صهر الرئيس.. هل يصبح سلجوق بيرقدار "ولي العهد" التركي المنتظر؟
قصة نجاح تركية كتبها شابٌ بات مألوفا لكل بيت في تركيا، فهو صهر الرئيس، وهو صاحب النزعة القومية التكنولوجية التي لا يختلف عليها اثنان.
إنه سلجوق بيرقدار، التي جعلت منه الطائرات بدون طيار اسما لامعا عابرا للحدود، وقد تجعله قوميته التكنولوجية وجاذبيته الشعبية الزعيم المقبل للبلاد.
هكذا خلُصت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية التي تساءلت: هل سيصبح سلجوق بيرقدار ولي العهد التركي المنتظر؟
منذ عام 2002، يتولى حزب العدالة والتنمية في تركيا السلطة. ورغم أن الانتخابات الأخيرة التي جرت في مايو/أيار الماضي تشير إلى أنه سيظل بلا منازع باعتباره الحزب الحاكم في البلاد، فإنه يواجه مع ذلك مستقبلا غامضا.
ومن المفترض أن يرسم المؤتمر الاستثنائي للحزب، الذي يبدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مسارا يضمن الفوز في الانتخابات المحلية المقبلة عام 2024.
تقول "فورين بوليسي" إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عمل على مدار العقدين الماضيين، على تمكين المحافظين المتدينين في تركيا، لكن النزعة المحافظة تطغى عليها الآن قومية جديدة.
ولفتت إلى أن القومية التي تشكل دائما قوة عاتية في السياسة التركية، تتغذى على شعور متزايد بانعدام الأمن الوطني في بيئة متقلبة جيوسياسيا.
غير أن هذا السياق المشحون يوفر في الوقت نفسه فرصا لاستعراض القوة، وهو ما يؤدي بدوره إلى تحفيز القومية الحازمة.
ومن ناحية أخرى يعمل نمو القطاع الصناعي العسكري الذي يشكل أهمية متزايدة على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي على إعادة تشكيل البنية الفوقية الأيديولوجية، حيث تحل القومية محل النزعة المحافظة باعتبارها القوة المهيمنة.
الخليفة المحتمل
ومع أن أردوغان ركز في حملته الانتخابية الأخيرة على هذه المسألة، إلا أن آفاق حزب العدالة والتنمية المستقبلية سوف يتحدد بمدى نجاح الحزب في توحيد القوميين العلمانيين والدينيين الذين يشكلون معا، وفقا لاستطلاعات الرأي، ما يصل إلى 75% من الناخبين.
شعبيةٌ يبدو أنها غير كافية على المدى البعيد، إذ يتعين على الحزب الحاكم في تركيا، لكي يبقى في السلطة، أن يعمل على توسيع نطاق جاذبيته، لا سيما أنه خسر بعضا من الدعم في الانتخابات البرلمانية التي جرت بالتوازي مع الرئاسية، في مايو/أيار الماضي، حيث انخفض إلى 35.6%، من 42.6% في عام 2018.
والأهم من ذلك أن أردوغان، وهو أيضا زعيم حزب العدالة والتنمية والذي أعيد انتخابه بشكل مريح، قال إن "2023 هي المرة الأخيرة التي أطلب فيها ذلك"، في إشارة لدعم الأمة، وأنه "سيمرر الراية للشباب" بعد انتخابات عام 2023، الأمر الذي يثير التساؤل حول من قد يكون خليفته.
تساؤلٌ قاد المجلة الأمريكية إلى صهر أردوغان سلجوق بيرقدار، رئيس مجلس الإدارة وكبير مسؤولي التكنولوجيا في مجموعة الطيران التركية "بايكار" ومنتج الطائرات بدون طيار الشهيرة والطائرات بدون طيار التي تحمل اسمه.
وقالت إن بيرقدار في أفضل وضع لإنجاز هذه المهمة، حيث دفعته الإنجازات العسكرية التكنولوجية التي حققتها تركيا إلى الشهرة العامة، وهو يعمل بنشاط على نشر شكل شعبي من القومية التكنولوجية التي تتجاوز الانقسام العلماني والديني.
وفي الأول من سبتمبر/أيلول أشار بيرقدار للمرة الأولى إلى أنه يفكر في دخول السياسة، بقوله "لم يكن طموحي أبدا أن أدخل السياسة أو أن أصبح رئيسا، بل أن أكون رائدا في صناعة الطيران التركية، ولكن إذا كان النضال من أجل التكنولوجيا الوطنية يتطلب ذلك فلن أخاف بالطبع وأعود أدراجي".
وفي تصريح آخر يوم 28 سبتمبر/أيلول، كرر عزمه على دخول السياسة، إذا لزم الأمر، قائلاً "إذا بذلت محاولات من قبل أشخاص ذوي أجندات أجنبية لرفع العقبات في طريق سعي تركيا نحو الاستقلال في مجال التكنولوجيا العسكرية، فأنا سأفعل ذلك". مضيفا "أنا مستعد لجميع أنواع النضال".
وفي إشارة إلى أن الحكومة الأمريكية تدرك أن بيرقدار قد يكون بالفعل متجها إلى منصب رفيع، تمت دعوته على متن السفينة "يو إس إس جيرالد آر فورد" خلال التدريبات البحرية الأمريكية التركية المشتركة في شرق البحر الأبيض المتوسط في أواخر أغسطس/آب الماضي، برفقة السفير الأمريكي لدى تركيا جيف فليك، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في "فورين بوليسي".
قصة نجاح
قبل عقدين من الزمن، كانت تركيا تفتخر بتصدير الثلاجات وأجهزة التلفزيون، واليوم قطعت خطوات مهمة نحو الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا والمعدات العسكرية، وقد نما قطاع الدفاع الموسع بشكل كبير خلال 20 عاما.
وتوظف ثلاثة آلاف شركة دفاعية في تركيا 80 ألف عامل ومهندس، وتبلغ عائدات التصدير حتى الآن في عام 2023 2.4 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 6 مليارات دولار بنهاية العام.
وفي الوقت نفسه، انخفضت واردات تركيا من الأسلحة بنسبة 49% في الفترة من 2018 إلى 2022، مقارنة بالفترة من 2013 إلى 2017، نتيجة الاكتفاء الذاتي التركي من الأسلحة.
ومن المقاييس الأخرى لتطور الإنتاج الدفاعي المحلي انخفاض المدخلات الأجنبية -الأجزاء والمكونات- من 80% قبل عقدين من الزمن إلى 20% اليوم.
وفي عام 2002 استثمرت أنقرة 5.5 مليارات دولار في مشاريع صناعية عسكرية، وقد قفز المجموع اليوم إلى 90 مليار دولار.
في حين زادت صادرات الأسلحة التركية أكثر من 36 بالمئة في عام 2022 مقارنة بعام 2021، مما جعل تركيا تحتل المرتبة 12 بين أكبر مصدري الأسلحة على مستوى العالم.
بينما تحتل تركيا مكانة بين أكبر خمس مصدرين للطائرات بدون طيار على مستوى العالم.
إذ أحدثت طائرات بيرقدار بدون طيار فرقا كبيرا في ساحات القتال حول العالم، وأصبحت مصدرا للفخر الوطني.
يشهد "تكنوفيست" وهو مهرجان للطيران والفضاء والتكنولوجيا تم تنظيمه منذ عام 2018 من قبل مؤسسة فريق التكنولوجيا التركية (التي يعتبر بيرقدار مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها) بالتعاون الوثيق مع الجيش والحكومة، على الجاذبية الشعبية المتزايدة للتكنولوجيا القومية.
واجتذب المهرجان في إسطنبول في الفترة من 27 أبريل/نيسان إلى 1 مايو من هذا العام 2.5 مليون زائر شخصيا.
فيما اجتذب المهرجان في أنقرة في بداية سبتمبر ما يقرب من مليون زائر، مع وصول طوابير الانتظار إلى مئات الأمتار تحت أشعة الشمس الحارقة.
لقد كان ترويج أردوغان للعظمة الوطنية والتأكيد على مكانة تركيا في العالم وإنجازاتها الصناعية العسكرية هو ما يتناغم مع الناخبين.
فأردوغان، الذي يحكم منذ عام 2015 بالتحالف مع حزب الحركة القومية اليميني والعلماني تاريخياً، حصل على دعم عدد كافٍ من القوميين العلمانيين للفوز.
ومع ذلك، وعلى الرغم من محاولته، إلا أن أردوغان لا يستطيع تحقيق الاندماج الأيديولوجي بين القومية المحافظة والعلمانية بشكل كامل، وفق المجلة الأمريكية.
القومية التقنية
وعلى النقيض من ذلك فإن القومية التقنية التي يتبناها بيرقدار ليس لها أي دلالة دينية، وهي تجتذب جمهورا قوميا علمانيا يشارك القوميين المتدينين في ارتباطهم بالفخر الوطني، ويؤيدون على نحو مماثل استعراض القوة في الخارج، ويفتخرون بالإنجازات الصناعية العسكرية التركية.
علاوة على ذلك، تتوافق هذه القومية التركية مع المصالح الغربية، إذ يساعد بيع طائرات "بيرقدار" بدون طيار إلى دول آسيا الوسطى، والاتفاق بين تركيا وكازاخستان في عام 2022 للمشاركة في إنتاج طائرات بدون طيار في كازاخستان، على تعويض نفوذ روسيا في تلك المنطقة.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4yMTIg جزيرة ام اند امز