"الاستقالة الصامتة" بمؤسسات أمريكا.. كسل مموه أم حرص على توازن الحياة؟
يختار بعض الأمريكيين أسلوباً جديداً في العمل يسمى "الاستقالة الصامتة"، يضعون من خلاله ضوابط على وتيرة نشاطهم المهني.
ويشمل هذا الأسلوب رفض العمل لأكثر من أربعين ساعة أسبوعياً أو تلقي اتصالات ورسائل خلال المساء، في مسعى للتخلص من الضغوط المتأتية من مستلزمات الاستنفار الوظيفي الدائم.
فماجي بيركنز من مدينة أثينز في ولاية جورجيا درجت على العمل 60 ساعة في الأسبوع كمدرّسة، لكن الشابة البالغة 30 عاماً أدركت بعد ولادة طفلها الأول أنها لم تعد تستطيع الاستمرار بالوتيرة نفسها.
- البطالة قنبلة رهن الانفجار.. الاقتصادات الخضراء والزرقاء الحل السحري
- إعانات البطالة الأمريكية لقمة 8 أشهر.. الدولار أبرز الخاسرين
وفي مقطع فيديو على شبكة تيك توك تشرح فيه "بيركنز" سبب اختيارها الانضمام إلى حركة "الاستقالة الصامتة"، تقول "لي صور وأنا أصحح مسابقات في الطائرة وأنا في طريقي لقضاء إجازة. كان التوازن معدوماً بين حياتي المهنية وحياتي الخاصة".
وتوضح بيركنز لوكالة فرانس برس أنها تركت وظيفتها في نهاية المطاف لإعداد أطروحة دكتوراه، لكنها تواصل تسجيل مقاطع فيديو تقدم فيها نصائح في شأن كيفية إدارة العمل اليومية.
وتقول إن "اعتماد عقلية (الاستقالة الصامتة) يعني ببساطة أن يرسم المرء حدوداً تساعده على أداء وظيفته عندما يحصل على أجر في مقابل عمله. وبعد ذلك يستطيع المغادرة والعودة إلى منزله والمكوث مع عائلته".
ويبدو أن عبارة quiet quitting (أو "الاستقالة الصامتة") التي انتشرت على نطاق واسع ظهرت للمرة الأولى في منشور على تيك توك في يوليو/تموز.
وشرح المستخدم @zaidleppelin يومها هذا المفهوم، فكتب "تستمر في القيام بعملك، لكنك لا تعود منتمياً إلى عقلية إنهاك نفسك من أجل الوظيفة والتي تقوم على فكرة أن الوظيفة يجب أن تكون حياتك". وأضاف "الحقيقة هي أن الوظيفة ليست كذلك، وقيمتك كشخص لا يحددها عملك".
ولقي هذا المنشور في حينه نجاحاً ضخماً، وتلقى نحو نصف مليون إشارة إعجاب أو "لايك"، وتعليقات تعكس نقمةً لدى الجميع. ونُشر عدد من مقالات الرأي التي سعى كتّابها إلى تحليل هذه الظاهرة.
وأصبح الموضوع يثير جدلاً يتمحور على عدد من الأسئلة، ومنها مثلاً هل إن من يلجأون إلى "الاستقالة الصامتة" يحاولون فقط حماية توازنهم، وهي فكرة نابعة من نمط الحياة الأوروبي أكثر مما هي قائمة على أسلوب الحياة الأمريكي؟ أم أن هؤلاء ليسوا سوى "كسالى" يموّهون قلّة همّتهم ويجمّلونها بمسمّى على الموضة؟ وهل هم على شفير الإنهاك، ويجدر بهم أن يسارعوا إلى الاستقالة الفعلية التامة؟
- "دم وعرق ودموع"
وتُظهر البيانات المتاحة أن ثمة حاجة فعلاً إلى توازن أفضل.
ولاحظ معهد "جالوب" في استطلاع أجراه أن نسبة من يعانون إرهاق العمل ارتفعت من 38 في المئة من المشمولين بالاستطلاع عام 2019 إلى 43 غي المئة في السنة التالية، حين تسببت جائحة كوفيد-19 في إحداث تحولات كبير في عالم العمل، مشيراً إلى أن النساء في الولايات المتحدة وكندا يتعرضن للقدر الأكبر من الضغط.
وكانت ديناميكية مماثلة وراء "الاستقالة الكبرى"، أي موجة عدد الموظفين الذين استقالوا أو انتقلوا إلى وظائف في مؤسسات أخرى في الآونة الأخيرة.
ويؤكد كثر ممن لجأوا إلى "الاستقالة الصامتة" أنهم على استعداد تام للعمل الشاق، ولكن فقط خلال ساعات الدوام.
ويشكك بعض المراقبين في ذلك ويذكّرون بأن ظاهرة الموظفين الذين يرفضون العمل دقيقة إضافية بعد دوامهم ليست جديدة بل كانت دائماً موجودة، وكذلك فئة الموظفين الذين يقولون "هذا العمل غير منوط بي وليس ضمن مسؤولياتي".
وتنتقد مؤسِسة الموقع الإخباري الأمريكي "هافينجتون بوست" أريانا هافينجتون هذه الظاهرة، مشددة على أن "أحد جوانب الحياة الفَرحة" وأن تجنب الإرهاق ينبغي ألا يتجاهل "احتمال أن يكون عمل الشخص مصدر فرح له".
لكنّ وزير العمل الأمريكي السابق روبرت رايش يعتقد أن هؤلاء الموظفين "يرفضون استغلالهم".
وهذا ما تقوله "بيس" التي تفضل عدم ذكر اسمها الحقيقي.
فهي مثلاً حصلت قبل مدة قصيرة من الجائحة على وظيفة تستدعي سفرها بانتظام إلى ألمانيا.
لكنها تروي لوكالة فرانس برس أنها اضطرت إلى المكوث في شقتها في نيويورك للتمكن من الرد على الاتصالات الهاتفية في الساعة الثالثة فجراً بسبب الفارق في التوقيت.
ولحماية نفسها، بدأت تبذل جهداً أقل، وهو ما لم يتقبله أصدقاؤها الأمريكيون بسهولة.
وتقول "تبذل دمك وعرقك ودموعك في سبيل وظيفتك في الولايات المتحدة، وإذا لم تعمل، فأنت لا تستحق أن تكون هنا".
و"بعد ستة أشهر من القلق"، توقفت ببساطة عن الرد على الرسائل الإلكتروني لعدة أسابيع. وانتهى بها الأمر إلى الاستقالة.
ويرى الخبير الاقتصادي في جامعة تورنتو فيليب أوريوبولوس أن تواصلاً أفضل يمكن أن يوضح ما يريده صاحب العمل من الموظف قبل أن يقبل الأخير الوظيفة.
ويضيف "إذا كان المطلوب من الموظف أن يكون مستنفراً خلال وجوده في المنزل، فعلى رب العمل أن يبلغه ذلك منذ البداية".
aXA6IDEzLjU4LjIyNC40MCA= جزيرة ام اند امز