"العين الإخبارية" تتجول فوق أطلال مركز القيادة الإسرائيلي بسيناء
عدسة "العين الإخبارية" طافت داخل أحد أهم وأضخم الأطلال الإسرائيلية في سيناء، وهو تبة الشجرة، حيث موقع القيادة الإسرائيلي بسيناء
800 مليار جنيه خصصتها مصر لتنمية شبه جزيرة سيناء، التي كانت حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي محتلة من العدو الإسرائيلي حتى تم النصر في حرب السادس من أكتوبر 1973، لتصبح أرضاً للتنمية وأيضاً شاهدة على أطلال العدو.
ففي الوقت الذي بدأت تظهر فيه شواهد تنمية سيناء، ما زالت أرض الفيروز تحتفظ بأطلال الأقوام المهزومة في الحروب على أرضها، لتكون شاهدًا أمام الأجيال القادمة.
عدسة "العين الإخبارية" طافت داخل أحد أهم وأضخم الأطلال الإسرائيلية في سيناء، وهو تبة الشجرة، حيث موقع القيادة الإسرائيلي المهزوم على أرض مصر قبل 46 عاما من الآن.
بداية الرحلة
قبالة مدينة الإسماعيلية، وبعد عبور شاطئ قناتيّ السويس، القديمة ثم الجديدة، الذي استغرق 10 دقائق، وصلنا إلى تبة الشجرة، حيث كان يقع مركز قيادة القطاع الأوسط الإسرائيلي قبل أن يسقط بأيدي القوات المسلحة المصرية في أكتوبر 1973.
ذلك الموقع الذي أدار 9 نقاط قوية كانت تقع جميعها بخط بارليف، الأسطورة التي أقسمت إسرائيل بأنها لا تُقهر، لكنه سقط بأيدي القوات المصرية بعدة خراطيم مياه وطلمبات ضخمة، في ملحمة أكتوبر 1973، تنفيذا لفكرة اللواء الراحل مهندس باقي زكي يوسف، أحد الضباط المهندسين بالجيش المصري آنذاك.
الموقع كان مزودا بمعدات ثقيلة تمثلت في: 3 دبابات وعدة سيارات، ما زالت تقف بحالتها التي أُسرت عليها، فلم تتحرك منذ فجر التاسع من أكتوبر 1973 من موقعها.
وحولت مصر النقطة بأكملها إلى مزار سياحي، يهيئ إليك مجرد أن تطأها قدمك أنك عدت بالزمن وأنك بالفعل في أرض المعركة، وكل ما تغير فقط بعض الصناديق الزجاجية التي أضيفت في أحد الأركان لتعرض فيها الأسلحة المختلفة التي تم أسرها مع الجنود الإسرائيليين الذين تم أسرهم في واقعة إسقاط هذا الحصن، وإعداد الموقع كليا ليتحول إلى مزار وشاهد على هزيمة محتل أمام الجندي المصري.
ويضم الموقع أيضاً مبنى الإدارة الرئيسي، وفيه مكاتب الضباط الإسرائيليين، وخرائطهم ومخططاتهم المرسومة على لوحات ما زالت موجودة حتى اليوم، ومعلقة في ذات الأماكن التي كانت عليها آنذاك.
كما يشتمل الموقع أيضًا على غرف لمبيت الضباط والطاولات الصغيرة وخوذاتهم، وبعض ملابسهم.
واشتمل المبنى على المكاتب الخاصة بكبار الضباط، وتنوعت المتعلقات الموجودة داخل كل مكتب، ما بين أجهزة اتصال أرضي – تليفون – ولاسلكي، وبعض المكاتب كان يوجد بها حافظ ماء ساخن، يبدو أن وظيفته حفظ المشروبات الساخنة، وكذلك بعض الأعلام الإسرائيلية الصغيرة فوق المكاتب.
ونظرة إلى السقف، يمكنك أن تلاحظ بسهولة مسارات التكييف المركزي، وإحدى الغرف خصصت للتحكم بأجهزة التكييف المركزي في المبنى بالكامل.
كذلك ما زالت الأطباق التي كانوا يتناولون فيها طعامهم مصفوفة في الغرفة المخصصة لتناول الطعام، فضلا عن غرفة أخرى مهيئة بمعداتها للطهي.
هذا الموقع الرئيسي للقيادة في خط بارليف المندثر، سقط في 45 دقيقة لا أكثر، واتبع الجنود المصريون خطة دقيقة لإسقاطه، يرويها لـ"العين الإخبارية" اللواء طلبة رضوان، أحد أبطال كتائب المشاة بالجيش المصري الذين أسقطوا هذا الحصن.
يقول رضوان الذي كان على درجة نقيب آنذاك: هذا المكان كان خلال حرب 73 مركز القيادة الرئيسي لقيادة القطاع الأوسط الإسرائيلي خلال الحرب، هنا على ارتفاع 74 مترا من سطح الماء ما يماثل عمارة تتكون من 25 طابقا، هذا الموقع كان مسيطرًا على مدينة الإسماعيلية سيطرة كاملة، فضلًا عن كونه يُسيطر على أعمال قتال 9 نقاط قوية، من خط بارليف على الشاطئ الشرقي للقناة، وكذلك كل الاحتياطات الموجودة بالقطاع الأوسط بسيناء، ويقدر حجمها بلواء مدرع وكتيبة مشاة ميكانيكي.
كيف سقط الموقع؟ كان هذا السؤال الذي وجهناه لبطل حرب أكتوبر ليبدأ ذهنه في قراءة تلك المساحات المضيئة داخل الذاكرة والتي لا يمكن أبدًا أن تُنسى تفاصيلها.
وهنا قال رضوان إن سقوط هذا المركز كان يسبقه تمهيد ليس بهيّن، فقد كان موجودا في هذا المكان سرية مدرعة مكونة من 14 دبابة وفصيلة مشاة ميكانيكي مكونة من 44 فردا إسرائيليا مشاة.
وتابع: "كان يجب تحييد هؤلاء من مواجهتنا وفي الوقت ذاته نحاول قدر الإمكان إحداث أكبر نسبة خسائر في البشر والمعدات والأسلحة الخاصة بالعدو، لتسهيل وضمان نتائج الهجوم من جانبنا، وفي الوقت نفسه نتمكن من تدمير كل الطاقة الموجودة به من أفراد وأسلحة".
ويستطرد اللواء طلبة رضوان: "عملية التمهيد كانت في يوم السادس من أكتوبر يوم بدء الحرب، دُفعت مفرزة لاستدراج هذا الاحتياطي -سرية الدبابات التي كانت هنا- لتواجهني على مسافة 2 كيلومتر من القناة، بالتالي ننزع من العدو في مركز القيادة عنصر الحماية الخاصة بهذا الموقع".
وتابع: "وهو ما حدث بالفعل بفضل أفراد كتائب المشاة بالجيش المصري، وتم تدمير هذا الاحتياطي بالكامل والقضاء على كل أفراده وأصبح الموقع هنا بدون حماية ويعتمد فقط على قدرة الموجودين به من ضباط وجند العدو في الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم، وببعض المعدات التي ظلت هنا في الموقع".
45 دقيقة.. زمن السقوط
واستكمل حديثه لـ"العين الإخبارية": "في فجر يوم 9 أكتوبر صدرت الأوامر بالاستيلاء على هذا الموقع، كنا نعلم أنه بدون حماية أولًا، وثانيا نعلم أن عدونا لا يجيد القتال ليلًا، فوضعنا الخطة على هذا الاعتبار".
وأشار إلى أنه عندما تقدمت القوات "شعر بنا قائد الموقع الإسرائيلي، فأخذ سيارته الجيب وهرب فورًا وبالتالي أعطى عاملًا مساعدًا سهّل سقوط الموقع بشكل أسرع، فأصبحت إرادة القتال لدى أفراد المكان ليست بالقوة التي تمكنهم من المواجهة بعد هروب القائد، وظهرت مظاهر الرعب والفزع على وجوههم، وفي 45 دقيقة تماما، كانت النقطة الإدارية قد سقطت في أيدينا ومحتوى الموقع بالكامل".
وتابع شارحا التفاصيل: "بدأنا الهجوم من الاتجاه الجنوبي الشرقي، وهذا الموقع ليس له إلا هذا المدخل وهو المخرج الوحيد أيضاً، حيث كان يحيط بالموقع من الجهات الأخرى حقل ألغام، فكان لزاما أن يتم الهجوم من هذا المدخل".
وأوضح: "بمجرد اقترابنا من الموقع هرب قائد الموقع بسيارته، فقد كان على مسافة بعيدة، لكننا استمررنا في التقدم حتى وصلنا إلى خط الهجوم المرسوم لنا، واقتحمنا من خلال فتحات الهروب والأبواب الموجودة في الموقع، ولم نجد مقاومة تذكر لا سيما وأن إرادة القتال زالت من داخل قلوب المجموعة التي تركها القائد".
وقال في فخر ونشوة انتصار: "كانوا 44 فردا تم أسرهم وتسليمهم للجهات المختصة، وبعد 45 دقيقة (أرسلنا "تمام" للقيادة)، أنه تم إسقاط الموقع وتطهيره من أي قوات إسرائيلية فيه، وتدمير جميع الأسلحة التي كانت تدافع عنه متمثلة في الدبابات الثلاث الموجودة هناك وعربات الـ"أم 113" الخاصة بالمشاة الميكانيكي، وحاملة الجند وسقطت هذه المعدات على هذه الهيئة نفسها منذ ذلك اليوم وحتى الآن.
حالة من الفزع تبدو أيضًا على هيئة المعدات الإسرائيلية الموجودة الآن بأرض معركة تبة الشجرة، وغالبا ما تعكس الذعر الذي سيطر على الجنود الإسرائيليين الذين كانوا يستقلونها في هذا الوقت.
وهنا يقول اللواء رضوان: "الجندي الإسرائيلي لا يجيد القتال الليلي، وكانت هذه معلوماتنا عنهم أيضا قبل الحرب، وأيضا مخابراتنا لم ترصد لهم أي تدريبات ليلية، القتال الليلي عموما يحتاج إلى مهارات خاصة كانوا يفتقدونها، ومن تبقى منهم في الموقع بعد هروب القائد لا تختلف وجوههم وقت أسرهم عن وجوه هذه المركبات".
ويشير بيده: "هذه مركبة مدرعة، إم 113 أمريكي الصنع، كانت تعتبر أحدث دبابة في ترسانة الجيش الأمريكي الحربية، وبالتالي كانوا يمدون إسرائيل بها".
وهذه العلامة التي تشبه رقم 7 بالعربية، أو حرف الـv بالإنجليزية تدل على ترتيب المركبة داخل الكتيبة، فهذه تابعة للسرية الأولى كل مركباتها تحمل العلامة نفسها، دبابة القائد يتم "تعليمها" برسم حلقات بيضاء حول ماسورة الدبابة، وحسب الترتيب، السرية الأولى حلقة واحدة، الثانية حلقتان وهكذا.
وعن سبب تسمية المكان بتبة الشجرة، يقول رضوان: "هي مسميات من مئات السنين يطلقها البدو بمفهومهم البسيط، ونحن عندما كنا نرفع المواقع فوق الخرائط، نلجأ للبدو لنعرف المسميات التي أطلقوها على المواقع".
وأثناء الهجوم على المنطقة لم يكن بها أي شجر، البعض يقول إنه كان بها شجرة وحيدة، وآخرون يقولون إن الموقع يظهر من السماء بهيئة الشجرة، وعلى كل حال فقد تحول الموقع إلى مزار سياحي سنة 1991.