرة على تخزين الكربون بطريقة أكثر كفاءة، مقارنة بأنظمة بيئية أخرى مثل الغابات الاستوائية المطيرة، ونصحت الدراسة الدول ذات الواجهات الساحلية الكبيرة بالتوسع في زراعة هذه النبات لمواجهة تغير المناخ.
2- ذوبان الجليد بمعدلات أسرع
واستشرفت دراسة نشرتها دورية "نيتشر" المستقبل الذي ينتظر المناطق الساحلية حول العالم إذا استمرت معدلات ذوبان الجليد بفعل التغيرات المناخية على الوتيرة نفسها التي تم رصدها في منطقة "جرينلاند" الجليدية.
وحللت الدراسة المنشورة في ديسمبر/كانون الأول 2018 بيانات تعود لعدة قرون، لتصل إلى أن معدلات الذوبان خلال السنوات الماضية تزايد بوتيرة غير ثابتة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستويات سطح البحر بشكل مطرد لا يمكن تقديره على وجه الدقة، وقد ينجم عنه غرق عدد من المدن الساحلية في توقيت مبكر أكثر مما كان يعتقد الباحثون سابقاً.
3- بلاستيك في الماء
خلص بحث أجرته منظمة أورب ميديا "Orb Media" إلى ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث لمنع تسلل جزيئات البلاستيك الصغيرة إلى مياه الشُرب.
ووفقاً للبحث الخطير الذي أجرته المنظمة، وتم خلاله فحص 250 زجاجة تم شراؤها في 9 بلدان مختلفة، فإن هناك نحو 10 جسيمات بلاستيكية في كل لتر من المياه المعبأة.
4- تغييرات جينية
إذا كانت محاولات الباحثين لاستشراف المستقبل انطلاقاً من مشكلات الحاضر تسير وفق خطوات علمية محددة تضمن ألا يصاب البشر بالضرر، فإن هناك باحثا صينيا أعلن أنه أجرى تعديلات على 30 جنيناً باستخدام تكنولوجيا CRISPR/Cas9 لحذف نسختي الجين CCR5، وهو الجين الذي لا يوجد بصورة طبيعية لدى نسبة 1% من الأوروبيين، ما يجعلهم محصنين ضد فيروس نقص المناعة المكتسبة HIV.
وقال الباحث الصيني هي جيانكوي، من جامعة جنوب الصين للعلوم والتكنولوجيا في مدينة شنزِن، إنه زرع بعد ذلك اثنين من هذه الأجنّة في الأم التي وضعت توأمها هذا الخريف، وأكّد أن جميع اختباراته على الفتاتين الوليدتين أثبتت أنهما طبيعيتان وتتمتعان بصحة جيدة تماماً.
وأحدث إعلان الباحث الصيني رفضاً واسعاً في الأوساط العلمية، واعتبروه عملاً غير أخلاقي، حيث لا تزال التجارب السريرية لتعديل الجينوم في خلايا الخط الجنسي في البشر سابقة لأوانها، كما أن هذه التجارب قد تكون لها تأثيرات طويلة الأمد على حياة الشخص وأطفاله في المستقبل.
أعماق الماضي
وكما استشرف باحثون المستقبل غاص آخرون في أعماق الماضي ليخرجوا نتائج قد تفيد في فهم كثير من ظواهر الحاضر، وظهر ذلك في اكتشافات ركزت على الإنسان البدائي ورجل الثلج والديناصورات، وكذلك اكتشاف عن أقدم حيوان على وجه الأرض.
1- الإنسان البدائي
كان الاعتقاد السائد في الماضي أن التزاوج بين الانسان البدائي "النياندرتال" والإنسان الحديث حدث خلال فترة واحدة فقط من الزمان، إلا أن دراسة نشرتها دورية "نيتشر إيكولوجي آند إيفولوشن - Nature Ecology & Evolution" ، اكتشفت أن ذلك التزاوج حدث على فترات زمنية متعددة ومتباعدة، وترك بصمات جينية مميزة في الإنسان الحديث، تختلف وفق النطاق الجغرافي التي حدثت فيه عملية التزاوج.
ووفق الدراسة التي اعتمدت على فحص واسع النطاق لشظايا من الحمض النووي لإنسان النياندرتال، فإن التزاوج حدث مع إنسان حديث عاش في شرق آسيا وأوروبا، حين خرج الإنسان الحديث من أفريقيا، وتقابل مع إنسان النياندرتال في غرب أوراسيا -وهي كتلة أرضية امتدت بين ما يُعرف الآن بإسبانيا في الغرب وحتى روسيا في الشرق- نجم عن ذلك اللقاء تزاوج ترك بصمة جينية من إنسان النياندرتال في الحمض النووي للإنسان الحديث.
وكان الإنسان البدائي عنواناً لدراسة أخرى أجراها باحثون من جامعة "ليدن" الهولندية بالتعاون مع باحث من جامعة بوردو الفرنسية، وتوصلوا خلالها إلى اكتشاف مجموعة من الأدوات في كهف فرنسي استخدمها الإنسان البدائي "نياندرتال" في صناعة نيرانه الخاصة.
وأثبت الباحثون أن هذه الأدوات يرجع تاريخها إلى نحو 50 ألف سنة، ما يجعلها الأقدم من نوعها التي استخدِمت في إشعال النار.
وتوصلت دراسة ثالثة نشرتها دورية "ساينتيفيك ريبورتس" إلى أن صغر حجم أدمغة الإنسان البدائي تسبب في انقراضه قبل نحو 40 ألف عام.
وفحصت الدراسة، التي نفذها باحثون من جامعات كيئو وناجويا وطوكيو اليابانية، بالإضافة إلى علماء من معاهد أوروبية مختلفة، 4 جماجم من الإنسان البدائي عاشوا جنباً إلى جنب مع الإنسان الحديث، وقاموا بإعادة بناء أدمغتهم لمعرفة حجمها على وجه الدقة، ثم قارنوا حجم تلك الأدمغة مع أدمغة 1185 متطوعاً شاركوا في الدراسة، وهو الأمر الذي سمح لهم بالتنبؤ بالفروق الجوهرية بين أدمغة الإنسان العاقل والإنسان البدائي.
وتوصلت الدراسة إلى أن حجم الدماغ الأكبر للإنسان الحديث طور من قدرات الذاكرة العاملة والمرونة المعرفية، ما أثر في قدرته على التكيف مع البيئات المتغيرة، وهو الأمر الذي زاد من فرص بقائه على قيد الحياة مقارنة بالإنسان البدائي.
2- الإنسان الأول
ومن الإنسان البدائي إلى الإنسان الأول، حيث عثر في صحراء النفود في المملكة العربية السعودية على حفرية للإنسان العاقل الأول "الهومو سابينس"، تشير إلى أنه استوطن تلك البقعة قبل نحو 85 ألف سنة.
والحفرية التي عثر عليها الباحثون عبارة عن عظام من أصبع واحدة، لها الصفات التشريحية ذاتها لأصابعنا نحن البشر، ووفق الدراسة، لم تكن صحراء النفود السعودية في ذلك التوقيت كما هو حالها الآن، بل كانت عبارة عن واحة، تحدها بحيرة شاسعة من المياه العذبة، أمدت الإنسان الحديث بالظروف المواتية للحياة.
3- أقدم ديناصور مفترس
سجل علماء إيطاليون في دراسة نشرتها دورية "جورنال أوف لايف آند إنفايرومنتال ساينسس - Journal of Life and Environmental Sciences"، اكتشافهم لأقدم ديناصور مفترس في العالم.
وعُثر على حفرية الديناصور المكتشف في صخور يعود عمرها إلى نحو 198 مليون سنة، ويعد أصغر ديناصور مفترس ينتمي إلى العصر الجوراسي المبكر، إذ لا يزيد وزنه على طن واحد، كما أنه أقدم ديناصور مفترس في العالم.
وكان أحد الهواة قد عثر خلال عام 1996 على الحفرية بالقرب من مدينة إيطالية تبعد 80 كيلومتراً من شمال شرق مدينة ميلانو، وخضعت تلك الحفرية بعد 22 عاماً من العثور عليها لفحص علمي في متحف ميلانو للتاريخ الطبيعي، وكانت المفاجأة التي ظهرت للعلماء خلال الفحص أن بين أيديهم حفرية أصغر ديناصور مفترس في العالم.
4- أقدم حيوان
تمكن علماء من تحديد أقدم حيوان في العالم، عاش قبل 558 مليون سنة في روسيا، وأدرك العلماء أن العينة المكتشفة في منطقة نائية على ساحل البحر الأبيض في شمال غرب روسيا كانت حيواناً، بعد اكتشاف أنها تحتوي على آثار للكوليسترول، وهو نوع من الدهون والسمة المميزة للحياة الحيوانية.
وعاش الكائن الغريب الذي يبدو على شكل بصمة الإصبع خلال فترة Ediacaran، التي امتدت نحو 100 مليون سنة، قبل بداية العصر الكامبري، حيث بدأت الحيوانات المعقدة والكائنات الحية الأخرى، مثل الرخويات والديدان والمفصليات والإسفنج، تهيمن على السجل الأحفوري، وقد نشر بحثاً عن هذا الاكتشاف في مجلة العلوم.