أزمة السودان.. طبول الحرب تعلو على أصوات الدبلوماسية
بينما تتعثر هدنة وراء أخرى مع انتهاكات مستمرة من قبل طرفي الصراع بالسودان، ظهرت محدودية الدور الدبلوماسي في إنهاء الأزمة المستمرة منذ شهرين والتي تفاقم وضعا كارثيا تعيشه البلاد.
ولا يبدو أن الجيش ولا قوات الدعم السريع محاصرين بما يكفي حتى يأخذا محادثات وقف إطلاق النار والدعوات الدولية لإنهاء الصراع على محمل الجد.
وبعد مضي ما يقرب من شهرين على اندلاع الحرب، تندفع ثالث أكبر دولة في أفريقيا والتي يبلغ عدد سكانها 49 مليون نسمة، فر منهم قرابة المليونين من ديارهم بالفعل، نحو أزمة إنسانية أسوأ، إذ باتت مزارعها مهددة ولا يتسنى توصيل المساعدات إلى جميع المحتاجين بعدما تحولت مساحات كبيرة من العاصمة وغرب السودان إلى مناطق حرب.
وقال مجدي الجزولي المحلل في معهد الأخدود العظيم: "لن يتفاوض أحد بجدية حتى يشعروا بأن التوازن العسكري لم يعد قابلا للتغير... الديناميكية الداخلية لهذه الحرب تتعدى بعض الشيء مسألة النفوذ الذي يمكن لطرف خارجي أن يمارسه فعلا".
وبعد انتهاء الهدنة الأخيرة التي استمرت 24 ساعة يوم الأحد، أفاد سكان في الخرطوم ومنطقة العاصمة بتجدد القصف المدفعي والاشتباكات. وقالوا إن القتال احتدم منذ أوائل يونيو/حزيران.
وترعى واشنطن والرياض محادثات في مدينة جدة الساحلية. لكن كل هدنة مؤقتة أبرمت إلى الآن شهدت انتهاكات رغم تأكيد الجانبين التزامهما بالمفاوضات ورغم العقوبات الأمريكية.
وقال دبلوماسي مقيم في القاهرة إن هناك منتدى جديدا بقيادة الاتحاد الأفريقي يهدف إلى إشراك دول عربية وأفريقية في العملية.
وإضافة إلى مبادرات السلام المتداخلة، قال الرئيس الكيني أمس الثلاثاء، إن مجموعة أفريقية أخرى داخل ذلك المنتدى، هي الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، تعتزم مقابلة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلال الأيام العشرة المقبلة في محاولة لوقف الحرب.
وقال محمد المختار، وهو مستشار كبير لحميدتي، إن قوات الدعم السريع تدعم عمليتي جدة والاتحاد الأفريقي، وإنه ينبغي توسيعهما لتشملا الأطراف المدنية من أجل الوصول إلى "حل شامل".
وأضاف المختار في تصريح لرويترز، أن البرهان لا يمكن أن يكون جزءا من أي سلطة مستقبلية في السودان وأن حميدتي، الذي ذكر أنه مع قواته في ساحة المعركة، لن يكون له دور سياسي لكنه سيواصل قيادة قوات الدعم السريع.
ولم يرد الجيش على الفور على أسئلة وجهت إليه.
بمفردهم في الخرطوم
تهدد الحرب بتمزيق الدولة السودانية وزلزلة المنطقة بعد مرور أربعة أعوام على الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السوداني عمر البشير وبثت آمال التغيير الديمقراطي بعد عقود من الاستبداد والعقوبات والصراعات الأهلية.
واجتاح القتال، الذي اندلع نتيجة خلافات على خطة الانتقال إلى حكم مدني، الخرطوم وشقيقتيها أم درمان وبحري وكذلك منطقة دارفور المنكوبة بالصراعات في غرب البلاد وولاية شمال كردفان ومناطق أخرى.
وعبر السكان عن غضبهم من عدم وجود مسؤولين في العاصمة، إذ يفاقم هذا الإحساس بالتخلي عن أولئك الذين لم يغادروا.
وتم إجلاء البعثات الدبلوماسية بعد فترة وجيزة من اندلاع الصراع في 15 أبريل/نيسان، وانتقل الكثيرون من كبار المسؤولين السودانيين من الخرطوم إلى ميناء بورتسودان الأكثر أمنا والذي يسيطر عليه الجيش على ساحل البحر الأحمر.
وقالت محاسن إبراهيم (54 عاما)، وهي معلمة مقيمة بالخرطوم، لرويترز عبر الهاتف: "كيف نعيش نحن وأسرنا ونحن في حالة حرب؟... لا أحد نشتكي له اختفت الحكومة واختفى الوزراء وكبار المسؤولين".
وعلى عكس الصراعات السابقة، تدور المعارك بين طرفي الصراع في قلب العاصمة. وسيطرت قوات الدعم السريع على معظم المدينة، ولم ينجح الجيش باستخدام الضربات الجوية والمدفعية الثقيلة في صدها، ويحتدم القتال للسيطرة على السلطة والترسانة العسكرية في الدولة.
ويقول سكان العاصمة الذين يعانون بالفعل من تفشي أعمال النهب ونقص الغذاء والدواء والوقود إنهم صاروا أكثر عرضة للمعارك التي امتدت إلى الأحياء المكتظة بالسكان مع احتدام الحرب.
نزوح
وضع فشل المحادثات السودان، الذي كان يعتمد بالفعل على المساعدات، في حالة إنسانية خطيرة. ومن بين ما يقرب من مليونين فروا من ديارهم، عبر قرابة 500 ألف إلى دول مجاورة.
ومن المحتمل أن يكون هناك آلاف من القتلى جراء الصراع، لكن مع تشتت السلطات في عموم البلاد وإغلاق العديد من المستشفيات يصعب التأكد من الأرقام بشكل دقيق.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أمس الثلاثاء، إنه تم توصيل المساعدات إلى 2.5 مليون شخص وسط بعض الامتثال لوقف إطلاق النار، ومع ذلك فإن منظمات الإغاثة تكابد من أجل الوصول، وذلك جزئيا بسبب القيود المشددة التي فرضها الجيش في بورتسودان.
وصار الوصول من الخارج إلى مناطق في دارفور مستحيلا، مع عدم التمكن من الحصول على أنباء من مدينة الجنينة التي شهدت مقتل المئات سوى عندما يتمكن البعض من عبور الحدود سيرا على الأقدام إلى تشاد.
وقال ألان بوسويل، مدير مشروع القرن الأفريقي بمجموعة الأزمات الدولية: "إذا استمروا في القتال، فإن الدولة السودانية تنهار. قد يستغرق الأمر أجيالا لمحاولة إعادة الوحدة".
وأضاف "سيكون هذا صداعا كبيرا لأفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا لفترة طويلة قادمة ما لم يتعامل الناس بجدية أكبر لمنع هذا".
aXA6IDMuMTQ1LjEwOC40MyA= جزيرة ام اند امز