ديون ونكسات.. دولة كبرى إلى نفق مظلم
من الأزمة المالية إلى الحرب الروسية الأوكرانية اقترضت بريطانيا وشقّت طريقها للخروج من كل مأزق لكن حاليا أصبحت فاتورة ذلك مصدر قلق.
هذا ما رآه تحليل لوكالة بلومبرغ الذي أشار إلى ارتفاع الدين العام في المملكة المتحدة بأكثر من 40٪ إلى ما يقرب من 2.6 تريليون جنيه استرليني منذ تفشي الوباء، تاركا البلاد مدينة بأكثر من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي السنوي لأول مرة منذ عام 1961.
كما تعتمد المملكة المتحدة بشكل كبير على السندات المرتبطة بمعدلات التضخم، وهو ما يعني أيضاً أن بريطانيا ستدفع أعباء خدمة دين أكثر من أي اقتصاد متقدم آخر.
دوامة سلبية
وفي حين أن الإنفاق الضخم ساعد الحكومة التي يقودها المحافظون على التخفيف من التأثيرات السياسية للنكسات الأخيرة، إلا أنه يهدد حاليا بتراجع الاستثمار ودفع المملكة المتحدة إلى دوامة سلبية قد تستمر لسنوات.
وحذر مكتب مسؤولية الميزانية آو بي ار الشهر الماضي من أن الدين يمكن أن يتضخم إلى أكثر من 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي على مدى نصف القرن المقبل دون اتخاذ إجراء.
وأعادت النظرة السلبية إشعال التساؤلات حول التصنيف الائتماني للمملكة المتحدة، خاصة بعد أن فاجأت وكالة فيتش وول ستريت والبيت الأبيض بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
ويقوض تخفيض التصنيف الائتماني للمملكة المتحدة جهود رئيس الوزراء ريشي سوناك لإعادة بناء المصداقية المالية لبريطانيا بعد أن تسببت سلفه، ليز تراس، في انهيار سوق السندات قبل عام من خلال الوعد بتخفيضات ضريبية ضخمة.
وتفاقمت الضغوط بسبب عمليات بيع السندات وسط الزيادات الشديدة في أسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا لقمع التضخم. وارتفع العائد على سندات 10 سنوات هذا الأسبوع فوق 4.70٪ إلى أعلى مستوى له منذ عام 2008، حيث يعد سوق السندات البريطانية من بين أسوأ أداء في العالم المتقدم هذا العام.
وليس أمام سوناك ومنافسه الرئيسي على منصب رئيس الوزراء زعيم حزب العمال كير ستارمر بعد الانتخابات المتوقعة العام المقبل سوى خيارات قليلة.
ومن المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي ثابتا خلال العام المقبل، وتتجه خدمة الصحة الوطنية إلى نقطة الانهيار والعبء الضريبي بالفعل عند أعلى مستوى له منذ 70 عاماً.
وحذر مكسيم ريبنيكوف، كبير المحللين الاستراتيجيين في وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز، أنه لا توجد طريقة سهلة للخروج من الوضع الحالي لأن الصورة المالية تثقل كاهل التصنيف في الوقت الحالي.
ومن المقرر أن تقوم شركات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث بتحديث تقييماتها للمملكة المتحدة خلال الأشهر الأربعة المقبلة. ومن المتوقع أن تعلن وكالة التصنيف العالمية موديز وستاندرد آند بورز في 20 أكتوبر/تشرين الأول ووكالة فيتش في الأول من ديسمبر/كانون الأول.
مخاطر الإنفاق
وقال مايك كودزيل، مدير محفظة في شركة باسيفيك انفستمنت مانجمنت، إن تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة كان بمثابة تذكير أن المخاطر المتعلقة بالإنفاق مع عجز الميزانية يعني تحمل الكثير من الديون.
وعلى عكس الولايات المتحدة ليس لدى المملكة المتحدة وضع قوي تخسره، حيث جردت وكالة موديز وفيتش البلاد من أعلى تصنيف لها قبل عقد من الزمان، تليها ستاندرد آند بورز في يونيو/حزيران 2016، بعد أيام من تصويت البريطانيين لمغادرة الاتحاد الأوروبي. ولا تزال المملكة المتحدة تتمتع بتصنيف استثماري مع جميع الوكالات الثلاث.
وجعل سوناك تخفيف عبء ديون البلاد أحد التعهدات الخمسة الرئيسية، وذلك على الرغم من الدعوات شبه اليومية لخفض الضرائب وزيادة الإنفاق لتعزيز الاقتصاد الذي يعاني من ركود.
وكان أحدث إجراءات التصنيف للمملكة المتحدة إيجابية، حيث قامت ستاندرد آند بورز بتعديل نظرتها إلى مستقرة من سلبية في أبريل/نيسان. لكن وكالة موديز وفيتش أبقتا البلاد على نظرة مستقبلية سلبية في تقرير الشهر الماضي.
وفي حين أن خطر خفض التصنيف مرة أخرى غير واضح، إلا أن خبراء يشيرون إلى أن التأثير على الأصول البريطانية يمكن أن يكون أكثر حدة مما كان عليه بالنسبة للدولار وسندات الخزانة الأمريكية.
وقال سام زيف، رئيس وحدة الصرف الأجنبي في بنك جي بي مورغان، إن المملكة المتحدة أكثر عرضة لمخاطر القدرة على استدامة الوفاء بالديون لأن الجنيه الاسترليني -على عكس الدولار الأمريكي- ليس العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم.
وصدرت السندات المرتبطة بالتضخم لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي في عهد رئيسة الوزراء آنذاك مارغريت تاتشر.
ويظهر تقرير الخزانة في ذلك الوقت أن المسؤولين كانوا على علم بمخاطر ربط الدين بالتضخم، حيث تراكمت هذه السندات على مدى عقود من التضخم المنخفض.
وتمثل السندات الحكومية المرتبطة بالتضخم الآن ربع السندات البريطانية المستحقة، وهذا يمثل ضعف حصة إيطاليا، ثاني أكبر مصدر لتلك السندات بين الاقتصادات المتقدمة.
aXA6IDE4LjIyMS4xODMuMzQg جزيرة ام اند امز