وضاع "شقاء العمر".. غارات إسرائيلية تغتال "حلم صابر" مرتين
محطتان مؤلمتان حملهما شهر مايو/أيار في عامي 2019 و2021 بددتا "مشروع الحلم" للمهندس الفلسطيني صابر غراب.
بكل وجع الدنيا، يروي صابر غراب لـ"العين الإخبارية" كيف ضاع "شقاء العمر" و"حلم المستقبل" جراء قصف إسرائيلي متكرر خلال عامين.
غارة إسرائيلية دمّرت بناية "الغصين" خلال جولة تصعيد في غزة عام 2019 أخذت معها مركز "هلا فلسطين" الذي أنشأه غراب، وتكرر الأمر بعد معاناة النهوض من جديد إثر القصف الإسرائيلي لبرج "الشروق" في عملية "حارس الأسوار".
رحلة كفاح عايشها المهندس صابر غراب قبل تأسيسه مركز التدريب الخاص به، قائلاً: "تخرجت في الجامعة ولم أجد عملاً حكومياً أو في مؤسسات دولية أو قطاع خاص فقررت شق طريق العمل الخاص معتمداً على ما تعلمته في الجامعة ومهاراتي التي طورتها يوماً بعد يوم".
بسبب تداعيات الحصار تصل البطالة في قطاع غزة إلى 49% فيما ترتفع في أوساط الشباب والخريجين إلى أكثر من 67%.
في عام 2014 أنشأ صابر مركزه التدريبي انطلاقاً من غرفة استأجرها في أحد المراكز التدريبية بمدينة غزة.
يقول: "بدأت أقدّم فيها دورات عدة، إلى أن قررت عام 2015 فتح مركز مستقل وجهّزته بالمعدات والأجهزة المطلوبة للتدريب في المجالات التي تميّز المركز بها على مدار سنواته القليلة حتى بات قبلة مئات الطلبة والخريجين".
ويضيف: "قدّمت دورات متخصصة في مجالات عدة مثل الأزياء والخياطة وتكنولوجيا المعلومات والصحافة والإعلام واللغات، إلى جانب تقديم دبلومات مهنية متخصصة يحتاجها السوق المحلي".
خلال مدة وجيزة وصل عدد خريجي المركز من المتدربين إلى 1400 طالب وهذا العدد كبير بالنسبة لمراكز التدريب بغزة، وفق صابر غراب.
عام بعد عام كان يزداد الإقبال على مركز "هلا فلسطين" ويتسع نشاطه ويتقدم في العمل، إلى أن تعرضت عمارة "الغصين" السكنية التي يحتل المركز أحد شققها للقصف الإسرائيلي في شهر مايو/أيار 2019.
ويوضح أن تدمير المركز ومحتوياته بالكامل ألحق به خسارة قدّرت بنحو 30 ألف دولار مرة واحدة ولم يتلق أي تعويض.
نهوض بعد التدمير الأول
يقول: "حاولت البحث عن تعويض يساعدني في العودة للعمل والوقوف من جديد لتجاوز آثار البطالة وتأثيراتها، فلم أجد تعويضاً أو مساعدة، فقررت العمل من جديد لتأسيس المركز اعتماداً على قروض وعلى حساب زواجي الذي أخرته سنتين".
تمكّن صابر من إعادة إنشاء مركزه التدريبي بتكلفة حوالي 28 ألف دولار، وبدأ يستعيد عافيته وعودته للعمل من شقة في برج "الشروق".
وذكر أنه مع بداية تعافيه قرر استئناف فكرة الزواج واستطاع تحقيق ذلك في شهر أبريل/نيسان الماضي، معتمداً على القروض في الزواج أيضاً.
ولم تكد تمر أسابيع حتى انطلقت عملية "حارس الأسوار" الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وخلالها قصفت الطائرات الإسرائيلية برج "الشروق"، الذي يضم ضمن عشرات المؤسسات منها مقر مركز "هلا فلسطين" التدريبي.
دمّرت أحلامي
بالكاد يداري صابر دموعه وهو يروي كيف أطاح القصف الإسرائيلي بحلمه للمرة الثانية خلال عامين: "دمرت أحلامي وأعمالي وتفاقمت ديوني وبت مهدداً بالملاحقة والحبس لعجزي عن الوفاء بالتزاماتي للمقرضين".
بالنسبة إلى صابر الأمر يتعدى مكتب تحوّل إلى كومة ركام: "كنت أضع قرشاً فوق قرش حتى أبني هذا الصرح الذي يوفِّر العمل لي و8 آخرين يعملون في المركز، فإذا به يصبح أثراً بعد عين".
فوق الطاقة
وازدادت مأساة صابر بعد زواجه، إذ استأجر شقة سكنية فيما يعيش أهله في شقة أخرى وهو يتولى المسؤولية عنهم، ومع تعطله الآن عن العمل مع حزمة ديون كبيرة لم يعد قادراً على تلبية الحد الأدنى من متطلبات أسرته.
يضيف: "لا يوجد معي ما يمكنني من توفير قوت اليوم، فكيف بي أعيد بناء مركز تدريبي للمرة الثالثة وأنا الذي بدأت في المرتين السابقتين من الصفر؟".
يتوجه صابر برسائل لجميع الجهات والمسؤولين لتعويضه عن الخسائر التي تكبدها جراء التدمير ليعود من جديد للعمل.
ورغم كل ما أصابه يقول: "لن أستسلم للواقع الصعب الذي نعيشه وسأسعى بقوة للنهوض من وسط الركام فلا مكان للانتظار، لكن الأمر هذه المرة فوق طاقتي ويحتاج إلى الإسراع في التعويض لمساعداتنا في تحقيق أحلامنا".