ثقافة
"ساعاتي المدينة" في جوبا يشكو غدر الزمن.. هل مضى عصر الوجاهة والفخامة؟
لم يعد العم علي لاكو المشهور بـ"ساعاتي المدينة" يحظى بذات الاهتمام بعد أن تراجعت أهمية الساعات لدى سكان جوبا، عاصمة جنوب السودان.
ويقبع لاكو في محله الصغير الكائن بحي بسوق الملكية بجوبا يبيع "أحجار الساعات" ولا يكاد يجد ما يسدد به ثمن إيجار المحل الشهري، بعد أن كان قبل 3 عقود من أهم شخصيات المدينة بسبب خبرته الطويلة في إصلاح الساعات المعطلة.
يقول لاكو لمراسل "العين الإخبارية" في حسرة: "لقد مضى الزمن الذي كانت فيه الساعة تمثل كل شيء، فهي واحدة من مكملات زينة الرجل والمرأة، كما كانت تدل على مكانة صاحبها الاجتماعية ومركزه الاقتصادي، فبالإضافة إلى كونها أداة لضبط الزمن فهي كانت أيضا من شروط الوجاهة".
ويشير علي لاكو إلى أن مواطني جنوب السودان عرفوا على نطاق واسع بامتلاكهم أفخم الساعات السويسرية واليابانية في الماضي من ماركة "رادو وسيكو فايف والرولكس والأوميجا والجوفيال"، لكن مع ظهور الموبايل والكمبيوتر تراجعت أهمية الساعة وظهرت ماركات رديئة رخيصة الثمن ويتم التخلص منها بمجرد تعرضها لعطب أو تلف ويقوم الشخص بشراء غيرها.
ويزيد بالقول: "لم يعد هناك اهتمام كبير بالساعة لذلك تحول عملنا من صيانة الساعات إلى مهمة بيع وتركيب بعض قطع الغيار الخاصة بها مثل (الحجر) و"الكتينة" التي تستخدم في ربط الساعة على اليد، فنادرا ما يأتي إلينا شخص يريد إصلاح ساعة ثمينة أو نادرة".
وخلال فترة السبعينيات والثمانينيات كان محل العم علي لاكو أحد معالم المدينة البارزة حيث يرتاده المسؤولون الحكوميون ونجوم المجتمع الجنوبي، باعتباره من أميز الساعاتية الذين أتقنوا المهنة بشكل محير، فهو يستطيع تحديد العطل وإصلاحه بدقة متناهية مهما كان، وفي وقت وجيز.
ويقول لاكو: "لقد تدربت على إصلاح الساعات وأنا لا أزال صبيا يافعا في الخرطوم على يد أمهر الساعاتية قبل ما يقارب 50 عاما، فكنت أقوم بإصلاح جميع الساعات المعلقة في مكاتب الحكومة الإقليمية إلى جانب ساعات المسؤولين في الحكومة الإقليمية من أهمهم ابيل الير رئيس الحكومة وبيتر قاركوث وزير المالية وغيرهم كثير".
ويتحسر لاكو على تلك الأيام التي كان الناس فيها يلتزمون بالزمن ويفاخرون بأن ساعاتهم مضبوطة على توقيت نشرة أخبار الـ"بي بي سي"، حيث كان ارتداء الساعة (سيكو) الإلكترونية موضة منتشرة في كل ربوع جنوب السودان وذلك لأنها تصدر صوتا تنبيهيا على رأس كل ساعة، مشيرا إلى أن تراجع أهمية الساعة يعود في المقام الأول إلى بروز جيل جديد لا يهتم بالزمن ولا يقدر العمل والإنجاز؛ لذلك لا يهتمون بارتداء الساعات.
ويتابع: "تغير مفاهيم هذا الجيل عن الموضة؛ جعلهم يفكرون في وضع إكسسوارات بديلة عن الساعة، ونادرا ما تجد شخصا يضع ساعة كلاسيكية على يده، وحتى القليل منهم الذي يرتدي ساعات لا يقومون بإحضارها للصيانة متى تعطلت؛ لأنه يستطيع استبدالها بواحدة أخرى رخيصة".
ويشير إلى أن هناك حضورا ضعيفا من النساء المهتمات بارتداء الساعات في المناسبات العامة، خاصة من ماركة جوفيال، والتي تتمثل أعطالها غالبا في إصلاح "الكاتينة" أو تغييرها بأخرى جديدة، فالنساء يتعاملن مع الساعة كجزء من الزينة لذلك يفضلن أن يكون لون "الكتينة" مطابقا للون الحذاء وحقيبة اليد.
ويقول صموئيل دينق، وهو موظف يعمل في إحدى الشركات الخاصة، إنه تخلى عن ارتداء الساعة منذ ظهور الهاتف الجوال الذي يعتمد عليه في حفظ المواعيد، معتبرا أن الساعة اليدوية تحتاج لاهتمام وصيانة متكررة، وهذا يتطلب وقت إضافي.
أما جيمس منيانق، وهو موظف حكومي، فيرى عكس ذلك إذ أن الساعة بالنسبة له دلالة على أناقة الرجل العصري، فهي أداة لضبط الوقت مثلما أنها من مكملات الأناقة ولا يمكن التخلي عنها.
ويضيف: "أمتلك أكثر من 6 ساعات يدوية استخدمها في مختلف المناسبات كجزء مكمل للملابس التي ارتديها، وأنا اشتري ساعات مشابهة في ألوانها مع أحذيتي، ولا يمكنني التخلي عن الساعة لإحساسي بأنها تعطي جاذبية كبيرة للرجل".