تعديلات نتنياهو القضائية.. "العين الإخبارية" تكشف أسرار الساعات الأخيرة
على مدى 11 أسبوعا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يأمل أن تمر إصلاحاته القضائية بمعارضة يمكن السيطرة عليها.
فقط في بداية الأسبوع ال 12 من الاحتجاجات بدأ نتنياهو يميل إلى قبول تعليق الإصلاحات المثيرة للجدل، ولكنه وجد معارضة شديدة داخل حزبه "الليكود" وائتلافه الحكومي، وخاصة وزير العدل ياريف ليفين الذي عارض التعليق بشدة ولوح بالاستقالة.
ومع نهاية الأسبوع الـ 12 وجد نتنياهو أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة محليا، وأن خطواته تجد معارضة دولية وبخاصة من الحليف الأكبر لإسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية ما دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن لعرض الوساطة.
واستنادا إلى مصادر إسرائيلية عديدة تحدثت إليها "العين الإخبارية" فإن نتنياهو بات، نهاية الأسبوع الماضي، على دراية بأن لا سبيل أمامه سوى تعليق الإصلاحات ولو مؤقتا إلى ما بعد الأعياد اليهودية خلال الشهر المقبل والذي يليه.
وبحسب المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن اسمها، فإن نتنياهو أدرك بأنه شخصيا متهم محليا، وحتى دوليا، بالمسؤولية عن ما آلت إليه الأمور من انشقاق داخلي غير مسبوق في تاريخ إسرائيل.
وأشارت إلى أن ما زاد الضغوط بشكل كبير على نتنياهو هو أمران: الأول وهو الارتفاع الملحوظ في أعداد المحتجين مع تصاعد دعوات اليمين للنزول إلى الشارع أيضا، والثاني وهو تلويح اتحاد نقابات العمال في إسرائيل "الهستدروت" بالإضراب.
وإضراب نقابات العمال في إسرائيل يعني شللا اقتصاديا سيؤثر بدوره على الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، وأيضا على مكانة العملة الإسرائيلية التي أخذت بالهبوط مقابل الدولار بشكل ينذر بهبوط غير مسبوق منذ سنوات طويلة.
ولكن نتنياهو أدرك أيضا أن تحذيرات المستوى الأمني والعسكري الإسرائيلي من انعكاسات التطورات المحلية على قدرة الجيش على مجابهة التحديات الخارجية هي حقيقية وليست مجرد تحذيرات.
وعلى ذلك، فقد أراد نتنياهو النزول عن الشجرة ولكنه خشي من أن ذلك قد يؤدي إلى انهيار الحكومة التي انتظرها لأكثر من عامين.
ولذلك، فقد لجأ نتنياهو إلى عقد مشاورات في منزله بمشاركة وزير الشؤون الاستراتيجية المقرب منه رون ديرمر، وصديقه زعيم حزب "شاس" أرييه درعي وأفراد عائلته.
واستمرت المشاورات التي تم خلالها إجراء اتصالات موسعة مع الصف الأول في حزب "الليكود" اليميني الذي يتزعمه نتنياهو وأيضا مع الأحزاب الشريكة في الحكومة.
وخلص نتنياهو من خلال هذه المشاورات للحصول على تعهد من "شاس" و"يهودوت هتوراه" و"الصهيونية الدينية" بعدم الانسحاب من الحكومة في حال تعليق الإصلاحات إلى الصيف.
وأشارت المصادر إلى أن نتنياهو نجح أيضا في الحصول على تعهدات بدعمه من أقطاب حزب الليكود، وزير الرياضة والشباب ميكي زوهر ورئيس لجنة الخارجية والأمن يولي ادلشتاين، والمعارض العنيد له دافيد بيتان وزير شؤون المغتربين أميخاي شيقلي، ووزير الاقتصاد نير بركات.
فقد خرج هؤلاء جميعا في تصريحات علنية، فجر الإثنين، تؤيد التعليق المؤقت للإصلاحات القضائية من أجل حقن الدماء.
تراجع ليفين
وبحسب المصادر فقد وجد نتنياهو في هذه المواقف سلما حقيقيا للنزول عن شجرة التمسك بالإصلاحات القضائية، ومع ذلك فقد بقي وزير العدل ياريف ليفين على موقفه برفض التعليق بل ذهب إلى حد التلويح بالاستقالة.
وبشكل مفاجئ، بدأت التسريبات تصدر من حزب "الليكود" بدعوة ليفين للاستقالة من منصبه من أجل إنقاذ الحكومة.
وعلى نحو مفاجئ، أيضا خرج ليفين بتصريح بأنه "على ما يبدو لا مناص من تأجيل التشريعات الخاصة بالتغييرات في جهاز القضاء لإتاحة المجال أمام التحاور".
وأرفق ليفين تصريحه هذا بالتأكيد على أنه لا ينوي الاستقالة من منصبه في حال تعليق الإصلاحات.
كان نتنياهو قد لقن قبل ذلك قادة حزبه "الليكود" درسا بإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت من منصبه، على خلفية دعوته العلنية لتعليق الإصلاحات أثناء وجود نتنياهو في زيارة رسمية إلى لندن.
وقالت المصادر إن "خطوة الإقالة سقطت كالصاعقة على قادة الليكود، فلم يجرؤ أحد منهم على الحديث علنا عن التعليق دون أخذ الإذن من نتنياهو".
وبإزالة عقبة ليفين فقد كان يتعين على نتنياهو التعامل مع زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.
وفي اجتماع مع قادة الأحزاب الشريكة في الحكومة، صباح الإثنين، فاجأ بن غفير الحضور بتلويحه بالاستقالة، وإن كان قد تعهد بعدم التصويت ضد الحكومة في الكنيست.
لم يكن هذا التعهد كافيا لإقناع نتنياهو خاصة أن حزبي "القوة اليهودية" و"الصهيونية الدينية" خرجوا بتصريحات علنية ضد التجميد.
هذا التطور أجبر نتنياهو على تأجيل مؤتمر إعلان التجميد للمرة الأولى ثم الثانية ولاحقا الثالثة اليوم الإثنين.
صفقة "الحرس الوطني" مع بن غفير
في غضون ذلك، نجح نتنياهو بالتوصل إلى صفقة مع بن غفير، أعلن عنها حزب "القوة اليهودية" في بيان علني قبل أن يخرج نتنياهو بمؤتمره الصحفي.
وقال حزب القوة اليهودية في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه إن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتفق مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على منح الحكومة تمديدًا للدورة المقبلة، لتمرير الإصلاح من خلال المفاوضات".
وأضاف البيان "وفي الوقت نفسه تم الاتفاق بين الطرفين على أنه كخطوة إلى زيادة الحوكمة، ستتم الموافقة على إنشاء الحرس الوطني تحت إشراف وزارة الأمن الوطني في اجتماع مجلس الوزراء المقبل".
وقال بن غفير في تغريدة على تويتر إن "الإصلاح سوف يمر.. سيتم إنشاء الحرس الوطني.. الميزانية التي طلبتها لوزارة الأمن الوطني ستُقر بكاملها".
وأضاف: "لن يخيفنا أحد. لن ينجح أحد في تغيير قرار الشعب".
ويفسح هذا الاتفاق للحكومة لإجراء مفاوضات مع المعارضة حول الإصلاحات المثيرة للجدل حتى ما قبل العطلة الصيفية للكنيست بعد انتهاء الأعياد والمناسبات اليهودية في الشهر المقبل والشهر الذي يليه.
وانتقدت المعارضة الاتفاق على تشكيل "حرس وطني" وهو طلب من وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير كشرط لموافقة الأخير على تأخير خطة الإصلاح القضائي.
وقال عضو الكنيست من حزب "العمل" جلعاد كاريف إنه "يجب أن يكون الحرس الوطني تحت سيطرة الشرطة وليس تحت سيطرة جماعة اليمين المتطرف "ليهافا وبقية الكهانيين" في إشارة إلى أتباع الحاخام المتطرف المعادي للعرب مائير كهانا.
وحث جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" على معارضة تشكيل "مليشيا بن غفير التي يقرها القانون".
أما رئيس الشرطة السابق موشيه كرادي قال إن بن غفير "شكل ميليشيا خاصة لتلبية احتياجاته السياسية.. إنه يفكك الديمقراطية الإسرائيلية".
وأضاف كرادي في بيان له إن "قانون بن غفير خطير وهو سمة مميزة لتحويل إسرائيل إلى ديكتاتورية".
توقيت الإعلان
وبتوصله إلى هذه الصفقة فقد تبقى على نتنياهو تحديد التوقيت المناسب لإعلان التعليق.
ولاحظ مراقبون أن الإعلان جاء مباشرة بعد خروج آلاف من عناصر اليمين في تظاهرات في القدس الغربية وتل أبيب تأييدا للإصلاحات القضائية.
وكان اليمين قد امتنع منذ بداية احتجاجات المعارضة عن دعوة عناصره للخروج إلى الشارع.
وهذا ما أشار إليه نتنياهو في كلمته حينما قال: " من هنا أود أن أناشد أنصار المعسكر الوطني: لدينا أغلبية في الكنيست للقيام بذلك بمفردنا، مع دعم هائل بين الناس.. جاء الكثير من أنصارنا إلى القدس مساء اليوم من أجل دعم الإصلاح، ليقولوا: نحن بحاجة إلى تغيير، نحن بحاجة إلى إصلاح".
وأضاف: "أود أن أقول لكم: أنا فخور بكم.. أنتم لستم مواطنين من الدرجة الثانية، وأنا أقدر أنكم خرجتم اليوم في شوارع القدس من أجل إسماع صوتكم الديمقراطي. لن يسكت أحد صوتكم، صوتنا".
الأمر الثاني الأهم بالنسبة للتوقيت هو أنه تحدث في وقت الذروة لمحطات التلفزة الإسرائيلية في الساعة الثامنة مساء، بتوقيت إسرائيل.
وقال نتنياهو كلمة السر: "من منطلق المسؤولية الوطنية، ومن منطلق الرغبة في منع حدوث انشقاق في الأمة، قررت تعليق القراءة الثانية والثالثة للقانون في جلسة الكنيست الحالية لإتاحة الوقت لمحاولة الوصول إلى هذا الإجماع الواسع، قبل التشريع في جلسة الكنيست المقبلة".