أحداث السودان.. هل تجر المنطقة إلى نزاع إقليمي؟
من "سلة غذاء المنطقة"، إلى مصدر قلق للمنطقة بأسرها، تحول من النقيض إلى النقيض، جعل السودان الذي كانت جميع القوى الجيوسياسية تتودد إليه البارحة، تتخوف من مصيره اليوم.
ذلك التحول لم يكن الطريق إليه وليد البارحة، بل إنه نتاج أشهر من الخلافات التي ظلت كامنة تنتظر من ينزع فتيلها، حتى بزغ فجر يوم السبت الماضي، حاملا في جعبته الكثير للسودان ولفرقائه ولمواطنيه.
ولليوم الخامس على التوالي، يتواصل القتال في العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى، بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي".
ورغم دخول هدنة مدتها 24 ساعة حيز التنفيذ مساء يوم الأربعاء، إلا أن أصوات البنادق لم تسكت، ولم تعد الهدوء إلى الشارع الملتهب، بل إنها أثارت الكثير من المخاوف حول عدم استجابة الأطراف المتحاربة إلى نداء تمديد الهدنة، مما يعقد الأوضاع في ثالث أكبر بلد أفريقي.
تعقيد الأوضاع الذي توقعه مراقبون، لن يكتوي بنيرانه السودان وحده، بل إن شظاياه ستطول المنطقة برمتها، والتي تعاني أمنًا هشًا وانتشارًا لجماعات مسلحة.
مخاطر كبيرة
ويقول مشرعون أمريكيون مطلعون إن المخاطر كبيرة على المنطقة برمتها، فيما قال السيناتور كريس كونز، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، في تصريحات لـ"صوت أمريكا": "لم أتخل عن الأمل في أنه لا يزال هناك طريق نحو إنهاء العنف، لكننا بحاجة إلى الاستعداد لحقيقة أن السودان قد يوشك على الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة".
وقال كونز: "ما يقلقني هو أن هذا قد يتحول بسرعة إلى حرب بالوكالة. وأن الدول الأخرى الأكثر قوة والأكثر تطورًا عسكريًا في المنطقة قد تبدأ في إرسال طائرات بدون طيار أو سلاح جوي - وربما حتى ذخائر أو قوات".
وبحسب "صوت أمريكا"، فإن ستة من جيران السودان: جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، إريتريا، إثيوبيا، ليبيا، جنوب السودان - عانوا من الصراع في السنوات القليلة الماضية.
وقال كاميرون هدسون، كبير الموظفين السابق للمبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان وزميل مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، لـ "صوت أمريكا": هناك تاريخ في هذه المنطقة من تورط هذه البلدان في النزاعات الداخلية للآخرين".
هدسون أضاف: "كل هذه الدول لديها متمردين على جداول رواتب مختلفة، أكثر من راغبة في الانضمام إلى هذه المعركة. وبالتأكيد كل هذه الدول لديها مصلحة في النتيجة النهائية لمن سيفوز في هذه المعركة".
وأوضح كبير الموظفين السابق للمبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان: "أعتقد أنه كلما طال هذا الأمر، باتت هناك أسباب للاعتقاد بأن الجيران سيرون بشكل متزايد فرصة للمشاركة"، مشيرًا إلى أن "الجهات الخارجية مثل مجموعة فاغنر الروسية، التي لديها أنشطة أخرى في منطقة الساحل، قد ترى فرصة أيضًا في المشاركة".
وضع خطير
وحذر هدسون الزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، من الوضع الحالي، قائلا "إنه وضع خطير للغاية بالنسبة لواشنطن، عندما ننظر إلى الصورة الإقليمية".
لكن واشنطن ليس لديها مجال للمناورة؛ فالعلاقات مع الخرطوم توترت منذ فترة طويلة، وعلقت الولايات المتحدة مساعدتها للسودان خلال أحداث عام 2021.
وشارك النائب الأمريكي كونز في جهود إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 2020، قائلا إن العلاقة المتوترة بين واشنطن والخرطوم تعني أن اللاعبين الآخرين، مثل الاتحاد الأفريقي والمنظمات الإنسانية مثل برنامج الغذاء العالمي، بحاجة إلى للمشاركة.
وقال كونز: "انظر، نحن بحاجة إلى بذل كل ما في وسعنا لتقليل الخسائر في الأرواح لاستعادة الاستقرار، ولإظهار مسار واضح للمضي قدمًا نحو حل للمفاوضات. لدينا بعض النفوذ، لكن هناك لاعبين آخرين في المنطقة لديهم أيضًا الكثير على المحك وبعض النفوذ ونحن بحاجة إلى العمل معهم بتنسيق وثيق".
رؤية كونز وافقها هدسون، قائلا إن هذا قد يكون المسار الوحيد القابل للتطبيق، مضيفًا: "أعتقد أن التحدي هنا هو أن النفوذ الذي تركته واشنطن ليس الذي تريد وضعه على الطاولة، وهذا هو استخدام الإجراءات العقابية".
حل وسط
وقال الزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن واشنطن تركت في مواجهة أصعب سؤال على الإطلاق: من الذي ستدعمه في هذا الصراع ذي الوجهين؟، ليضيف: إن هناك حلا وسطا (..) أعتقد أننا ندعم الشعب السوداني، وهو الذي ندعمه. نحن إلى جانب المدنيين السودانيين. نحاول إعادة الحكم المدني إلى البلاد، وكان هذا هو محور الدبلوماسية الأمريكية على الأرض."
فيما قال كونز يوم الثلاثاء إن لجنته تعمل من أجل حل سلمي، مضيفًا: "السودان دولة ذات إمكانات هائلة. يمكن أن تكون سلة غذاء المنطقة بأسرها (..) لقد أظهر المدنيون في السودان شجاعة وتصميمًا حقيقيين في قيادة التظاهرات التي أدت إلى الإطاحة بالبشير. إن جعلهم ينزلقون بسرعة كبيرة إلى الوراء إلى قتال داخلي أمر محبط".
السيناتور كريس كونز عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير: "يعتبر القرن الأفريقي بالفعل أحد أكثر مناطق العالم تقلبًا. الآن، هناك قلق متزايد من أن الاضطرابات في السودان يمكن أن تمتد إلى البلدان المجاورة، مثل تشاد وإريتريا، مما يخلق أزمة إقليمية كاملة".
فيما قال المستشار السابق للاتحاد الأفريقي بشأن السودان أليكس دي وال، في تصريحات لـ"فايننشال تايمز"، إن مخاطر التصعيد كبيرة.
"الفريقان متكافئان، للجيش قوة أكبر، فيما تتمتع قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي بخبرة قتالية أكبر وربما أموال أكثر"، يقول دي وال، مضيفًا: "يبدو الأمر وكأنه بداية حرب أهلية"، مشيرًا إلى أن كلا الجانبين لديهما قواعد انتخابية مسلحة تسليحا جيدا".
حرب أهلية
يأتي ذلك، فيما حذرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، من أن الفشل في إنهاء القتال بسرعة واستئناف المحادثات مع القادة المدنيين قد يدفع السودان مرة أخرى إلى الانزلاق لحرب أهلية.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، نقلا عن محللين -لم تكشف هويتهم-، أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار "في منطقة تتصارع مع تمرد إسلامي في الصومال".
مخاوف تحول الصراع إلى إقليمي يبدو أنها شقت طريقها إلى الواقع؛ فدولة تشاد أعلنت الأربعاء أنّ حوالى 320 عسكرياً سودانياً فرّوا الأحد من المعارك الدائرة في بلدهم بين الجيش وقوات الدعم السريع وعبروا الحدود إلى تشاد حيث سلّموا أنفسهم للجيش التشادي.
وقال وزير الدفاع التشادي الجنرال داود يايا ابراهيم خلال مؤتمر صحافي إنّ العسكريين السودانيين "دخلوا أراضينا. لقد تمّ نزع سلاحهم جميعاً وتمّ إيواؤهم".
تشاد.. على الخط
وأضاف في تصريح لـ"فرانس برس" أنّ "من سلّموا أنفسهم لقواتنا هم 320 عنصراً من القوات المسلّحة السودانية، من درك وشرطة وجيش. لقد فرّوا خشية أن يُقتلوا على أيدي قوات الدعم السريع".
ولم يدلِ الوزير التشادي بأي تفاصيل إضافية خصوصا حول الموقع الحدودي الذي عَبَره العسكريون السودانيون، إلا أنه قال إنّ "الوضع في السودان مقلق ومحزن، لقد اتّخذنا كلّ التدابير في ما يتعلّق بالأزمة السودانية"، مضيفاً "هذه الحرب لا تعنينا، إنّها بين سودانيين، علينا أن نبقى يقظين استعداداً لكل الاحتمالات".
ودخلت المعارك في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع يومها الخامس وقد أوقعت إلى الآن أكثر من 270 قتيلا في صفوف المدنيين ودفعت آلاف السكان إلى الفرار من العاصمة السودانية هربا من المعارك.
وتشترك تشاد في حدود مع السودان تمتد لأكثر من ألف كيلومتر في شرق البلد المجاور لإقليم دارفور الذي كثيرا ما يشهد أعمال عنف قبليّة لا سيما بسبب النزاعات حول الأرض وصعوبات الحصول على المياه.