أثبتت الأيام أن الدعم القطري للثورة الليبية لم يكن لمساعدة المواطن الليبي البسيط كما أعلنت قطر، بل كان يرتكز على أهداف مدروسة ظاهرها الرحمة وباطنها الإرهاب
بعد قيام الثورة الليبية التقيت بالعديد من قادة المعارضة الليبية التقليدية مثل "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا" وغيرهم من الشخصيات الليبرالية التي كانت تقيم في أوروبا وأمريكا بعد أن حرمتها معارضة نظام العقيد من الرجوع للوطن، كان أغلب المتابعين للشأن الليبي يرون لهذه المعارضة الليبرالية مستقبلا سياسيا في ليبيا ما بعد القذافي، عوامل كثيرة ترشحهم لهذا الدور منها أن سيف الإسلام القذافي لم يستطع إقناعهم بالدخول في مشروع ليبيا الغد -رغم أنه نحج في استدراج جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة- كما أن الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا ظلت متماسكة كفصيل معارض صامد في وجه نظام القذافي لمدة أكثر من ثلاثة عقود من محاولات القذافي ونظامه تشويه صورتهم أمام الداخل والخارج.
ذات مساء وقبل سقوط القذافي بأيام التقيت أحد أعضاء هذه الجبهة وكان قادما من قطر بادرته بالسؤال، بماذا تفسر الدور القطري المندفع في ليبيا رغم أن علاقة قطر بنظام القذافي كانت تتعدى السياسة؟ بادرني مجيبا؛ قبل عشر سنوات التقيت في لندن بأحد عناصر المخابرات القطرية فطلبت منه أن يساعدني في إقامة عمل في قطر لمزاولة بعض الأعمال التجارية فكان الجواب واضحا، إذا قالت أمريكا إن القذافي انتهى سنجمعكم في الدوحة من تحت الأرض.. قبل ذلك لا تطلب مني أي شيء، يقول المتحدث إنه التقى بصديقه القطري في الدوحة وذكره بالحديث الذي دار بينهم في لندن قبل عشر سنوات.
رغم التاريخ العريق للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا والتضحيات الكبيرة للكثير من الشخصيات الليبية الليبرالية خلال معارضتهم للقذافي إلا أن قطر لم ترَ فيهم مآربها وفضلت تمكين الجماعات الإسلامية المتشددة مما جعل البعض ينظر بعين الريبة للمشروع القطري في ليبيا.
أثبتت الأيام أن الدعم القطري للثورة الليبية لم يكن لمساعدة المواطن الليبي البسيط كما أعلنت قطر، بل كان يرتكز على أهداف مدروسة ظاهرها الرحمة وباطنها الإرهاب
العديد من الشخصيات والكيانات الليبرالية ساهمت في ثورة 17 فبراير وكان لها دور فعال في إزاحة نظام معمر القذافي عن المشهد، لكنها لم تنل رضى يد الرحمة القطرية، فعملت الجزيرة على تقليص دورها وتهميشها وعملت السياسة الخارجية القطرية على تقزيمهم لدى الغرب حيث أصرت هذه السياسية الخارجية على تضخيم دور الجماعات الإرهابية، الشريك القطري الجديد القديم في ليبيا والذي تطمح قطر أن ترسخ من خلاله أهدافها في المنطقة.
أثبتت الأيام أن الدعم القطري للثورة الليبية لم يكن لمساعدة المواطن الليبي البسيط كما أعلنت قطر، بل كان يرتكز على أهداف مدروسة ظاهرها الرحمة وباطنها الإرهاب، دعمت قطر بشكل مباشر الجماعات الإرهابية المتشددة مثل الجماعة الليبية المقاتلة وأنصار الشريعة وجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات التي مكنتها قطر من لعب دور محوري لم يكن موجودا لولا الدعم القطري لهذه الجماعات .
عولت قطر على هذه الجماعات خلال فترة الثورة وزودتهم بالسلاح المتطور والذخيرة وتكفلت قناة الجزيرة بالترويج لهم خلال فترة الثورة على أنهم المقاتلون الأشاوس الوحيدون في الساحة، بالمقابل كانت تشكك في ضباط الجيش الموالين للثورة بما فيهم اللواء الشهيد عبد الفتاح يونس، والمئات من الضباط الشرفاء الذين تم اغتيالهم في الشرق الليبي بعد نهاية معمر القذافي، كان الهدف واضحا، تريد قطر أن تقول للجميع إن هذه الجماعات المتطرفة هي من أسقط القذافي ومن حقها أن يكون لها دور في ليبيا ما بعد القذافي.
بعد الثورة سارعت هذه الجماعات المتطرفة للإعلان عن أحزاب سياسية قبل صدور قانون الأحزاب حيث أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن تأسيس حزب العدالة والبناء وأعلن سامي الساعدي ورفاقه السابقين في المقاتلة عن تكوين حزب الأمة وأعلن عبد الحكيم بالحاج عن تأسيس حزب الوطن، أما بقية المتطرفين فيعتبرون أن التحزب كفر والمفارقة هنا أن معمر القذافي يقول أيضا إن من تحزب خان.
لكن هذه الجماعات ورغم توجهها للعمل السياسي إلا أنها لم تتخل عن أجنحتها العسكرية حيث ظلت تحافظ عليها إلى اليوم.
المراقب للدور القطري في ليبيا والأحداث في المنطقة بشكل عام يلحظ أن المشروع القطري كان منذ البداية يطمح لتحقيق هدفين أساسيين؛ أولهما داخلي حيث عملت قطر على تسليم ليبيا لهذه الجماعات الإرهابية المتشددة لتكون دولة غنية تدار من الدوحة لنشر الفكر المتطرف والإرهاب في شمال إفريقيا، أما الهدف الثاني والأهم هو توفير العائدات المالية الكثيرة من النفط والغاز لمساعدة حكم الإخوان المسلمين في كل من تونس ومصر، وبذلك تخفف الدوحة النفقات المالية على نفسها في دعم ترسيخ وتمكين حكم الإخوان المسلمين في هذه الدول .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة