الصومال في أسبوع.. أزمة دبلوماسية مع كينيا وكارثة أمنية بعد سحب أميصوم
منذ أسبوع والصومال يعيش في مستنقع أزمات بعضها دبلوماسي والآخر أمني وثالث يرتبط بقمع الصحافة.
يعيش الصومال، منذ أسبوع، على صفيح دبلوماسي وأمني ساخن، إثر أزمة دبلوماسية حادة مع كينيا، التي سرعان ما تحولت إلى قطيعة دبلوماسية بين البلدين، ثم صدمة أخرى بقرار بعثة الاتحاد الأفريقي سحب قوة "أميصوم" من إحدى الولايات الصومالية.
واستدعت كينيا، مطلع الأسبوع، سفيرها لدى مقديشو بغرض "مشاورات عاجلة" معه، كما طلبت من سفير الصومال مغادرة بلادها على خلفية تنظيم مؤتمر لبيع النفط الصومالي في لندن، بداية فبراير/ شباط الجاري.
- قطيعة الصومال وكينيا.. ثلاثية حركة الشباب وفرماجو والنفط
- محاكمة عسكريين صوماليين بتهمة بيع أسلحة في أسواق مقديشو
وأوضحت الخارجية الكينية، في بيان لها، أن استدعاء سفيرها في مقديشو جاء إثر طرح الحكومة الصومالية عطاءات التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية الكينية، الواقعة على الحدود وهي متنازع عليها بين الطرفين.
الخطوة الكينية وإن بدت مفاجئة لكل الأوساط الدبلوماسية والإقليمية إلا أنها أثارت كثيراً من التساؤلات حول أسباب تجدد الخلافات والصراعات بين البلدين، كما أظهرت مخاوف بشأن مستقبل العلاقة بين نيروبي ومقديشو في وقت تشهد فيه منطقة القرن الأفريقي تحولات جديدة، وبروز جهود دبلوماسية إقليمية لـ"تصفير" الأزمات السياسية ومشاكل الحدود التاريخية بين الدول.
تواطؤ فرماجو مع حركة الشباب الإرهابية
وأكد عدد من الخبراء لـ"العين الإخبارية" أن الأزمة بين كينيا والصومال تفجرت في هذا التوقيت، ما عكس مشكلة عميقة بين البلدين، أبرزها تهاون حكومة الرئيس الحالي عبدالله فرماجو في القضاء على حركة الشباب الإرهابية التي تمددت داخل العمق الأمني لكينيا، متسببة في صداع مزمن لحكومة نيروبي.
وأعاد الخبراء التذكير بالاتهامات التي وجهتها سلطات نيروبي إلى نائب رئيس جهاز الأمن والاستخبارات الصومالي، فهد ياسين، بتزوير جوازات كينية واستخدامها في رحلات خارجية، ثم رفض فرماجو لطلب الرئيس الكيني بالإبقاء على أحمد مدوبي حاكم إقليم جوبالاند، الذي أبدى تعاونه مع الحكومة الكينية.
فيما كشفت مصادر خاصة لـ"العين الإخبارية" أن اتخاذ فرماجو ورئيس وزرائه حسن خيري سياسات تفجير المشاكل الإقليمية وإظهار مواقف متطرفة تجاه كينيا وتعمد استفزازها عجل بالأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
وأرجعت تقارير صومالية الأزمة الحالية إلى قيام حكومة فرماجو، على هامش مؤتمر لندن للنفط، بعقد اتفاقيات وصفقات بيع لأكثر من 40 حقلاً نفطياً ضمن الحدود الصومالية الكينية، ما فسرته حكومة نيروبي بأنه استباق للقرارات والنتائج المنتظرة لقرارات المحكمة الدولية في لاهاي بخصوص النزاع بين البلدين.
وبحسب الخبير في شؤون القرن الأفريقي، الزمزمي بشير عبدالمحمود، فإنه رغم قوة موقف الحكومة الصومالية وأحقيتها في استثمار الحقول النفطية الواقعة تحت سيادتها وردة فعل نيروبي المتسرعة، فإن شقة الخلافات اتسعت بسبب التحولات في السياسة الخارجية لمقديشو مع فرماجو، واتخاذه سياسة متشددة تجاه كينيا التي كانت أول من استقبل الصوماليين الفارين من ويلات الحرب الأهلية في 1991.
الزمزمي أكد أن الصومال يبدو في موقف أقرب إلى ربحان القضية في المحاكم الدولية، لكنه في نفس الوقت سيضعف من موقفه مع الكثير من حلفائه الإقليميين، ويضع البلاد في عزلة إقليمية لاتخاذه سياسات عدوانية تجاه جيرانه.
وقال إن مقديشو في حاجة إلى جيرانها من عواصم الإقليم، خصوصا نيروبي لوضع حد لمشاكل النازحين والحدود وتمدد الإرهاب، موضحاً أن القطيعة الدبلوماسية ستلحق ضرراً كبيراً بالجهود الإقليمية لحلحلة قضايا منطقة القرن الأفريقي.
ويبدي الخبير الأمني محمد البدوي تخوفا من تسبب هذا الخلاف الدبلوماسي الحالي في تمدد الجماعات الإرهابية، مثل حركة الشباب الإرهابية التي وصلت إلى الداخل الكيني، محذراً من أن تصدع علاقات البلدين سيقلل من جهود التعاون الأمني بينهما، ما سيكون له عواقب خطيرة.
انسحاب القوة الأفريقية
وبدا واضحاً أن كوارث الصومال لا تأتي فرادى، إذ بدأت بعثة الاتحاد الأفريقي العاملة في البلاد (أميصوم) تنفيذ خططها بسحب قواتها من بعض المناطق، وأبرزها ولاية هيرشبيلي، حيث قررت سحب 1000 من القوات البوروندية العاملة فيها.
وناقش مؤتمر انعقد في مقديشو، بداية الأسبوع واستغرق 5 أيام، بحضور قيادة بعثة أميصوم وكبار الضباط في الجيش الصومالي وممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، خطة الانسحاب من البلاد وتسليم المهام الأمنية إلى قوات مقديشو.
وحذر مراقبون أمنيون من خطورة هذا الانسحاب، في التوقيت الحالي، الذي يتزامن مع تصاعد هجمات حركة الشباب الإرهابية وعدم جاهزية الجيش الصومالي لتسلم المهام الأمنية في البلاد، خصوصاً في مناطق ما حول مقديشو.
وتفيد التقارير بأن الحركة الإرهابية لا تزال مسيطرة على عدد واسع من المناطق في الجنوب والوسط، وممارستها بسط سلطاتها وفرض الجبايات على المواطنين، وتقديم بعض الخدمات، ما يُنبئ بضعف قبضة الحكومة على كثير من المناطق.
ومع اتهام الصوماليين لفرماجو بالفشل في القضاء على حركة الشباب الإرهابية وإضعاف سلطات حكام الأقاليم الذين يدركون الصعوبات الأمنية، وتعنت حكومة مقديشو واتخاذها خطوات ذات طبيعة متشددة تجاه هؤلاء الحكام، يقول مراقبون إن الصراعات بين الحكومة الفيدرالية والولايات ألقت بظلالها على المشهد الأمني.
ونبه المراقبون إلى حالة عدم التوافق الحالية على سياسة أمنية موحدة لمحاربة حركة الشباب الإرهابية، التي استطاعت اختراق جميع المؤسسات الأمنية وأجهزة المخابرات وزرع عملائها بداخلها، ما يعرقل عمليات القضاء عليها.
وبحسب الخبير الأمني الصومالي شريف فارح عبدول، فإن الطموحات ببناء جيش صومالي قوي في البلاد أصبحت شبه مستحيلة، بسبب تورط قيادات عسكرية عليا في قضايا فساد وموالاتها لقطر، وتنفيذ أجندة الدوحة لإضعاف الجيش الصومالي، وجعله غير قادر على مواجهة الحركات الإرهابية التابعة لتنظيم الحمدين.
فارح أكد أن هناك مشكلات أخرى مثل مشكل الكفاءة ومدى تعاون الجيش مع المواطنين وقدرته على العمل في مناطق خارج مقديشو، موضحاً أن توقيت انسحاب "أميصوم" من البلاد غير مناسب، بسبب حجم التخريب الذي مارسته حكومة فرماجو بالجيش، واختراق قطر لقياداته وتحكمها بالقرارات داخله.
التضييق على الصحافة
حكومة فرماجو لم تترك فرصة لقمع الصحافة والإعلام إلا استغلتها، في وقت نددت فيه نقابة الصحفيين بالإجراءات التعسفية التي تمارسها تجاه أبناء تلك المهنة.
وقال الأمين العام لنقابة الصحفيين، محمد إبراهيم معلمو: "إن السلطات اعتقلت صحفيين اثنين مستقلين دون تهم محددة"، مضيفاً أن الحكومة تجبر الصحفيين على أخذ معلومات محددة من مكتب رئيس الوزراء وتقييد الحصول على المعلومة.
ووصف معلمو سلوك الحكومة الصومالية بأنه يتنافى مع أخلاق مهنة الصحفيين، مطالباً بإنهاء المضايقة المستمرة والتخويف واستهداف الصحفيين المستقلين، وإيقاف إجراءات الاعتقال التعسفي والاحتجاز.
وفي عام 2018، أقر مجلس الوزراء الصومالي قانوناً ينشئ هيئة تنظيمية قانونية يعين وزير الإعلام أعضاءها؛ لمراقبة محتوى وسائل الإعلام المطبوعة والمذاعة.
وحسب خبراء إعلاميين صوماليين فإن القانون يتسم بالغموض، ويعتبر تضييقاً جديداً على حرية الصحافة والإعلام، ويمنح سلطات للأجهزة الأمنية لمحاكمة الصحفيين وملاحقتهم قضائياً.
aXA6IDMuMTcuMTU0LjE0NCA= جزيرة ام اند امز