سوق الزاوية في غزة.. طقوس رمضانية تتحدى الزمن
بمحاله القديمة وأقواسه التراثية، وبضائعه المتنوعة وعرضها الجذاب، يجلب سوق الزاوية بغزة آلاف الفلسطينيين في شهر رمضان.
وفي صباح كل يوم وحتى المغرب يضج السوق التاريخي الذي يعود بناؤه إلى العصر المملوكي بالحياة، وهو يقع إلى الشرق من ميدان فلسطين وسط مدينة غزة بجانب سوق القيسارية القديم.
وبسقف مقبب بعقود متقاطعة، يمثل نمطاً معمارياً مميزاً، يواجه سوق الزاوية التغيرات المناخية فهو يلائم الأجواء وظروف المناخ المختلفة، ويسمح بتمرير الهواء والشمس عبر النوافذ وفتحات الإضاءة التي أعدت ببراعة لتواكب رحلة الشمس من الشروق إلى الغروب.
وبحضور عابر للسنين، وجمالية البناء الهندسي أخذ السوق موقعه بين المناطق الأثرية التي أقيمت في البلدة القديمة بغزة، ويعتز أهلها اليوم بهذا التراث العريق.
المسجد العمري
وفي نهاية السوق من الجهة الشرقية يتمركز الجامع العمري الكبير، الذي أنشأه السلطان محمد بن قلاوون عام 1329م، ويفتح باب منه على وسط السوق ليسهل حركة التجار ورواد السوق من وإلى المسجد.
في كل مرة يذهب عادل حمادة إلى السوق يشعر بالانتعاش وتراث غزة القديم يتسلل إلى جوانبه، فيما تأخذه قدرة البائعين على عرض بضائعهم المتنوعة.
وقال حمادة الذي يقطن في حي الشجاعية إلى الشرق من السوق: "زيارة سوق الزاوية من الطقوس الرمضانية الأصيلة بالنسبة لي عصر كل يوم، حيث أمضي فيه بعض الوقت لشراء الاحتياجات وتمضية الوقت والتمتع بجمال المكان".
رونق رمضاني
وفي شهر رمضان، يتميز السوق برونق رمضاني، حيث يعلق أصحاب المحال التجارية في ممراته الفوانيس وحبال الإضافة وأهلة رمضان، وتكثر عروض المنتجات الرمضانية كالتمر والمخللات والقطايف.
ورغم قيود كورونا يغص السوق بالباعة والمشترين وعلى جانبه تصطف المحال وأمامها بسطات كبيرة تعرض عليها البضائع المتنوعة.
وفي حين كان السوق سابقا يركز على العطارة والبهارات بات عامرا بكل أنواع البضائع من فواكه وبقالة وخضروات وأدوات منزلية، مع حضور متميز للعطارة والبهارات ومشهيات رمضان وزيناته التي تبدو حاضرة في كل مكان عبر الفوانيس وحبال الإضافة وأصوات الأغاني الرمضانية.
رائحة التوابل من محال العطارة تكاد تكون فريدة عن غيرها من الأماكن، ويقول "أبو عامر" أحد التجار: "هنا أنت لا تشتري بهارات مطحونة، إنما تاريخ من الخبرة المتوارثة جيلا وراء جيل".
وأكد أن بعض أنواع البهارات الموجودة ربما لا توجد في أي أسواق أخرى بقطاع غزة، نتيجة الخبرة المتوارثة بين الباعة فيه.
تاريخ عريق
ويؤكد أستاذ الآثار في جامعات غزة، الدكتور أيمن حسونة، أن أساس سوق قيسارية وهو سوق الذهب عمره 800 عام، فيما سوق الزاوية الذي يعد امتدادا له بشكله الحالي له 100 عام.
وأوضح حسونة في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن سوق القيسارية ملاصق للجدار الجنوبي للمسجد العمري، وهو عبارة عن ممر ضيق طوله 60 مترا، مغطى بالقباب المدببة، ولا يزيد عرضه على 3 أمتار، وعلى جانبيه قرابة 38 حانوتا ومتجرا لبيع الذهب حاليا؛ ويبلغ عرض الحانوت على الشارع حوالي مترين فقط.
وأشار إلى أن السوق يتكون من مجموعة من الحوانيت الصغيرة المتراصة إلى جانب بعضها البعض على الجانبين، ويمثل نمطاً معمارياً وهندسياً يلائم الأجواء وظروف المناخ.
وأكد أن سوق القيسارية الأثري يقع في حي الدرج بالبلدة القديمة بغزة، وهو من أهم الأسواق والمعالم الأثرية التي ما زالت باقية حتى الآن، ويطلق عليه اسم (سوق الذهب) نظراً لأن المحال به تتاجر بالذهب, ويصل عمره إلى 8 قرون حيث أنشأ في العصر المملوكي.
وقال: "بناء السوق قوي لكنه يحتاج إلى ترميم لأن التجار غيروا في معالمه الأثرية بالإسمنت والرخام والجرانيت لمعالجة الرطوبة المختزنة في جدرانه".
وأوضح أن سوق الزاوية كان زاوية لجماعة من الهنود قدموا مع البربطانيين ويكتسب أهميته التاريخية من عمره لكنه يفتقد قيمته الأثرية لهدم معظم مبانيه من المواطنين لإقامة مبان حديثة.
ونبه إلى أن الناس بدؤوا هدم المباني قبل حوالي 50 سنة، مؤكدا أن عدم وجود استقرار حكومي في البلد شجع الناس على هدم المباني الأثرية وبناء حديثة مكانها وذلك لعدم وجود حكومات مستقرة تسن قوانين تمنع يد البشر عن تدمير الآثار.
وقال: "السوق يختص بالعطارة والبهارات والخضروات والمنتجات الأخرى ولا يزال يشهد نشاطا تجاربا اكتسبه من أهميته التاريخية".
وأضاف "كان في البلدة القديمة عدد كبير من الأسواق كسوق القطانين وسوق السورجية المخصص لبيع كل مستلزمات الخيول.. معظم الأسواق اندثرت، ولم يتبق إلا قيسارية والزاوية ومطلوب المحافظة عليهما من خطر الاندثار".
وعبر عن أمله في اليوم العالمي للتراث الذي يصادف 18 إبريل/ نيسان، أن يشهد السوق المزيد من العناية والرعاية والترميم، للحفاظ عليه كمعلم تاريخ وتراثي أصيل، ومنع التعديات المتكررة عليه.